حذر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أن استمرار الأزمة الحالية في سوريا يجعل تفكك البلاد أمرا لا مفر منه، وأكد أن منع هذا السيناريو هو الهدف الرئيس لروسيا.
وقال بوتين، أثناء مناقشة في إطار منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الجمعة 17 يونيو/حزيران، إن سوريا تواجه مشكلة الإرهاب وكذلك مشاكل سياسية داخلية مهمة أخرى، مؤكدا أن موسكو لا تسعى إلى توسيع سلطة الرئيس السوري بشار الأسد، إنما إلى تعزيز الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري من خلال إجراء مفاوضات سياسية.
وشدد قائلا: "الأهم اليوم هو ألا نسمح لتفكك سوريا، وإذا استمر الوضع كما هو اليوم فلا مقر من التفكك، وهو السيناريو الأسوأ للأحداث".
وحذر من أنه في حال تفكك الدولة السورية، ستظهر في مكانها دويلات مختلفة، لن تعيش أبدا في السلام والوئام، بل سيصبح مثل هذا الوضع عاملا لزعزعة الاستقرار في المنطقة وفي العالم برمته.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن تسوية الأزمة السورية تتطلب وضع دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة، مضيفا أن الأسد وافق على ذلك.
وأوضح أن "المسألة تكمن ليس في توسيع السيطرة على هذه الأراضي أو تلك، على الرغم من أهمية هذه الأمور، بل يتعلق الموضوع بضرورة ضمان الثقة المتبادلة في المجتمع السوري برمته وبين مختلف مكونات هذا المجتمع باعتبارها قاعدة لتشكيل هيئة قيادة فعالة يثق بها جميع السكان".
وأكد بوتين أن الرئيس السوري بشار الأسد يشاطر موسكو موقفها حول ضرورة إجراء مثل هذه العملية السياسية تحت رقابة دولية صارمة.
وأضاف أن واشنطن بدورها يجب أن تؤثر في المعارضة السورية من أجل المضي قدما في طريق التسوية السياسية.
كما أكد بوتين موافقته على الاقتراح الأمريكي حول إشراك ممثلي المعارضة السورية في حكومة بشار الأسد، داعيا في الوقت نفسه إلى التحلي بالحذر لدى التعامل مع هذه المسألة.
وأوضح: "أعتقد أن المقترح الأمريكي مقبول. ويجب علينا أن ندرس إمكانية إشراك ممثلي المعارضة في مؤسسات الحكم الحالية في سوريا، وعلى سبيل المثال في الحكومة". لكنه أشار إلى ضرورة دراسة الصلاحيات المحتملة لمثل هذه الحكومة أولا، مشددا على أن من الضروري الانطلاق من وقائع اليوم وعدم السعي إلى أهداف غير قابلة للتحقيق في المرحلة الراهنة.
بوتين: علينا أن نبحث عن نقطة توازن بين مصالحنا ومصالح الغرب
حذر بوتين من أن تؤدي سياسة الخطوات الأحادية التي يمارسها الغرب إلى انتشار الفوضى، ودعا إلى الاعتماد على الحوار والبحث المشترك عن حلول مقبولة، تفاديا لاندلاع حرب باردة جديدة.
وذكر الرئيس بأن الغرب دعم الثورات الملونة وأحداث الربيع العربي، ما أدى إلى تفشي الفوضى في الشرق الأوسط.
واستطرد قائلا: "إذا استمرت هذه السياسة المبنية على العمل الأحادي، دون تنسيق الخطوات على الساحة الدولية، التي باتت حساسة جدا بالنسبة للمجتمع الدولي، فلا مفر من مثل هذه العواقب السلبية. لكن، إذا كنا نصغي إلى بعضنا البعض، ونبحث عن نقطة توازن للمصالح، فلن تكون هناك أي عواقب من هذا القبيل".
وذكر بوتين بأن دولا غربية أيدت الانقلاب في أوكرانيا بدلا من دعم الانتخابات الشرعية، مشيرا إلى أن منهج روسيا في هذا المجال يختلف كثيرا ويتمثل في "سياسة تعاون وإيجاد حلول وسط".
واعتبر أن تصرفات الغرب، الذي بدأ يقترب من حدود روسيا بعد أحداث "الربيع العربي"، متذرعا بالأهداف نفسها، جاءت بغية تبرير استمرار وجود حلف شمال الأطلسي الذي يحتاج دائما إلى وجود عدو خارجي.
وفي تطرقه إلى سبل تسوية الأزمة الأوكرانية، أكد الرئيس الروسي ضرورة تنفيذ الاتفاقات الموقعة بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية، مشيرا إلى أنه يتفق مع نظيره الأوكراني، بيترو بوروشينكو، حول ضرورة تعزيز بعثة المراقبين في منطقة النزاع بشرق أوكرانيا، وربما حتى تسليح المراقبين الدوليين.
ودعا بوتين إلى إجراء إصلاحات سياسية في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن لتشكل أساسا للتسوية السياسية النهائية، بموازاة اتخاذ الإجراءات الأمنية الضرورية. لكنه حذر من استغلال ذريعة المشاكل الأمنية لتأجيل تسوية المسائل السياسية الأساسية إلى ما لا نهاية له.
وأعاد إلى الأذهان أن اتفاقات مينسك تتضمن بنودا محورية عدة، بما في ذلك إجراء تعديلات على الدستور، لكن كييف لم تنفذ هذه البنود حتى الآن، كما أنها لم تمنح المناطق المنشقة في جنوب شرق البلاد وضعا خاصا.
بوتين يدعو إلى استئناف الحوار مع أوروبا
دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى استئناف الحوار مع الاتحاد الأوروبي، مؤكدا استعداد روسيا لإبداء المرونة.
وقال بوتين، خلال مشاركته في فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، إن اللقاءات الأخيرة مع ممثلي أوساط الأعمال الألمانية والفرنسية، أظهرت رغبة رجال الأعمال الأوروبيين واستعدادهم للتعاون مع روسيا.
واعتبر الرئيس الروسي أن على السياسيين أن يستجيبوا لدعوات رجال الأعمال والتحلي بالحكمة والمرونة والنظرة الثاقبة.
وشدد على ذلك قائلا: "علينا أن نعيد الثقة إلى العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي واستعادة المستوى السابق للتعاون".
وقال: "مستعدون لنلتقي شركاءنا في منتصف الطريق، لكن لا يجوز أن يصبح ذلك لعبة مرمى واحد".
واقترح الرئيس استئناف الحوار على المستوى الفني بين الخبراء حول دائرة واسعة من المسائل، بما في ذلك التجارة والاستثمارات وإدارة الجمارك، في محاولة لإعمار قاعدة مواصلة التعاون بين الطرفين.
بوتين يرحب بنية ترامب إعادة العلاقات الأمريكية الروسية
رحب فلاديمير بوتين بأقوال دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة، عن نيته إعادة العلاقات الجيدة بين واشنطن وموسكو.
وقال بوتين: "ما أولي الاهتمام له وما أرحب به بلا شك هو تصريح السيد ترامب عن استعداده لإعادة العلاقات الروسية الأمريكية بصيغتها الكاملة. هل في ذلك شيء سيئ؟ كلنا نرحب بذلك".
وأكد بوتين استعداد روسيا للتعامل مع أي رئيس أمريكي منتخب، معربا عن أمله في أن يكون الرئيس القادم شخصا يتمنى تطوير العلاقات بين البلدين.
وذكر أن روسيا لا تتدخل أبدا في عمليات سياسية تجري في بلدان أخرى، وذلك على خلاف الولايات المتحدة التي "تعلّم الآخرين كيف ينبغي عليهم العيش وتلقي عليهم دروس الديموقراطية"، على الرغم من وجود تساؤلات حول مدى ديموقراطية النظام الانتخابي الأمريكي.
وقال بوتين إن العالم وروسيا بحاجة إلى وجود دولة قوية كالولايات المتحدة، لكن لا ينبغي أن تتدخل في الشؤون الروسية وتملي على روسيا كيف عليها أن تتصرف، ولا أن تعرقل بناء العلاقات بين أوروبا وروسيا.