يحلو للكثير من خطباء المنابر والمشايخ اتخاذ حديث روى مرة واحدة على أنه دلالة على أن الإسلام يتعامل مع المرأة باعتبارها كائناً أقل عقلاً وتمييزاً، ولا يجدون أى تناقض مع أقوالهم بأن الإسلام ساوى بين الناس كأسنان المشط، وهو الحديثُ الذى رواه أبوسعيد الخدرى؛ حيث قال: «خرج رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فى أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء، فقال: «يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكن»، وفى رواية أخرى «خرج رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فى عيد إلى المصلى، فمرَّ على نساء الأنصار، فقال: «آه منكن يا نساء الأنصار، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكن»، وهنا تم اجتزاء الحديث على طريقة «لا تقربوا الصلاة» وأصبح ما يتداول أن «النساء ناقصات عقل ودين» حيث تم قص الجزء الأول وهو الحديث لنساء الأنصار فى مناسبة عيد، والجزء الثانى وهو «أذهب للب الرجل الحازم»، وذلك حتى يتم البناء عليه منظومة كاملة تنتقص من قدر النساء فتضعف وتضعف معها الأمم ويسهل التحكم فيها، ويدعم ذلك إغفال المناسبة التى قيل فيها الحديث وإغفال المخاطب وإغفال قواعد اللغة التى تشرح معنى الحديث، لذا لا بد لفهم الحديث معرفة عدة نقاط مهمة:
أولاً: المناسبة وهى تظهر من خلال كلمات أبى سعيد الخدرى -رضى الله عنه-: «خرج رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فى أضحى أو فطر إلى المصلَّى»، فالمناسبة إذن كانت فى العيد، فهل يعمد النبى -صلَّى الله عليه وسلَّم- فى مثل هذا اليوم إلى أن يقلل من شأن النساء فى هذه المناسبة البهيجة؟! أو يتهمهن بالنقصان بدلاً من تحيتهن فى العيد
ثانياً: المخاطب، ورد فى موسوعة تحرير المرأة فى عصر الرسالة للكاتب محمد عبدالحليم أبوشقة أنهن نساء الأنصار، وليس أى نساء، وكان لنساء الأنصار مكانة متميزة حيث قالت السيدة عائشة «ليت نساء المسلمين كنساء الأنصار لا يمنعهن حياؤهن عن التفقه فى الدين، فقد كن قويات، ذكيات لا يخشين فى الحق لومة لائم.
ثالثاً: يتعمد كثير من الناقلين للحديث إغفال قواعد اللغة العربية ومنها أسلوب «المدح بالذم» وهو أسلوب معروف فى اللغة العربية، مثل وصف عمرو بن العاص بأنه «داهية» مدحاً فى ذكائه، وليس ذماً فى خصاله، وهو الأسلوب الذى اتبعه الرسول حينما قال «ناقصات عقل ودين تذهبن بلب الرجل الحازم»، ويقصد هنا التعجب من القائل عنهن ناقصات عقل ودين، أنهم لا يعرفون أن النساء أذكى وأعقل من أفضل الرجال، فإذا كانت النساء تستطيع أن تؤثر على الرجل الحازم فهل تكون أقل عقلاً، ولكن حتى تكتمل الرواية التى يريدها الراوى للانتقاص من النساء كثر تداول كلام لا يعرف صدقه كحديث أم أقوال مجتهدين حول الطمث الذى يمنع الفرائض، والعاطفة التى تؤثر على قدرتها وحتى الذين تبنوا هذا الرأى من الأولين رأوا أنه لم يكن حكماً وإنما تقرير على طبيعة النساء وإنما بواقع له علاقة بظروف البيئة، والواقع آنذاك أن النساء لم يكن متعلمات.
يمكن استخلاص القول بأن الحديث جاء لمدح قوة النساء وذكائهن وإدانة ما جاء بالعصر الجاهلى من انتقاص من حقوقهن، ومع الوقت ورغبة فى إضعاف النساء تم استخدام مقص جائر على طريقة لا تقربوا الصلاة.
نقلا عن الوطن