بقلم منير بشاى
مثل الكثيرين فى مثل سنى، كنت لا اهتم كثيرا بعيد ميلادى. وكنت لا اعلن عن هذه المناسبة، ولذلك لم يكن يعلم بها الا القلة من المقربين. ولكن هذا قد تغيّر فى عصر السوشيال ميديا وتكوين صداقات النت وامتدادهم الى كل العالم ممن نلتقى معا يوميا على شبكات التواصل الاجتماعى فيسبوك. ومنذ ايام، بعد ان اعلن الفيسبوك حلول عيد ميلادى، انهالت على رسائل التهانى من اصدقائى الجدد من كل حدب وصوب مصحوبة بصور الزهور الجميلة والتورتات الشهية التى لا تضيف الى الوزن او ترفع السكر او تزيد الكلسترول. فلهم جميعا منى جزيل الشكر والعرفان.
فى هذا المقال لن اعود الى عيد ميلادى، ولن أرهق القراء بتفاصيل مملة عن حياتى الشخصية. ولكن اريد ان اشارك بفكر خطر لى من وحى هذه المناسبة. فبعد ان عشت كل هذه السنين واختبرت من الحياة الكثير، ماذا لو اتيح لى ان أعيش حياتى من جديد؟ اى تغييرات سوف اعملها على نمط حياتى؟ طبعا هذا مجرد افتراض، فما مضى لن يعود، ولكن هذه الافكار ربما تنفع من هم فى سن مبكر. فما هى بعض الامور التى سأعملها لو عشت حياتى من جديد؟
أقلق اقل وأثق أكثر
خلال السنين واجهت ظروفا صعبة وتوهم خيالى اننى ساتحطم تماما امامها. ونتيجة لذلك عشت فى رعب فى انتظار ما سيحدث، وتسببت هذه المخاوف فى سرقة النوم من جفونى. ولكن مرت هذه الظروف ولم يحدث شىء مما توقعت، او كان ما حدث اقل كثيرا مما ظننت. ومع اننى سعيد ان الزوبعة مرت بسلام ولكننى اتأسف على الطاقة التى ضيعتها فى القلق بدون سبب. لو عادت بى السنين للوراء فبدلا من القلق لجلست لكى أضع توصيفا لاحتمالات المشكلة، ثم ما استطيع عمله لمواجهتها، وما يمكننى الاستعانة به من الغير اذا لزم الأمر. اما اذا كانت هناك ابعادا للمشكلة تفوق امكانية البشر فهنا لا ينفع القلق وكل ما نستطيع عمله هو ان نطلب العون من الله ونسلم الأمر لمشيئته.
اتذمر اقل واشكر اكثر
التذمر هو القاسم المشترك الأعظم بين البشر. قيل ان الله عندما وزع العقول فكل شخص أعجبه عقله، ولكن عندما وزع الارزاق لم يعجب احد رزقه. ولذلك نسمع الشكوى من الذين يعتقدون انهم اقل حظا من غيرهم فى مجالات الثروة او الصحة او غير ذلك. وقد نحسد هؤلاء ونتمنى ان نحصل على بعض ما عندهم. ولكننا لا نعرف ما يجرى فى حياة هؤلاء، وان بعضهم قد يتمنى ان يدفع كل ما عنده ليحصل على شىء مما عندنا. علمتنى الايام ان محصلة السعادة والتعاسة بين الناس تقريبا متساوية، وهى ليست فى اقتناء المزيد من الاشياء ولكن فى الرضا والشكر والمشاركة بما عندنا.
أدين أقل وأغفر أكثر
كلنا معرضون لارتكاب اخطاء ضد القانون الوضعى قد تؤدى بنا للوقوف امام القضاء. وقد نتعدى على القوانين السمائية ونتعرض للدينونة الالهية. ونتوب الى الله ونطلب ان يغفر لنا ذنوبنا ويعاملنا بالرأفة. ولكن الانسان فى تجبّره لا يعامل اخيه الانسان بنفس ما يريده لنفسه. ان كنا نريد غفرانا لخطايانا ينبغى ان نغفر للآخرين كما علمنا السيد المسيح فى الصلاة الربانية " واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضا للمذنبين الينا" متى 6: 12 وهذا ما يوصينا به الرسول بولس "مسامحين بعضكم بعضًا، إن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا" كولوسي 3 : 13 نحتاج ان نكون شفوقين رحماء فى احكامنا على من فى الارض حتى يرحمنا من فى السماء.
أتكلم أقل واستمع اكثر
الله خلق لنا لسانا واحدا واذنان حتى نتكلم اقل ونستمع اكثر. ويقول الرسول "ليكن كل انسان مسرعا فى الاستماع مبطئا فى التكلم مبطئا فى الغضب" يعقوب 19:1 فاذا استمعنا لما يقوله الآخر وفهمنا موقفه، قد يكون ردنا عليه مختلفا، وقد نتجنب توجيه كلمات تجرحه. ولذلك يقول الرسول "ليَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحًا بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ" كو 4: 6. نحتاج ان نعمل ضوابط على افواهنا فالكلمة التى تخرج منه لن تعود ويمكن ان تصنع دمارا يصعب احتوائه.
ابغض اقل واحب اكثر
المحبة هى تاج الوصايا واعظمها "أما الآن فيثبت الايمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن اعظمهن المحبة" 1كو 13: 13. والمحبة انواع، بعضها جنسى كالمحبة بين الجنسين (ايروز) والبعض الآخر ابوى كحب الابناء (ستيرجو)، وبعضها أخوى كحب الآخر (فيليا) . وهذه كلها مطلوبة ولا غبار عليها. ولكن هناك نوع اكثر سموا وهو المحبة الالهية (أجابى) حيث تتجه المحبة حتى الى من يناصبنا العداء. وبالتاكيد يحتاج الانسان الى معونة مضاعفة من الله ليقدر على ممارسة هذا النوع من المحبة. نحتاج ان ننمو فى هذه المحبة التى تتجه لجميع الناس دون غرض او مصلحة.
وبعد- هذه امثلة من شريعة الكمال التى نحتاج ان نمارس المزيد منها حتى تصبح حياتنا اكثر عمقا واكبر تاثيرا. نعم لن يصل أحدنا الى الكمال، ولكن يجب ان نسعى اليه "لست احسب نفسى انى قد ادركت ولكننى انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام" فيليبى 3:13
Mounir.bishay@sbcglobal.net