بقلم : د . مجدى شحاته
الاستاذ المساعد بجمعة الاسكندرية ( سابقا )
سيدنى -- استراليا
اشتد الجدل واحتدم النقاش حول تبعية جزيرتى تيران و صنافير الواقعتين فى خليج العقبة بعد توقيع الاتفاق الثنائى بين جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين فى 7 ابريل 2016 . وأكد مجلس الوزراء المصرى فى بيانه الصادر فى 10 ابريل أن الاتفاق يعتبر انجازا هاما من شأنه تمكين الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما ، وأن الرسم الفنى لخط الحدود أسفر عن وقوع الجزيرتين داخل المياه الاقليمية السعودية . وكشف البيان ان المملكة السعودية كانت قد طلبت من مصر فى يناير 1950 ( عقب حرب فلصطين عام 1948 ) ان تتولى مصر توفير الحماية للجزيرتين وهو مااستجابت له مصر وقامت بتوفير الحماية للجزيرتين منذ ذلك التاريخ . ويعتبر الاتفاق الرسمى الثنائى بين البلدين اتفاقا دوليا ذا أثر قانونى ملزم للطرفين يتمثل فى ( الاحتلال السلمى ) للجزيرتين من قبل القوات المسلحة الملكية المصرية .
أثار الاتفاق فى اللآونة الاخيرة ضجة كبيرة مفتعلة وغير مبررة فتحت الباب أمام هواة التفسيرات المغرضة من أصحاب الاجندات الخاصة لتحقيق أهداف تخدم مصالحهم ليست بخافية عن أحد ، وتهدف الى انقسام الشارع المصرى واثارة مشاعر المواطن البسيط الذى ربما لم يسمع شيئا عن الجزيرتين من قبل . !!! وبحكم عملى سنوات طويلة كباحث أكاديمى اعرف ان الوصول لاستنتاج صحيح يحتاج لدراسة وبحث واجتهاد وتحليل ولا يمكن ان تحسم الامور بالعواطف او النزعات الوطنية الزائفة ،ويأتى مقالى هذا محاولة متواضعة كقراءة فى ملف الجزيرتين بناء على ما هو متوفر من معلومات جاءت فى الاعلام أو مصادر اخرى محايدة وكلها قابلة للمناقشة بالقبول او الرفض ولا أبغى سوى اعلاء مصلحة الوطن وتوضيح مجرد وجة نظر ليس اكثر ولا اقل .ولابد ان نضع فى الاعتبار انه ليس كل مايعرف ينبغى ان يقال على الملأ وان هناك امور هامه تتعلق بالأمن القومى لايمكن الافصاح بها علنا . واحقاقا للحق وبكل الثقة واليقين لابد ان يتاكد الجميع ان مصر دولة عريقة لها سيادة وكرامة وامانة ، وانها دولة مؤسسات صاحبةحضارة تمتد لاكثر من سبعة آلاف سنة غنية بعلماء أجلاء وعمالقة فى القانون الدولى و التاريخ وخبراء عظام دوليين فى تعيين الحدود البرية والبحرية ويعرفون تمام المعرفة كل التفاصيل عن الجزيرتين وحدود الوطن وكل حبة رمل فيه
( 2 )
بالاطلاع على الموسوعة العالمية " ويكيبيديا " والتى تصدر بمعظم لغات العالم وتجذب اكثر من مائة مليون زائر شهريا جاء فيها بالنص : " مضايق تيران هو ممر مائى يبلغ طوله 16 كيلومترا وعرضه 8 كيلومترا ويفصل خليج العقبة عن البحر الاحمر ، وتوجد جزيرتين فى الممر المائى هما جزيرة تيران وجزيرة صنافير تابعتان للمملكة العربية السعودية . جزيرة تيران ، جزيرة سعودية تحتالادارة و الحماية المصرية تقع فى مدخل مضيق تيران والذى يفصل خليج العقبة عن البحر الاحمر وتبعد عن جزيرة صنافير بنحو 2.5 كيلومترا وتبلغ مساحتها 80 كيلومترا مربعا . وجزيرة صنافير هى جزيرة تتبع المملكة العربية السعودية وتقع فى مدخل مضيق تيران وتبلغ مساحتها 33 كيلومترا مربعا . وتشير الدلائل التاريخية الى أن الجزيرة كانت واقعة تحت السيادة السعودية ثم وضعت تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة و الرياض ." وجاء فى الموسوعة العالمية ايضا أن اسرائيل كانت قد احتلت الجزيرتين مرتين ، اثناء العدوان الثلاثى عام 1956 وحرب 1967 وانسحبت منهما عام 1982 ، وظلت الجزيرتان تحت الحماية والادارة المصرية . وقد طالبت المملكة العربية السعودية باستردادهما كونهما تقعان فى مياهها الاقليمية . وملحق مع التقرير خريطة ملونة توضح وقوع الجزيرتين فى المياه الاقليمية للمملكة العربية السعودية . وأضافت الموسوعة بأن المؤرخ العربى الكبير ( المقريزى ) والذى توفى عام 1442 م ذكر أن تيران و صنافير تتبعان اقليم الحجاز والذى كان يتبع مصر فى ذلك الوقت . وتشير تقارير صحفية بأن الخبير الدستورى الكبير د. نور فرحات اشار بان هناك وثيقة خاصة بالمعاهدة التى أبرمها الباب العالى للدولة العثمانية عام 1906 مع خديوى مصر بتحديد الحدود الشرقية لمصر من رفح شمالا الى طابا جنوبا والخط الفاصل بين ولاية الحجاز وبين مصر فى هذه الوثيقة لم ياتى ذكر الجزيرتين وجزيرة فرعون ايضا .
نشرت صحيفة الاهرام القاهرية فى عددها الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016 خريطة يعود تاريخها الى عام 1895م تظهر فيها جزيرتا تيران وصنافير ملونتين بلون منطقة نجد والحجاز ، ومصدرها مجموعة التايمز فى بريطانيا ومنشورة فى أطلس التايمز . وفى حديث للتلفزيون المصرى اضاف الدكتور عاصم الدسوقى استاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان أن الجزيرتين تابعتان لمملكة الحجاز ثم قام جلالة الملك عبد العزيز بضمهما الى المملكة العربية السعودية . كذلك توجد خريطة معتمدة من الامم المتحدة فى 16 نوفمبر 1973 تؤكد جغرافيا وطبقا للقانون الدولى واتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار الصادر من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة بموجب القرار 3067 ان الجزيرتين سعوديتان . وفى عام 1950 طلبت المملكة العربية السعودية من مصر أن تتولى حماية الجزيرتين . وفىجلسة مجلس الامن بتاريخ 15 فبراير 1954 صرح مندوب مصر فى مجلس الامن بأن احتلال مصر للجزيرتين اجراء احترازى دفاعى بالنظر لحالة الحرب القائمة مع اسرائيل . وبعد اغلاق مصر لخليج العقبة فى مايو 1967 صرح مندوب مصر السفير محمد القونى لفظا وحرفا بان " جمهورية مصر العربية لم تكن لديها أى نية لضم الجزيرتين ولن تضمهما مستقبلا "
( 3 )
وفى تصريحات للاعلام المصرى اكدت الدكتوة هدى عبد الناصر استاذة العلوم السياسية ونجلة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، بانها عثرت على وثيقة أثناء عملها على وثائق 1967 مصنفة (سرى جدا ) بتاريخ 20 مايو 1967 تشير الى اتفاق بين السعودية ومصر بان تقوم مصر بحماية الجزيرتين بعد حرب فلسطين ، وقد ارسلت الخارجية المصرية بمذكرة بتاريخ 28 فبراير 1950 الى بريطانيا ومذكرة مماثلة الى السفارة الامريكية بتاريخ 30 يناير 1950 .وفى تصريح للسيد سامى شرف سكرتير ورئيس مكتب الرئيس الراحل عبد الناصر أشار بأن الجزيرتين سعوديتان ومن المفترض ان تعود الامور الى نصابها الاصلى واوضح بانه عندما اعلن الرئيس الراحل عبد الناصر بان الجزيرتين مصريتان فقد أدلى بهاذا التصريح فى ظروف محددة تمس الامن القومى عام 1967 ( كانت الجزيرتان تحت السيادة المصرية) فلا يمكن ان تكون الجزيرتان ليستا تحت السيادة المصرية ويغلق خليج العقبة .
وفى عام 1990 صدر القرار الجمهورى رقم 27 بتحديد نقاط الاساس المصرية لقياس البحر الاقليمى والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر والذى اخرج الجزيرتين من البحر الاقليمى المصرى وتم اخطار الامم المتحدة بذلك فى22 مايو 1990 وهذا ما اشاراليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي فى لقائه مع ممثلى المجتمع المصرى فى ابريل الماضى حيث أكد أن مصر لم تخرج عن نطاق القرار الجمهورى السابق فى اتفاقها مع االسعودية فى اعادة ترسيم الحدود البحرية . وفى نفس القاء تحدث الاستاذ الدكتور مفيد شهاب استاذ القانون الدولى مؤكدا على أن كافة الدلائل القانونية والجفرافية والتاريخية تشيرالى أن الجزيرتين سعوديتان وانه كان حريصا اثناء الدراسة القانونية لملف الجزيرتين فى اتباع ذات المنهج الذى تم اتخاذه فى قضية ( طابا )وان الاتفاق الذى تم توقيعه جاء بناء على دراسة آراء اللجنة القومية لترسيم الحدود والتى استمر عملها ست سنوات كاملة واضاف بأن مبدأ التقادم او وضع اليد ليس معمولا بهما فى القانون الدولى . وفى مداخلة تلفزيونية ببرنامج ( هنا القاهرة ) صرح الاستاذ الدكتور فاروق الباز العالم الجيولوجى المصرى الكبير وعضو المجلس الاستشارى لعلماء مصر والخبير فى الوكالة الامريكية للفضاء ( ناسا ) بان الجزيرتين تابعتان للسعودية وان مصر حصلت عليهما لاوضاع سياسية و أكد على احقية المملكة العربية السعودية على استعادتهما . اما فى كتاب ( حرب الثلاثين سنة ) للصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فقد اكد على ان جزر تيران وصنافير هى جزر سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة و الرياض . وفى مجلس النواب المصرى دعى اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والامن القومى بمجلس النواب المصرى دعى المحررين البرلمانيين الى زيارة دار الكتب والوثائق المصرية للتعرف على الخرائط التى توضح حدود مصر علىمختلف العصوروالتى تؤكد ان الجزيرتين ليستا مصريتان علىجانب اخر صرح مصدر مسئول بأن هناك خطابا عرض على الرئيس الراحل انورالسادات من وزير الخارجية المصرى بخصوص الجزيرتين وكتب الرئيس السادات على الخطاب بخط يده " يجب عدم ادراج تيران و صنافير ضمن اتفاقية السلام لانهما سعوديتان " وهذا الخطاب موجود بالأمم المتحدة .كما ان هناك نصوص الخطابات المتبادلة بين وزارة الخارجية المصرية ونظيرتها السعودية
( 4 )
بشأن الجزيرتين عامى 1988 و 1989 خطاب وزير الخارجية السعودى بطلب اعادة هاتين الجزيرتين للسيادة السعودية بعد انتهاء اسباب اعارتهما لمصر - خطاب وزير الخارجية المصرى الاسبق د .عصمت عبد المجيد لرئيس الوزراء انذاك د. عاطف صدقى . واشار المؤرخ د.عبد العظيم رمضان فى كتابه( القضية الفلسطينية بين مصطفى النحاس و عبد الناصر ) ان جزيرة تيران لم تكن ارضا مصرية انما كانت جزيرة سعودية .
على شاشة قناة ( النهار) المصرية كشف الكاتب الصحفى والبرلمانى مصطفى بكرى أن هناك مذكرة بتاريخ 12 ابريل 1975 وجهتها السعودية الى الامين العام للامم المتحدة تعلن فيها تمسكها بالجزيرتين واخرى مماثلة 17 ابريل 1975ولم تعترض مصر .وعلى شاشة قناة ( صدى البلد ) استضاف الاعلامى عضو البرلمان مصطفى بكرى شاهدا عيان ، الاول اللواء ابراهيم محمود أول ضابط مصرى ينزل على جزيرة تيران بعد ان تسلمتها مصر من السعودية ، والشاهد الثانى اللواء الدكتورابراهيم شكيب والذى أفاد بأنه اثناء اعدادة لرسالة الدكتوراه اطلع على وثيقة محفوظة وموجودة بالارشيف العسكرى منذ عام 1948 تشير الى وجود ثلاثين جزيرة فى الخليج وكلها تابعة للسعودية اهمهما جزيرتا تيران وصنافير .
ومن أهم الوثائق التى تؤكد تبعية الجزيرتين للسعودية خرائط ووثائق موجودة بمكتبة الكونجرس الامريكى توضح بان الجزيرتين سعوديتان .
أما من حيث البعد او القرب الجغرافى فلا يعدان بمفردهما الدليل الأهم فى اثبات ملكية الجزر ، وهناك امثلة على ذلك ، فدولة البحرين تمتلك جزيرة ( حوار ) رغما من قربها من دولة قطر وبعدها من البحرين . كذلك اتبعت هيئة التحكيم الدولية للفصل فى السيادة على جزر ( حنيش ) وتعيين الحدود البحرية بين اليمن واريتريا ذات المنهج حيث أقرت بسيادة اليمن على جزر ( حنيش ) القريبة جدا من اريتريا والبعيدة جدا من اليمن . ومن الناحية الجيولوجية فجزيرتى تيران وصنافير تقعا داخل الرف القارى للسعودية حيث ان ارخبيل تيران وصنافير يشكل جزءا من الرف او الامتداد القارى لشواطئ الاقليم البرى السعودى . ويتبع هذا المعيار الاساسى لحسم الادعاءات الخاصة بالسيادة على الجزر فى حالة الدول المتقاربة او المتجاورة ، منهذا المنطلق نجد ان تبعية الجزيرتين للسعودية مستمدة اساسا من فكرة الامتداد الجيولوجى الطبيعى وليس من فكرة المياة الاقليمية السياسية .
فى تقرير هام أكد ضابط المخابرات البريطانى المتقاعد داويت يورك أن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى باعادة الجزيرتين للسعودية قرار صائب جدا ، جاء من قائد عسكرى يتمتع بخبرة عريضة لا يستهان بها فى عالم المخابرات لانه لم يعد لامريكا او اسرائيل الحق فى منع الجزيرتين من التسلح لان المملكة السعودية ليست خاضعة لاتفاقية كامب دافيد .
( 5 )
واذا كانت هناك دماء مصرية غالية من رجال القوات المسلحة الابطال قد بذلت سواء كانت من اجل الدفاع عن الجذر وفقا للاتفاق مع السعودية او دفاعا عن مياه الخليج او الحدود المصرية فهذا لايعنى بالضرورة ملكية مصر لهما وكلنا نعرف ان هناك ابطال شهداء من الجيش المصرى ضحوا بارواحهم على أرض اليمن او على الارضى السورية ولم يطالب أحد بضم اليمن او سوريا الى مصر .
اما بخصوص اجراء استفتاء شعبى وفقا للمادة 151 من الدستور المصرى لأخذ راى الشعب عن اى أمر يتعلق بالسيادة ، فاولا : اذا كانت الجزيرتين سعوديتان فى الاصل فالدولة هنا لم تتنازل عن سيادة شبر واحد من ارضها ، ثانيا : بما ان الدستور المصرى لا يجيز باى حال من الاحوال ابرام اى معاهدات يترتب عليها التنازل عن حبة رمل واحدة ... اذن لماذا نثير مشاعر الشعب ونطالب باستفتاء شعبى عن امور لم تحدث من الاساس ؟؟؟ وكثير من ابناء الشعب لا يعرفون عنها شيئا .. ولكن وفقا للدستور يتم حاليا طرح الامر بكامله امام مجلس النواب المصرى للمناقشة ودراسة كل الوثائق وبكل الشفافية والتصديق على الاتفاق اذاحاز على الموافقة . والمصريون يضعون كل الثقة والتقدير فى نوابهم المنتخبون من الشعبوالذين يسعون جهدا بعدم التفريط فى أى حبة من تراب الوطن وهى نفس الثقة التى يضعها الشعب المصرى العظيم فى جيشة الباسل وقيادة الدولة الوطنية الحكيمة .
انالعمل على ترسيم الحدود البحرية بين مصر والشقيقة المملكة العربية السعودية استمر لاكثر من ست سنوات عقدت خلالها احدى عشرة جلسة مباحثات وان القرار لم يكن قرارا متسرعا كما يروج البعض ، ولكن الاعلان عن الاتفاق ربما لم يكن فى الوقت المناسب . ولابد ان يتاكد كل فرد من ابناء الشعب المصرى العظيم ويثق بكل الثقة واليقين ان مصر الغالية ورئيسها المخلص لوطنه وحكومتها الرشيدة وجيشها الباسل الذى ضحى ويضحى دائما من اجل حماية كل شبر من تراب الوطن الغالى لايمكن لهم بأى حال من الاحوال التفريط فى حبة واحدة من تراب أرض الوطن الغالى ، لابد ان ندرك ايضا انه حفاظا على الامن القومى ان كل ما يعرف ينبغى الا يقال على الملأ فهناك امور تتعلق بالامن القومى لا يمكن الافصاح عنها . ان مصر الغالية على قلب كل مصرى فى حاجة ماسة فى هذا الوقت الحرج ان نقف جميعا صفا واحدا بكل القوة و العزيمة ونمنح كل التاييد للقيادة الحكيمة الوطنية والمسئولين للمضى قدما نحو بناء مصر الحديثة مصر المستقبل مصر الامل .