فازت حملة "الرحيل" رسمياً في استفتاء الاتحاد الأوروبي، متجاوزة هدف الوصول إلى 16.8 مليون مؤيد، قبل أن تتوجه نحو تأمين 51.9 في المئة من الأصوات.
ومع انتهاء كل عمليات الإحصاء، حققت حملة "الرحيل" المراد، بمجموع أصوات تجاوزت 17.4 مليون صوت، أي بفارق أكثر من 1.2 مليون صوت عن حملة "البقاء"، التي حصلت على نحو 16.1 مليون صوت.
وفور صدور النتائج، أعلن نايجل فاراج زعيم "حزب الاستقلال" البريطاني، المناهض للاتحاد الأوروبي، أن يوم الخميس (23 حزيران/يونيو) هو "يوم استقلالنا".
في المقابل، فشل رهان رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، وأعلن عن تنحيه عن الحكم، منهياً بذلك عملياً حياته السياسية.
وسيجتمع مجلس العموم يوم الاثنين المقبل لمناقشة قرار تفعيل التفاوض لمدة عامين على شروط مغادرة المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهو بالتأكيد قرار سيتركه كاميرون لخليفته الذي يُحتمل أن يكون بوريس جونسون.
في هذا السياق، رأت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن هذا هو أكبر اضطراب سياسي في البلاد، منذ تدهور شعبية "الحزب الليبرالي" على حساب "حزب العمال" بعد الحرب العالمية الأولى.
لكن، بعيداً عن بريطانيا، أحدث رحيل المملكة المتحدة زلزالا كبيرا بين الأوساط السياسية في دول المنظومة القارية، وقدَّم دفعة قوية للأحزاب المتشككة والمناهضة للاتحاد الأوروبي. حيث ظهرت إلى العلن حملات جديدة تحت أسماء مختلفة مثل Dexit، Frexit، Auxit، و Nexit.
ففي النمسا، كشف استطلاع جديد للرأي أجراه مركز «بيتر هايك لاستراتيجيات الرأي» أن 40 في المئة من النمساويين يريدون إجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي. ووجدت الدراسة أن 38 في المئة من المشاركين صوتوا لمصلحة "Auxit".
وعلى الرغم من أن 53 في المئة من النمساويين يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإن الفجوة ليست كبيرة، لا سيما بالمقارنة بنتائج نفس المسح، الذي أُجري في عام 2014، حيث أيد ربع الشعب فقط على مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبالمثل، أظهرت استطلاعات للرأي أُجريت مؤخراً في إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، السويد، هولندا وجمهورية التشيك والمجر أيضاً، أن هذه البلدان يمكن أن تقتفي أثر بريطانيا إذا ما نجحت في مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وينشط في هذا الموضوع الساسة المتشككون ببروكسل، والذين في ضوء نتائج الاستفتاء البريطاني قد صعَّدوا من خطابهم الداعي للخروج من الاتحاد الأوروبي.
ففي هولندا، دعا الزعيم المناهض للهجرة والإسلام خيرت فيلدرز إلى إجراء استفتاء على عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي. وقال فيلدرز، الذي يقود استطلاعات الرأي في بلاده، إنه إذا ما انتُخب رئيساً للوزراء في الانتخابات العامة في آذار/مارس المقبل، فسيدعو مواطنيه إلى الاستفتاء أيضاً.
ثم، في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو المقبلين، ستصوت فرنسا في الانتخابات التي يرجَّح أن تصل فيها مارين لوبان المناهضة أيضاً للاتحاد الأوروبي إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من تأكيد استطلاعات الرأي أن لوبان ستخسر في الجولة الثانية، فإن وسائل الإعلام المحسوبة على أقصى اليمين تؤكد أن هذه النسب قد تتغير، خاصةً بعد إعلان لوبان عن سياستها التي تتميز بمزيج من القومية والحنين إلى الماضي.
ولمواجهة هذا الموضوع، خير الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأوريين بين التفكك و الوحدة ، بعد رحيل بريطانيا، وتزايد الحديث عن الـFrexit؛ حيث كتبت لوبان في صفحتها على "التويتر": "النصر للحرية! كما كنت أطالب لسنوات عديدة، نحن الآن بحاجة إلى نفس الاستفتاء في فرنسا و بلدان الاتحاد الأوروبي".
كل هذه الأحداث المقبلة، فضلا عن الانتخابات الفدرالية الألمانية، حيث إن القوى الشعبوية مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) تصعد في سلم استطلاعات الرأي بصورة دراماتيكية. ومن المفترض أن تعطي مسألة الـBrexit دفعة جديدة وتصعيد أكبر للحزب المعارض في السياسة الألمانية.
في هذا الصدد، يقول هانس كوندناني، الباحث في «صندوق مارشال الألماني» (GMF)، إن من السابق لأوانه التكهن بتأثير استفتاء الـBrexit على ألمانيا، ولكنه يؤكد أن "في بعض الأحيان يوجد هناك توجه من قبل النخبة السياسية الألمانية للتقليل من شأن التغيير في المواقف الألمانية نحو أوروبا"؛ مشيراً إلى المكاسب الكبيرة التي حققها حزب البديل المناهض للاتحاد الأوروبي في الانتخابات الإقليمية في آذار/مارس الماضي.
وعلى عكس ما توحي استطلاعات الرأي الألمانية بأن الغالبية العظمى من الألمان يؤيدون بقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي، فإن تلك المواقف "تتغير بشكل كبير" على مر السنين، ولا سيما منذ أزمة اللاجئين، حيث أصبحت ألمانيا "مكاناً لا يمكن التنبؤ بها كثيراً"، بحسب كوندناني.
ومع ذلك، على المدى القصير، فإن الحديث عن التفكك السياسي على مستوى القارة الأوروبية قد يكون أمرا مبالغا فيه. فبريطانيا كانت بالفعل شبه منفصلة من الاتحاد الأوروبي، حيث كانت خارج منطقة عملة "اليورو" ومنطقة فضاء "شنغن". ولكن، كما يوضح تصويت الـBrexit، فإن النموذج الأوروبي يسير ببطء نحو تجاه آخر.