الأقباط متحدون - «سعاد حسنى».. التعبير الأمثل عن فتاة الطبقة المتوسطة
أخر تحديث ٠٥:٢٦ | السبت ٢٥ يونيو ٢٠١٦ | ١٨ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٧٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

«سعاد حسنى».. التعبير الأمثل عن فتاة الطبقة المتوسطة

محمود الكردوسى
محمود الكردوسى

فى يوم الجمعة، الثانى والعشرين من يونيو 2001، أى منذ خمسة عشر عاماً بالتمام والكمال، ماتت السندريلا «سعاد حسنى». ومنذ رحيلها حدثت أشياء أكثر غموضاً وإثارة من موتها.. مات آلاف البشر. زُلزِلَت عروشٌ، وتغير وجه الدنيا.. لكنك لا تستطيع أن تنسى سعاد حسنى -حياة وموتاً- لأنها «سينة» مبهجة فى تتابع مشاهد مقرف وكئيب ولا نهائى، لذا فإن الكتابة عن «سعاد» جزء من متعة معايشتها.

■■■
كانت «سعاد» ابنة خالصة للطبقة المتوسطة: أسرة مزدحمة بالأبناء، ومزدحمة بالميول والتجليات الفنية (خط، رسم، نحت، تلحين، غناء، تمثيل). وكان جمالها عادياً، أى قريباً ومألوفاً لجمهور هذه الطبقة. جمال «واقعى» يفضى إلى جمال «كامن» جعلها حلماً لكل شاب ومثلاً أعلى لكل فتاة. وإذا كان ظهور «سعاد» فى أواخر الخمسينات قد واكب حراكاً سياسياً واجتماعياً تصدرته الطبقة المتوسطة وأفادت منه أكثر من غيرها.. فهى أعادت -عبر أدوارها الجادة والخفيفة فى آن واحد- إنتاج أهم صفات فتاة هذه الطبقة: التحفظ إلى حد الصرامة، والرغبة الطاغية فى الانفلات، أى التمرد على كهنوت الذكر.

■■■
لعبت «سعاد» دوراً فاعلاً فى كسر أو تخفيف حدة الطابع الميلودرامى لصورة البنت المصرية فى السينما، هذا الطابع الذى عززه انكسار وتخاذل معظم بطلات فاتن حمامة بقدر ما عمق نجوميتها لدى قطاعات هائلة من الجمهور المصرى والعربى. ومنذ منتصف سبعينات القرن الماضى وحتى منتصف الثمانينات.. عبرت اختيارات «سعاد» عن خوفها من ضياع المكاسب التى حققتها المرأة فى مجتمع منقسم بين تمسكه بشرقيته وانبهاره بالقيم والأيديولوجيات المستوردة، لذا تحول نقاشها المرح إلى حزن دائم، بلغ ذروته فى مقتل السندريلا «بهية» فى (المتوحشة - 1979) وانتحار «نوال» فى (موعد على العشاء - 1981). وفى آخر أفلامها (الراعى والنساء - 1991) بدت «وفاء» واحدة من ثلاث نساء يتصارعن على رجل غريب، وتصدرت الكادر نجمة بمواصفات ووظائف جديدة هى يسرا، والمسافة شاسعة كما يبدو بين «وفاء» و«نعيمة» التى عاندت الجميع وتشبثت بحبها للمغنواتى حتى كسبت معركتها (حسن ونعيمة - 1959).

■■■
كانت سعاد حسنى فى الثلاثين من عمرها تقريباً عندما عُرض (خللى بالك من زوزو) أوائل السبعينات. وقد ظلمت نفسها وجمهورها عندما تخلت تدريجياً عن دور الفتاة الرومانسية خفيفة الظل الذى أسست عليه جانباً كبيراً من حضورها، وكان سبباً فى استحواذها على لقب «السندريلا». وفى هذا السياق يمكن القول إن استسلامها للخطاب الأيديولوجى لـ«على بدرخان» -زوجاً ومخرجاً- أربكها قليلاً، لكنه فى الوقت نفسه وضعها على أعتاب مرحلة نضج، أصبحت خلالها أكثر وعياً بمسئولياتها كنجمة كبيرة، وكذلك أكثر حرفية (أصبحت تمثل بعينيها أو بالتفاتة من وجهها أو حتى بحركة من يديها).

وخلال الثمانينات قدمت سعاد عدداً من الأفلام الفاشلة تجارياً رغم أهميتها الفنية، وقيل إن هذا الفشل أسلمها إلى حالة من الإحباط ثم الاكتئاب ثم العزلة، وأضيف المرض بعد ذلك ليتحول الأمر إلى قطيعة مع كل شىء. ويعتقد كثيرون إن موتها كان «انتحاراً» لهذا السبب، لكننى فى الحقيقة لا أراه انتحاراً ولا اغتيالاً ولا حتى موتاً طبيعياً.. بل جزء من «جوهرها البطولى».

■■■
استهلت «سعاد» بموتها قرناً جديداً، وأطلقت فضولاً لدى خبثاء كثيرين عمن تستحق لقب «ممثلة القرن العشرين» فى السينما المصرية: هى.. أم فاتن حمامة؟. إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائى -الذى انعقد عقب رحيل سعاد ببضعة أشهر- اختارت «فاتن»، وكان اختياراً مستفزاً لم أسترح له شخصياً، على الرغم من أننى لا أنكر حجم وتاريخ «سيدة الشاشة»، ولا دورها فى تأكيد «الجوهر الأخلاقى» للفن وللسينما على نحو خاص.

«سندريلا».. أم «سيدة شاشة»: أجد نفسى أكثر انفعالاً باللقب الأول، هذه واحدة. أما الثانية فتتعلق بمكونات النجمة لدى كل منهما. فاتن (وهذه قناعة شخصية لا تقلل من قدرها) أقرب إلى نمط المبدع الموظف. وهى قياساً إلى سعاد.. تشبه نجيب محفوظ قياساً إلى يوسف إدريس. وليس فى طبيعة فاتن أو فى تركيبتها كفنانة ذلك الوهج والتوتر والشطط والميل الفطرى إلى عدم الاستقرار. ليس فى حياتها دراما، ولم أكن أشك لحظة واحدة فى أنها ستموت بعيداً عن فراشها ووسطها وتاريخها. فنانة منضبطة، موسوسة، مستقيمة أكثر من اللازم. ولديها مزاج ديكتاتورى، سواء فى موقع التصوير أو حتى فى تسويق نفسها كنجمة. كان لها دائماً مخرجون ومصورون تفضل العمل معهم أكثر من غيرهم (بركات إخراجاً ووحيد فريد تصويراً). وفى غالبية أعمالها عبرت عن أكثر ملامح فتاة الطبقة المتوسطة بؤساً وميلودرامية. مقهورة، مغلوبة على أمرها، تبكى كثيراً وليس فى وسعها سوى أن تبكى، وفى المحصلة الأخيرة هى لم تمثل سوى دور واحد لا استثناء منه إلا لتأكيد القاعدة. أما «سعاد» فقد ماتت مغدورة، معذبة، وغريبة، لا أحد يعرف أو سيعرف كيف ماتت، وسيتحول موتها -مثل مارلين مونرو وديانا سبنسر وغيرهما- إلى لغز.. إلى جزء من الطابع الأسطورى لحياتها. وحسب التقاليد المهنية السائدة هذه الأيام فإن موتها سيتحول إلى «لقمة عيش» لكثير من الكتاب والصحفيين. لن يهتم أحد بمن قتل سعاد حسنى وكيف ماتت ولماذا ماتت قبل أوانها!. غير أن كل المقدمات فى حياتها الواقعية والسينمائية لم تكن لتوحى بأنها ستموت على فراشها، بين يدى محبيها، وبعد عمر طويل. لقد قلت وما زلت أقول إن سعاد «بنت موت». وإذ كانت تترك فى كل بطلة قبساً من روحها.. فهى حاضرة إذن فى كل بطلاتها.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع