بقلم منير بشاى
عنوان المقال قد يبدو صادما للبعض وان كان صادقا. هو يصف الارهاب الذى يسيطر على العالم اليوم بانه اسلامى، وهذا حقيقى. وهو يختلف عن وصف المسلمين جميعا بالارهابيين الذى هو تعميم مخل ومرفوض. وهذا يتفق مع ما قاله احد المفكرين المسلمين "ان معظم الارهابيين مسلمين ولكن معظم المسلمين ليسو ارهابيين".
لا يختلف اثنان على ان هناك توجّهات ارهابية عند البعض ممن يسمّون انفسهم مسلمين مبنية على تفسيرهم لبعض النصوص الاسلامية. ومن يشك فى هذا كل ما يحتاجه ان يراجع قوائم العمليات الارهابية فى العالم ويعرف من كانوا ورائها. وايضا يمكنه عمل حصر باسماء المنظمات الارهابية فى العالم وتحديد المرجعية الدينية لهذه المنظمات. وايضا يقرأ تفسيرات بعض الشيوخ امثال القرضاوى والشعراوى والحوينى وغيرهم.
ورغم هذا، وجدنا سياسيون يتحاشون وصف الارهاب بانه اسلامى. ويرددون العبارة التى تقول "ان الارهاب لا دين له". وهى عبارة ضالة ومضللة، فالدين الذى قيل عنه انه افيون الشعوب هو نفسه قد اصبح اصل الارهاب. فمن يقدم على قتل غيره وقتل نفسه ان لم يكن يتصور انه يعمل هذا بامر الله ورغبة فى التمتع بجناته او الهرب من جحيمه؟ وبالطبع نحن لا نتكلم هنا عن الدين كله ولكن عن الدين الذى يشط عن المسار الصحيح.
هناك فى العالم اليوم حوالى 7 مليار انسان. من هؤلاء حوالى مليار انسان لا دين لهم. هؤلاء الذين لا دين لهم لم نسمع عن احدهم يقوم بعملية ارهابية ضد احد.
أما المنتمين للاديان فى العالم وعددهم حوالى 6 مليار فتوزيعهم تقريبا كالآتى: 2.2 مليار مسيحى- 1.5 مليار مسلم – اقل من مليار هندوسى – ½ مليار بوذى – اقل من مليار يتبعون ديانات اخرى تزيد عن 4300 ديانة. والان يجىء السؤال: بين اديان العالم كلها ايها يقوم اتباعه بمعظم العمليات الارهابية فى العالم؟ اترك الاجابة على هذا للقارىء.
امام هذا رأينا ردود افعال من الاسلاميين تحاول دحض الشبهة. وكانت فى فترة تتجه الى الانكار التام والرد بأن الاسلام هو دين السلام وترديد بعض النصوص المكية المنسوخة عن السلام. ثم تطور الأمر الى سرد بعض الحوادث التى قام بها اشخاص محسوبين على المسيحية للتدليل على ان العنف مشترك. مع انه لا يوجد نص واحد فى المسيحية يمكن ان يستند عليه أحد لارتكاب العنف. ثم رأينا محاولات التماس الأعذار مثل الفقر مع ان هناك شعوب تعانى نفس الشىء ولا تعتدى على احد.
ورأينا الارهاب الاسلامى يمتد الى الغرب بعد ان كان مركزا على الشرق وللتخفيف من وقع العمليات الارهابية ضد الغرب رأينا الاسلاميين يستعملون تبريرات كثيرة منها:
• احد التبريرات يقول ان الغرب هو الذى مد الارهابيين بالسلاح والتدريب العسكرى ولذلك ليس من حقه ان يشكو اذا انقلبوا ضده.
وفى هذا المجال نسمع المقولة التى تتردد على كل لسان ان "امريكا هى التى صنعت الارهابيين" وان "امريكا هى التى صنعت داعش". ومع ذلك فما زلت ابحث عن جواب للسؤال المحير: اذا كانت امريكا هى التى صنعت داعش فلماذا تحاربهم؟ ولماذا تستهدف منهم؟
الكلام عن ان امريكا هى التى صنعت الارهابيين يخلط بين الاوراق ويأخذنا الى مناسبة اخرى وملابسات أخرى لا صلة لها بما يحدث اليوم. امريكا درّبت المجاهدين الافغان فى حربهم ضد الاتحاد السوفييتى بهدف اجلاء السوفييت عن افغانستان. هذا تكتيك معروف ان تتعاون مع غيرك لتهزم العدو المشترك. واليوم تعمل امريكا مع الاكراد نفس الشىء فتدربهم وتعطيهم السلاح لهزيمة داعش. وقد نجح الاكراد فى استرداد حوالى نصف ارض العراق و 10% من ارض سوريا.
بل ولا يقبل العقل ان مجاهدين الأمس هم أنفسهم داعش اليوم لأن الفارق بين المجاهدين ومن بعدهم القاعدة وبعدهم داعش عشرات السنين، وحتى ان كانوا يحملون ايدلوجية اسلامية متشابهة ولكنك تتعامل مع فصائل مختلفة تماما فى الافراد والمعدات والاهداف الدينية والخلفيات الاثنية.
• تبرير آخر يقول ان الغرب هو الذى خلق حالة الفوضى فى الشرق الاوسط وهذا اوجد المناخ الذى ساعد على ظهور المنظمات الارهابية مثل داعش.
وفى هذا الاطار نسمع ما يشاع عن نظرية الفوضى الخلاقة التى قيل ان امريكا تتبناها من اجل اشاعة الفوضى حتى يتم تقسيم المنطقة الى دويلات يسهل لأمريكا هزيمتها والهيمنة عليها.
من يقول بهذا يتغافل ان تلك الدول منقسمة أصلا الى كيانات اثنية لا تقبل بعضها البعض وان من كان يحافظ على تماسكها هو وجود ديكتاتوريين يحكمون بلادهم بالحديد والنار. وانه عندما قامت ثورات الربيع العربى (التى قامت بها الشعوب) وسقط بعض الديكتاتوريين حدث تفتت لهذه البلاد.
واما نظرية الفوضى الخلاقة فهى لا تعنى خلق الفوضى ولكنها تعنى استغلال الفوضى الحادثة لخلق مناخ يستطيع فيه الاقليات المتنافرة ان يتعايشوا معا.
• ثم هناك تبرير ثالث يقول ان الغرب يستحق ما يجرى له لايوائه للمتطرفين الاسلاميين.
وهو تعبير يلوم الغرب على عمل انسانى قاموا به. فالغرب استقبل آلاف المهاجرين من ضحايا الحرب فى الشرق الاوسط وللاسف كان مدسوسا بينهم بعض الارهابيين. ولكن الغرب كان يتصرف من منطلق انسانى فضلا عن ان اللوم كان قد بدأ يطاله من تردده فى ايواء اللاجئين من الاطفال والنساء الذين كانوا يتعرضون للغرق فى البحر يوميا. فالغرب ملومون اذا فعلوا واذا لم يفعلوا!
الخلاصة اننا نقف اليوم امام ظاهرة واضحة للارهاب الاسلامى ونحاول ان نفهم طبيعة المشكلة وكيفية العلاج. التشخيص الصحيح يبدأ بتسميته باسمه الصحيح، والعلاج الصحيح يتجه للجانى وليس الضحية. والصدق وليس المراوغة هو اقصر الطرق للحل.
Mounir.bishay@sbcglobal.net