الأقباط متحدون - تركيا وقنبلتها شبه النووية التي فجرها أردوغان بلمسة شيطانية
أخر تحديث ٠٤:٥٧ | الاثنين ٢٧ يونيو ٢٠١٦ | ٢٠ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٧٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

تركيا وقنبلتها شبه النووية التي فجرها أردوغان بلمسة شيطانية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ميشيل حنا الحاج
الحديث عن السلاح النووي، ليس حديثا شيقا، لأنه حديث عن سلاح يحصد الأرواح بالآلاف. فنتائجه المؤلمة هي التي دفعت دول العالم الكبرى للسعي الى الحد من الانتشار النووي، بل وبسببه قامت كل من روسيا الاتحاية والولايات المتحدة بتدمير عشرات  الرؤوس النووية التي كانا يمتلكانها، رغم احتفاظم،  بدواعي دفاعية،  بعدد من الرؤوس النووية الكافية لتدمير أجزاء كبيرة من العالم. 

ولندرك مدى الأذى الذي تلحقه الأسلحة النووية بأبناء البشر وبالانسانية، لا بد أن نستعيد الى الذاكرة ما حدث في هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين قبل سبعة عقود ماضية.  ففي السادس من آب 1945، القت الولايات المتحدة قنبلتها النووية الأولى على هيروشيما، مما تسبب بمقتل تسعين الفا من سكانها قضوا نحبهم فورا، بينما أصيب 146 ألفا آخرين من السكان كانت اصابات بعضهم خطيرة، وقد قضى بعضهم نحبه في وقت لاحق.  وفي التاسع من آب، أي بعد ثلاثة أيام فقط، القت الولايات المتحدة قنبلتها النووية الثانية على نكازاكي مما تسبب بمقتل 39 ألفا من سكانها، وباصابة ثمانين ألفا آخرين باصابات مختلفة، وقد قضى بعضهم  بعدها متأثرين بتلك الاصابات. وكانت النتيجة المأساوية لهاتين القنبلتين، اللتان حققتا نتائج سياسية فرضت على اليابان اعلانها الاستسلام بدون قيد أو شرط،، مقتل ما مجموعه 129 ألفا من البشر، واصابة آلاف  آخرين.

ولم يتوقف السباق النووي على الولايات المتحدة، اذ سرعان ما لحقت بها ايضا  جمهوريات الاتحاد السوفياتي، ومن ثم  بريطانيا وفرنسا، وبعدهم الصين، اذ  امتلكت تلك الدول جميعها أسلحة نووية، اريد بها الحفاظ على توازن الرعب النووي لا استخدامها كما يقال ويشاع.

ولم يسلط الضوء كثيرا على دولة اسرائيل التي سعت أيضا للدخول في نادي الدول النووية، ونجحت في ذلك نتيجة دراساتها ثم تجاربها النووية الاولى في جنوب افريقيا، وبالتعاون مع حكومة دولة جنوب افريقيا العنصرية التي تمارس التمييز العنصري ضد السود من ابنائها...مما أدى الى انتاج عدة رؤؤس نوية يعرف القاصي والداني وجودها لدى اسرلائيل.

 كما لم يسلط الضوء كثيرا على قيام اسرائيل في السابع من حزيران 1981 بتنفيذ عملية عسكرية أطلق عليها اسم بابل، استطاعت بتنفيذها  تدمير المفاعل النووي العراقي المسمى مفاعل أوزيراك أو آراك.  ولكن سلط الضوء ولو لفترة قصيرة، على كل من الهند وباكستان في عام 1998،عندما  أجرت الهند في الرابع عشر من أيار (مايو) تجربتها النووية الأولى لقنبلة أشرف على انتاجها عالم هندي اسمه عبد الكلام. ولكن الغريب  في الأمر أن غريمتها باكستان، قد أجرت بدورها تجربة نووية بعد  مضي عدة أيام فقط على التجربة الهندية.  ولم يعلم أحد ان كانت التجربة الباكستانية قد تمت نتيجة جهود وأبحاث نووية باكستانية، أم نتيجة قنبلة نووية نقلت اليها بالطائرة من قبل الولايات المتحدة أو الصين، اللتان لهما مصالح  في الحفاظ على توازن القوى بين الجارتين اللدودتين الهند وباكستان، واللتين دخلتا في السابق في حربين طاحنتين، ولا تزال توجد بينهما معضلة قائمة هي النزاع حول كشمير.

ولكن الكثير من الضجيج، قد أثير حول التجارب الصاروخية والنووية التي شرعت كوريا الشمالية  باجرائها منذ تسعينات القرن الماضي، تخوفا من الدول الغربية التي خاضت حربا ضد كوريا الشمالية  في عام 1950 بذريعة  الحفاظ على استقلال كوريا الجنوبية وحمايتها  من تهديد كوريا الشمالية التي بدورها تخشى تهديد الولايات المتحدة. فمن أجل حماية نفسها من ذاك التهديد، أخذت تطور أسلحة نووية، وقد أجرت تجارب ناجحة على بعضها.

وضجة مشابهة قد ثارت أيضا حول مساعي ايران الاسلامية لبناء وتطوير مفاعلات نووية، قالت ايران بأنها تسعى لاستخدامها في  انتاج طاقة نووية  سلمية تستخدم في الصناعة والاستهلاكات الأخرى، لكن الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها في الدول الغربية، خشوا أن تتطور تلك المفاعلات لتبلغ مرحلة انتاج قنبلة نووية.  وكان آكثرالمتخوفين من ذلك التطور، هي دولة اسرائيل  بل وبعض دول الخليج أيضا، تخوفا من اختلال موازين القوى في المنطقة.  لكن أحدا رغم هذا الضجيج، لم ينتبه الى قنبلة، بل قنبلتين نوويتين أو شبه نوويتين امتلكتهما تركيا أردوغان.

قنبلة تركيا النووية
=========== 
الواقع انهما قنبلتان وليستا قنبلة واحدة. ومحورهما حدود تركيا الدولية التي وجد فيها أردوغان قدرة على التفجير الكبير بقوة تزيد آثارها على آثارقنبلة نووية.  وقد اكتشف أردوغان وجود القنبلتين الموقوتتين منذ اللحظات الاولى لتوليه السلطة في تركيا.  وقد أحسن استغلالهما واستثمارهما استثمارا جيدا لتحقيق أهدافه الطامحة لتطوير تركيا في العهد الأردوغاني، لتصبح الدولة الأقوى في المنطقة عبر اضعاف واشغال معظم دولها الأخرى بوسائل وكوارث شيطانية. 

وكانت القنبلة الأولى هي قنبلة فتح حدوده  الشرقية، أي حدوده الدولية مع سوريا، ليمر عبرها من شاء من المقاتلين والمرتزقة، اضافة الى مرور كل مايحتاجونه من سلاح ومال.  فالنتيجة كانت حربا كبرى على أراضي سوريا منذ عام 2011، أزهقت حتى نهاية عامها الخامس،  أرواح أكثر من ربع مليون انسان. ومع انقضاء الثلاثة شهور الماضية من عامها السادس، يقدر أن الرقم قد تجاوز 270 الفا، أي ثلاثة أضعاف الأرواح التي ازهقتها قنبلة هيروشيما التي قتلت تسعين الفا من اليابانيين. ألم أقل منذ البداية، أن المخاوف من قنبلة نووية ليس في قوة انفجارها ومدى تدميرها، بل بما تزهقه من أرواح بريئة. وقد أثبت فتح الحدود التركية مع سوريا لكل من هب ودب، أن هذا الفتح كان له فعلا على أرض الواقع، مفاعيل أقسى من مفاعيل قنبلة نووية بالنتائج المأساوية التي حققها.  وكانت لها بطبيعة الحال مفاعيل أخرى، اضافة الى مفاعيل تدمير سوريا، ومنها مفاعيل خفية تسعى لايغار الصدور بين دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، وايران...بذريعة أن ايران تسعى لتحقيق الهلال الشيعي، فلا بد من التصدي له في حرب تخاض في سوريا، علما أن الهدف الحقيقي هو استنزاف الطرفين، السعودي والايراني، لتبقى تركيا في نهاية الأمر، (مع غياب مصر وانشغالها بمصاعبها الداخلية)، الدولة الأقوى في المنطقة التي تستطيع في نهاية الأمر الهيمنة على كافة دولها.

واذا كانت تلك مفاعيل القنبلة الأولى، فان القنبلة الثانية كانت لها مفاعيل أقل من قنبلة ناكازاكي من حيث عدد  الضحايا. لكن آثارها على الدول المتأثرة بها، كادت تقارب مفاعيل القنبلة الأميركية النووية الثانية على اليابان من حيث الآثار السياسية. فالمعلوم أن القنبلة النووية الأولى لم تستدرج اليابان لاعلان استسلامه للحلفاء، وبالذات للأميركيين.  بل القنبلة النووية الثانية، رغم ضآلة ضحاياها قياسا بضحايا القنبلة الأولى  (وكانت نسبتهم الثلث تقريبا قياسا بضحايا القنبلة النووية الأولى)، الا أن آثارها السياسية كانت كبيرة. فتلك هي القنبلة التي شكلت القشة التي قصمت ظهر البعير الياباني، واضطرت اليابان بعدها لاعلان استسلامه التام بلا قيد ولا شرط. 

فالقنبلة الثانية اذن والمتمثلة بفتح حدود تركيا الشمالية لتمكين اللاجئين السوريين (وليس المسلحين هذه المرة، مع احتمال تسلل بعضهم ضمن أعداد اللاجئين الكبيرة) من التدفق على الدول الأوروبية  المجاورة ... هذه القنبلة،  شكلت ضربة موجعة لدول أوروبا، وفي النهاية لبريطانيا العظمى ذاتها. ومع انها لم تؤد بعد الى استسلام دول الاتحاد الأوروبي للرغبات التركية استسلاما تاما كما فعلت القنبلة الثانية باليابان، الا أنها وضعت اسسا لابتزاز تلك الدول كخطوة قابلة للتطور نحو الأسوأ، وفرض مزيد من الشروط على الدول الأوروبية. 

ولم تسلم عملية فتح الحدود الشمالية وتدفق اللاجئين السوريين عبرها، بل وربما تشجيعهم على ترك الأراضي التركية والتوجه نحو الدول الأوروبية...لم تسلم من وقوع ضحايا بشرية أيضا، اذ غرق في البحر العديد من طالبي اللجوء.. وذلك خلال عمليات الابحار نحو الدول الأوروبية، مستخدمين زوارق قديمة وغير مهيأة لاجتياز مسافات بحرية كهذه، اضافة الى عدم تزويد طالبي اللجوء بوسائل الحماية الكافية، كأطواق النجاة المطاطية السليمة وليست القديمة والمهترئة، لتساعدهم على النجاة اذا ما سقطوا في البحر. وقد سقط فيه منهم العديدون، فوقع عدد من الضحايا يعد بالمئات، بل  وبالآلاف، مع غياب الأرقام الصحيحة والدقيقة لهؤلاء الضحايا.  وكلنا نذكر صورة (ايلان) الطفل المتوفي الملقاة على أحد الشواطىء والتي تأثرالملايين بها. 

وبلغ عدد ضحايا البحر من اللاجئين الساعين للوصول الى الدول الأوروبية، قرابة الخمسة عشرالفا حتى الآن، كما تقول أرقام UNHCR الرسمية. فحسب تقارير الأمم المتحدة، قضى في البحر عام 2014 ثلاثة آلاف وخمسمائة ضحية، و 2500 ضحية في كل من عامي 2015 و 2016 حتى الآن، أي ما مجموعه 8500 ضحية مؤكدة، مع  احتمالات وجود ضحايا آخرين لم تعلم بامرهم الهيئات التابعة للأمم المتحدة.  صحيح أن عدد هؤلاء الضحايا لم يرتفع بعد ليصل الى رقم ال 39 الفا الذين قضوا نتيجة التفجير النووي في ناكازاكي، بل ولم يشكل الا ربع رقم الذين قضوا في ذاك التفجير النووي، الا أن الرقم الحالي الضئيل نسبيا، مرشح للازدياد اذا ما استمرت الحرب في سوريا، وبقيت حالة اللجوء الى تركيا ومن ثم الى اوروبا، قائمة على قدم وساق دون محاولة تركية جادة لردعهم، مع تزايد احتمال تشجيعهم على ذلك، لخلق مزيد من المشاكل لدول الاتحاد الأوروبي التي رفضت حتى الآن تقبل تركيا عضوا فيها، وهي ترفض الآن السماح للمواطنين الاتراك بالانتقال الى الدول الأوروبية دون حاجة الى تأشيرة مسبقة، وهو ما زالت تركيا تطالب به. 

فمن أجل الوصول اليه، قد تثابر على ابتزازها مستقبلا  للدول الأوروبية، رغم الاتفاق المبدئي الهش بينهما والذي تم التوقيع عليه من قبل رئيس الوزراء السابق داوود أوغلو. وهي قادرة على المثابرة على ذلك  عبر السماح  لمزيد من اللاجئين السوريين بعبور بحر ايجة الى اليونان ودول أوروبية أخرى، بغية تحقيق مزيد من الضغط على تلك الدول، كخطوة لتحقيق الاستسلام الأوروبي  التام للشروط التركية، المطالبة دائما بمزيد من الأموال، وبمزيد من التسهيلات لرعاياها ولاقتصادها، اضافة الى مظلبها الدائم بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي.

والواقع أن الضرر الناتج عن استخدام تركيا لقنبلتي أردوغان شبه النووية، كان بنتائجهما وآثارهما، وليس بقوتهما التفجيرية.  فتلك الآثار لم تقتصر على سوريا فحسب، ولم تتوقف على دول  الاتحاد الأوروبي، اذا امتد تأثيرها ليطال  بريطانيا - المملكة المتحدة، التي أجرت استفتاء حول بقائها في الاتحاد الأوروبي أو مغادرته. وقد حقق الاستفتاء نتيجة نسبتها 52  بالمائة  تطالب بالانسحاب من الاتحاد.  وقد أشارت العديد من التقارير أن واحدا من الأسباب التي دفعت المصرين على التصويت بلا .. للبقاء في الاتحاد، هو المخاوف من اللاجئين المتدفقين على أوروبا، والتي بات يزداد الاحتمال بتدفق بعضهم على المملكة المتحدة أيضا.  وهذا يدل على أن لعبة فتح الحدود الشمالية التركية، لم تتأثر بها دول الاتحاد الأوروبي فحسب، اذ أنها قد أثرت ولو نسبيا في رغبة البريطانيين في البقاء في ذاك الاتحاد، وقاد بالتالي الى ما  أفرزه  قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، من مشاكل داخل الاتحاد البريطاني ذاته، وهي مشاكل باتت تهدد بقاء المملكة المتحدة... متحدة، مع ظهور احتمالات جدية لفك اسكتلندا ارتباطها بالمملكة المتحدة والتوجه للانضمام للاتحاد الأوروبي، بل واحتمالات قيام ايرلندا أيضا بخطوة مماثلة، اضافة الى تبلور غضب في الشارع اللندني يطالب بكيان شبه مستقل لمدينة لندن يبقي على صلاته بالاتحاد الأوروبي.

ان بريطانيا العظمى التي لم تعد عظمى، بل وفقدت تأثيرها على دول الكومنولث، باتت الآن مهددة أيضا بالتفكك كمملكة متحدة، لتصبح مجرد بريطانيا وليس مملكة متحدة كما هي الآن.  وأحد الأسباب (وليس كلها) التي قادت الى هذا الوضع في المملكة المتحدة، هو التأثير السلبي الناتج عن استخدام تركيا لورقة حدودها، كسلاح له مفاعيل قنبلة نووية بآثارها من حيث اشعال حرب، وهي حرب تفرز ضحايا، كما تنتج تدفقا للاجئين ، وما يرافق ذلك من تدفق للاجئين على العديد من دول العالم، ومنها الدول الأوروبية، حيث يرجح أن تدفقهم يتم بتشجيع تركي، امعانا في استخدام تركيا أردوغان لحدودها،  كسلاح فتاك قادر على الحاق الضرر بالآخرين،  سواء عن طريق التسهيل لقيام الحرب التي تفرز لاجئين، أو عن طريق التسهيل لأولئك اللاجئين بالتحول الى سلاح مؤذ للآخرين.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن.
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية.
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية.
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى
.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع