الأقباط متحدون - فن إهدار ملايين الجنيهات واستفزاز مشاعرنا!
أخر تحديث ٠٥:٠٥ | الثلاثاء ٢٨ يونيو ٢٠١٦ | ٢١ بؤونة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٧٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

فن إهدار ملايين الجنيهات واستفزاز مشاعرنا!

منى مكرم عبيد
منى مكرم عبيد

 كعادة كل عام يتم استنزاف ملايين الجنيهات فى إنتاج برامج تليفزيونية بمشاركة أشهر نجوم الفن والرياضة والإعلام، واستغلال توقيت عرضها بالتزامن مع موعد الإفطار، وتحت ستار البرامج الأعلى مشاهدة يتعمد رجال الإنتاج استفزاز مشاعرنا فى عرض دقائق من السخرية على فنان أو لاعب كرة خلال تعرضه لموقف سخيف، سواء من خلال مواجهة النيران أو مواجهة مع حيوانات الغابة، أو استغلال الخوف من تنظيم داعش ومحاولة إيهام الفنان بأنه تعرض للخطف على يد الجماعة، ونحن مطلوب منا أن نبتسم!.. ما هذا الهزل؟

 
الغريب أنه بالرغم من سيل الانتقادات التى يتعرض لها هذا النوع من البرامج فإنها مستمرة، وأغلب من يشاركون بها يكررون من تواجدهم، وبالرغم من حقهم فى منع عرض الحلقة احتجاجاً واعتراضاً على ما يواجهونه فى البرنامج من إهانة أحياناً، وسخرية أحياناً أخرى، فإنهم يوافقون بكل سهولة على عرض الحلقة، ويسهمون فى استمرار هذه النوعية من البرامج، ويستغلون حب الناس لهم فى متابعة أعمالهم الفنية فى الترويج لمثل هذه الأعمال المبتذلة.
 
سمعت أن هناك أجوراً يحصل عليها كل من يشارك فى هذه البرامج نظير الموافقة على إذاعة الحلقة، وتراوحت الأجور كما نشرت المواقع الإلكترونية ما بين 50 ألف جنيه كحد أدنى، و50 ألف دولار، وهو ما يثير بداخلى علامات الاستفهام بشأن استمرار نزيف الأموال فى ظل ما تعانيه بلادنا من أزمات اقتصادية واجتماعية.
 
والمثير للاستفزاز هو الفواصل الإعلانية الكثيرة التى أصبحت تتخلل هذه النوعية من البرامج، ومنها إعلانات لمؤسسات خدمية تطلب مزيداً من التبرعات لأعمالها، وهو ما يعد صك نجاح وتزكية للأعمال المستفزة، وإذا كان البعض يرى أن هذه الإعلانات من أجل استغلال المشاهدة الكبيرة للبرامج، فإننى أعتقد أنه- من الأفضل- كان ينبغى مقاطعة الإعلانات هذه البرامج والاكتفاء بوضعها فى فواصل المسلسلات الأخرى، ومنها ما هو هادف ومهم ويناقش قضايا حيوية.
 
الحقيقة أننى ضد منع أو مصادرة حق عرض مثل هذه البرامج، فأنا مع حرية التعبير، إلى جانب أن هذا حق أصيل للمشاهد، ولكن أعتقد أنه كان من الأفضل أن يتم توفير مثل هذه النفقات الباهظة فى الإنتاج وتوفير أساليب الدعاية الكافية والاحتياطات اللازمة لمنع تعرض الفنان الضيف لسوء فى مساعدة كثير من المستشفيات والأعمال الخدمية الأخرى التى تهتم بعلاج الأطفال ومرضى السرطان وبناء وحدات سكنية تليق بسكان العشوائيات.
 
ففى الغرب هناك كثير من البرامج الكوميدية التى تقدم للمشاهد مواقف كوميدية بحق، وليست استخفافاً بعقول المشاهدين، ودون نفقات باهظة كما فى منطقتنا العربية، وهذا يعكس ثقافة الاستهلاك التى أصبحت من دعائم المجتمعات العربية مقارنة بالإنتاج والعمل الجاد للمجتمعات الغربية.
 
وبالرغم مما اطلعت عليه من أخبار فى الصحف حول قضايا تم رفعها لوقف مثل هذه البرامج نظراً لتضرر عدد من المواطنين منها، وخطرها على الأطفال، وأفكار العنف التى تنشرها، فإنها مستمرة وتجد من يروج لها ويزعم أنها تحقق كثيراً من المكاسب المادية وتقف وراءها قنوات فضائية شهيرة وشركات إنتاج تحصد ملايين الدولارات فى حين تصدر للمشاهد مواقف رخيصة ومبتذلة ولا تليق أبداً بنا وما نمر به.
 
ولفت نظرى ما نشرته صحيفة ديلى ميل البريطانية تعليقاً على برنامج «مينى داعش»، الذى أكدت أنه من أصعب المواقف التى يمكن أن يتعرض لها الإنسان، وأنها فكرة مرعبة وغير إنسانية، هكذا يندهش الغرب من برامجنا وأفكارنا، فى الوقت الذى يثير فيه الذعر تنظيم داعش فى العالم، أصبحنا فى مجتمعنا نستخدمه وسيلة للسخرية.. يا لسخرية القدر.
 
ووسط هذه المشاهد المبتذلة أعجبنى برنامج «الصدمة» الذى يقدم مواقف نقدية وأفكاراً كثيرة قد يتعرض لها البعض، وهو ما يفتح فرصاً وآفاقاً كثيرة لتغيير السلبية عند البعض، ودق ناقوس الخطر تجاه كثير من الأمور التى يعتبرها البعض من الأمور العادية التى لا تستحق عناء التغيير، وهناك من بدأ فى تغيير عاداته فى التعامل مع مواقف قد يراها بسيطة حوله، ولكنها فى المضمون مهمة لتنشيط الروح الإيجابية بداخلنا.
 
هل من عاقل ورشيد يضع حداً لهذا الابتذال.. أتمنى!.
 
*برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع