«كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ». (يوحنا اللاهوتى)..
حمل صليبه ومشى الهوينا، لم يحمل حقداً، كان يبش ويهش لمقدمهم، لم يكن عَبوساً كارهاً، كان يعظهم بالحسنى، لم يحرّض ويجيّش، كان يحتوى البسطاء تحت جناحه، لم يكن نافراً منهم منفراً، كان منفتحاً على الجميع، لم يكن منغلقاً متقوقعاً وراء بابه، كان مثل كل المصريين يحب الحب فى أهله.
أبونا المتنيح القس روفائيل موسى والد لطفلين، أب مصرى طيب وحنون مثل كل الآباء، لم يبتدر أحدهم بالعداء، كان رجل دين مسالماً ويعيش بين مسالمين، وكان يمشى بين الناس بالمحبة، ويتواصل مع الأحباب، رجل دين يحفظ العهد القديم والجديد، وعهده المتجدد مع أهل العريش، ويغبّر قدميه نحو بيوت إخوانه المسلمين، محباً مباركاً مهنئاً، مثل كل الآباء طيب يفشى السلام.
لحق بالشهداء إلى السماء، شهداء الكنيسة فى هذه المنطقة الموبوءة بالإرهاب كثر، شهداء الوطن هنا كثر، سبقه إلى السماء الأنبا قزمان، والقس مينا عبود، ماذا فعل أبونا الطيب روفائيل ليغربلوه بالرصاص، هل آذاهم، هل عاداهم، هل قال فيهم قولاً كريهاً؟!.
أبونا- نيّح الله روحه- كان يمضى أيامه فى تسبيح، ويحفظ رسالة بولس الرسول عن ظهر قلب: «فَإِنِّى مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِىَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً»، ومضى أيام خدمته فى كنيسته، ودوداً متواضعاً محباً، يُذكرك بوصفهم فى الآية الكريمة: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ»، صدق الله العظيم.
ومنهم قسيسون ورهبان وإنهم لا يستكبرون، أبونا روفائيل كان أقربهم مودة لأهل العريش، وقال الطيبون فى وداعه قولاً طيباً، كان متواضعاً يمشى بين الناس بِتُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ، مطمئناً لمحبتهم مغتبطاً، لم يُعرف عن المسيحيين المصريين كره لإخوة الوطن.
مَن اغتال «أبونا روفائيل» أبداً ليس من المصريين، يقيناً من الخوارج والشوارد ومصاصى الدماء فى الأنفاق، نيّح الله روحه، قتلوه على الهوية، حكّموا فيه ما لم ينزل به قرآن ولم يستنه الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذى تزوج منهم، ورُزق من ستنا «ماريا» بابنه وقرة عينه «إبراهيم» قبل أن يختاره الله إلى جواره، وبكاه المبعوث رحمة للعالمين، وترك لنا ما نعزى به أنفسنا ونحتسب، إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.
فلنحتسب «أبونا روفائيل»، قتلوه الديابة المسعورة بدم بارد، قلوبهم ميتة، ونفوسهم متصحرة مترعة بالحقد والكراهية، وعقول غبية مغيبة مغلقة، يقيناً ليسوا منا، هم مَن أهرقوا دماء جنودنا على الحدود، وسفكوا دماء الآمنين فى قعور البيوت.
اغتيال القس روفائيل موسى جهاراً نهاراً فى العريش نقلة نوعية مجرمة فى سياق إرهابى مخطط، هم يرومون فتنة طائفية لا تُبقى ولا تذر، ولكن هيهات، الدم واحد، والجرح واحد، والحزن واحد، والوطن واحد، والكل فى واحد.
استهداف جديد من جديد لكنيسة الوطن، الكنيسة الوطنية تدفع ضريبة الوطن مجدداً، نزفت الكنيسة فى مشوار الوطن زينة الشباب والشيوخ، وعندما حُرقت الكنائس رفع بابا المصريين شعاره الوطنى الأثير: «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن»، لأن الوطن جامع المصريين، وأرض الوطن طهور تتسع لصلوات المصريين أجمعين.
نعزى أنفسنا، «أبونا كلنا»، والأب هنا رمزية مصرية لرجال الدين المسيحيين، يجل المصريون كثيراً رجال الدين، مَن يحملون كلام الله قريباً من القلوب، نغبط كنيستنا، مسيرة الشهداء تتجدد بدماء «أبونا روفائيل»، على خطى «ودامون الأرمنتى»، الذى نال إكليل الشهادة الأول على اسم المسيح فى أرض مصر.
نقلا عن المصري اليوم