ابرام مقار
في السابع والعشرين من نوفمبر عام 1967، وفي خطاب للرئيس الفرنسي "شارل ديجول"داخل قصر الإليزيه، أمام حشد من كبار رجال الدولة الفرنسية وقتها، وصف "ديجول" العلاقة بين بريطانيا وباقي الدول الأوربية بعبارة هامة جداً حيث قال : "إن بريطانيا تملك كراهية متجذرة للكيانات الأوروبية". وربما تلك العبارة تجعل نتيجة إستفتاء ، الثالث والعشرين من يونيو الماضي، متوقعة.
فرغم الخسائر التي قد يلاقيها الاقتصاد البريطاني - خامس إقتصاد في العالم - نتيجة الخروج من الإتحاد الأوربي، وخسارة المزايا الاقتصادية التي توفرها السوق الأوروبية المشتركة لأعضائها، والتي أهمها رفع الإجراءات الجمركية بين أعضاء السوق. ورغم الضغط الدبلوماسي والدولي الهائل علي البريطانيين قبل الإستفتاء، تمثل في زيارة خاصة للرئيس الأمريكي "أوباما" لبريطانيا من أجل حث البريطانيين علي البقاء، والذي يري أن وجود بريطانيا داخل الإتحاد يُعد مصلحة أمريكية من أجل الحفاظ علي التنسيق بين الولايات المتحدة والكتلة الأوربية عبر حليفهم الأهم داخل الأتحاد الأوربي، كذلك ضغوط المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، والتي تخشي من ضعف الأتحاد بعد خروج بريطانيا.
ورغم تحديات التفكك، بأحتمال إنفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة حال خروج بريطانيا من الإتحاد ، ورغم كل ما سبق إلا أن نتيجة الإستفتاء البريطاني كانت بالخروج من الإتحاد الأوربي. والسبب في هذا - فضلاً عن مقولة "ديجول" - إلا أن التاريخ يؤكد أن البريطانيون لا يشعرون بهويتهم الأوربية، هم يشعرون بأنهم جزء من أوربا بالمكان وليس بالكيان ، فعندما اختار أعضاء الاتحاد الأوروبي الإشتراك في نظام موحد لتأشيرات الدخول، "الشنجن"، رفض البريطانيون الأنضمام. وعندما تبني الأوربيون "اليورو"، كعملةٍ موحدة لهم، أختار البريطانيون الاحتفاظ بالجنيه الاسترليني. وعند إنشاء البنك المركزي الأوربي، قرر البريطانيون الحفاظ علي سلطة بنك أنجلترا المركزي وعدم خضوعه للبنك الأوربي.
بل وفي الثمانينيات من القرن الماضي، رفضت "مارجريت ثاتشر"، رئيسة الوزراء وقتها منح بروكسل، حيث مقر المفوضية الأوروبية، أي سلطات مركزية أو تشكيل ما يعرف باسم "الولايات المتحدة الأوروبية"، بل حتي الموافقة علي الإنضمام لإتحاد الدول الأوربية، كان بعد 16 عاماً من إنشائه. بالنظر لما سبق من عوامل داخل عقول وقلوب البريطانيين تجاه الدول والشعوب التي في الجوار، بالإضافة إلي الأعباء المالية التي تحملها المجتمع البريطاني، بسبب تدفق المهاجرين، حملت إتهام البريطانيون لـ قوانين الإتحاد الأوربي والتي تفتقد إلي ضوابط بشأن الهجرة، وكان نتيجة تلك المتاعب والأعباء رفع شعار "عودة بريطانيا إلي البريطانيين". ولهذا كانت النتيجة الطبيعية هو الطلاق بين بريطانيا والإتحاد الأوربي، هذا إن كان حدث زواج من الأساس!!
خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي سيعطي دافع للأحزاب اليمينية في الدول الأوربية الأخري للدفع بأستفتاء مماثل بتلك الدول للإنفصال عن الأتحاد ، والذي قد يتفكك فيما بعد ، وربما تعود القارة الأوربية إلي عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية