الأحد ٣ يوليو ٢٠١٦ -
٥٥:
٠٩ ص +02:00 EET
نهاية قادة خروج بريطانيا من الاتحاد
بقلم : د.عبدالخالق حسين
هذا المقال هو تكملة لمقالنا السابق الموسوم: (عواقب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي).
من المعروف أن من يستخدم الكذب والخديعة في السياسة أو في أي مجال آخر، قد يحقق غاياته على المدى القصير، ولكنه على المدى البعيد لا بد وأن يفشل، وتنكشف أحابيله الشطانية، ويدفع الثمن باهظاً. هذا ما أكده التاريخ في جميع الصراعات بين معسكري، الخير والشر. ولكن من يتابع ما حصل في بريطانيا اثناء وبعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوربي، وما اتبعه قادة الخروج من وسائل الخداع والتضليل، ورغم ما تحقق لهم من النصر لصالح الخروج، يرى أن المنتصرين سرعان ما فقدوا متعة انتصارهم، وحلت عندهم الحيرة والأسى، بل وخلال أيام قليلة تحول نصرهم إلى هزيمة وانتحار سياسي.
لقد اعتمد قادة حملة خروج بريطانيا (Brexit) من الاتحاد الأوربي، على الخديعة والكذب لتضليل شعبهم، فقد ضخموا تكاليف البقاء وأخفوا المنافع الكثيرة منه، وكالوا للشعب الوعود المعسولة الزائفة بفوائد الخروج الوهمية.
إن أنشط وأهم قادة حملة الخروج، هما بورس جونسن (عمدة لندن السابق)، و زميله مايكل غوف Michael Gove (وزير العدل الحالي)، ودون التقليل من دور نايجل فاراج، زعيم حزب المملكة المتحدة المستقلة (UKIP)، ولكن الأخير رقم ثقله في الاعلام المضلل، إلا إنه لا وزن له في البرلمان البريطاني.
وأخيراً كشفت الأيام حقيقة هذين الشخصين (جونسن وغوف)، ونواياهما من حملتهما بحماس، إذ تبين أن كل منهما كان يستخدم الآخر لتحقيق طموحاته الشخصية، أن يحل محل ديفيد كاميرون في زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة، ولكن بذريعة "تحرير" بريطانيا من سلطة بروكسل، أي (الاتحاد الأوربي). فادعوا أن ما تدفعه بريطانيا 350 مليون جنيه أسبوعياً كثمن بقائها في الاتحاد الأوربي، وإذا ما تحقق الخروج فسوف يوفرون هذه المبالغ ويخصصونها لتحسين الخدمات الصحية التي هي درة النظام البريطاني. ولكن ما أن تحقق لهم الخروج حتى وتنكروا لهذا الوعد، وقالوا أن الناس أساءوا فهم ما أعلناه في حملتنا الدعائية. ولكن الدعاية كانت واضحة لا تقبل التأويل، وهذا هو رابط البوستر:
https://twitter.com/graysmith100/status/740795457379684353/photo/1
أما عن الهجرة، فهي الأخرى تنصلوا عنها، أو إعطاء أي تعهد بإيقافها، أو حتى بتخفيضها. وكانوا قد كذبوا على الشعب البريطاني أنهم إذا ما خرجوا من الاتحاد فسيتمكنون من الاستفادة من منافعه ودون أن يتحملوا التكاليف. ولكن كانت صدمة بالغة لهم حين أكد رؤساء الاتحاد أن المنافع مرتبطة بحرية تنقل شعوب الاتحاد والأموال بين دول الأعضاء، وليس هناك أي مجال انتقائي في كسب المنافع وتجنب التكاليف.
المهم، لقد تبين أن الثنائي، بورس جونسن ومايكل غوف، كان كل منهما قد استخدم الآخر لطموحاته الشخصية في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة. إذ كان جونسن هو الأوفر حظاً في الفوز بالمنصب، أما غوف، فحتى قبل أيام كان يصرِّح على الدوام أنه لم ينوي مطلقاً لمنصب زعامة الحزب و الحكومة، وأن أصلح شخص لهذا المنصب هو جونسن، وأنه يدعمه في حملته إلى النهاية. ولكن قبل ساعات من انتهاء موعد تقديم الترشيحات، أعلن بورس جونس عن انسحابه من السباق، وأعلن مايكل غوف عن ترشيح نفسه، وأنه سحب دعمه لجونسن... لأن الأخير ، حسب زعم غوف، غير قادر على جمع شمل الحزب بعد أن فرقه بسبب اللغة العنيفة التي استخدمها في حملة الاستفتاء.
في الحقيقة، وكما صرح عدد من زملائهما من النواب المحافظين، أن مايكل غوف كان قد وضع نصب عينيه زعامة الحزب ورئاسة الحكومة منذ أشهر، وأخفى نيته هذه عن زميله جونسون حتى الساعات الأخيرة. أما دعمه لجونسن فكان لأغراض تكتيكية واستخدام إمكانياته الخطابية والدعائية للإستفتاء، ومن ثم يتخلص منه بذريعة عدم قدرته على لم الشمل. ولذلك فقد كشف غوف عن انتهازيته، وخسر مصداقيته ومكانته في الحزب، وثقة زملائه به. أما جونسون فكما قال عنه مايكل هسلتاين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، أنه، بعد أن ألحق كل هذه الأضرار بالحزب و الشعب، تخلى عن ترشيح نفسه ليواجه تبعات عمله، وشبَّهه بالجنرال الذي قاد قواته إلى ساحة الحرب، وبعد أن جعلهم في مرمى نيران العدو، تخلى عنهم وهرب.
ثم هناك سبب آخر لانسحاب جونسن واحتمال فشل غوف في الفوز، وهو أن 75% من نواب حزب المحافظين كانوا مع البقاء في الاتحاد، وبعد إعلان النتائج تنامى شعورهم بالعداء إزاء كل من ساهم في الدعاية لصالح الخروج، و لا يمكن أن يصوتوا لأي من جونسن وغوف. لذلك انسحب الأول للحفاظ على ماء الوجه، وهناك احتمال كبير بفشل الثاني.
نستنتج من كل ما تقدم:
أولاً، أنه حتى الشعوب المتقدمة حضارياً، والعريقة في الديمقراطية مثل الشعب البريطاني، معرضة للخديعة، وتتأثر بوسائل الإعلام المضلل، لذلك لا عتب على شعوبنا البائسة. ولكن هناك فرق كبير بين الشعوب الغربية وشعوبنا العربية، فالشعوب الغربية تكتشف الخديعة بسرعة وتعاقب المخادعين، بينما شعوبنا العربية تنطلي عليها الأكاذيب فتكافئ الكذابين بالمناصب ولن تكتشف أكاذيبهم إلا بعد فوات الأوان.
ثانياً، وبناءً على الاستنتاج الأول، فرغم انتصار قادة الخروج في نيل غايتهم من الاستفتاء، إلا إنهم وكما شاهدنا أقوى القياديين في الحملة وهما (بورس جونسون ومايكل غوف)، سرعان ما انكشفت ألاعيبهما، و قد انتحرا سياسياً، وهذه نتيجة كل من يعتمد على الخديعة لتحقيق أغراضه. فحبل الكذب قصير، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
فهل من يتعظ بهذا الدرس البليغ؟
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع