جلست يوم الاثنين ليلاً مع عدد من الأصدقاء غير المهتمين بالسياسة لتناول السحور.. ورغم عدم انشغالهم بالسياسة إلا أن التفجير الانتحارى الذى شهدته المدينة المنورة والذى أدى لسقوط أربعة قتلى وخمسة مصابين من رجال الأمن السعوديين قرب المسجد النبوى الشريف، كان موضوع الحوار.
كان رجال الأمن قد اشتبهوا فى شخص أثناء توجهه إلى المسجد النبوى عبر أرض فضاء، وعند مبادرتهم باعتراضه قام بتفجير نفسه بحزام ناسف.. وتزامن التفجير مع تفجير آخر بالقرب من مسجد فى القطيف وتم العثور على أشلاء بشرية لثلاثة أشخاص.. المسئول عن العملين الإرهابيين –سواء كان واحداً أو أكثر – لم يراع حرمة المكان المقدس وحرمة الزمان فى شهر رمضان المعظم وحرمة الدماء المعصومة.. وفي الحالتين من الواضح أن الإرهابيين كانا متوجهين لتفجير نفسيهما بين المصلين.
ولهول الموضوع كان أحد الأصدقاء مندهشاً من أن يقوم أى مسلم بعمل كهذا فى مكان كهذا وفى توقيت كهذا، فبدأ ينسج تصور من خياله فى أن يكون الفاعل عميلاً أجنبياً نجا من الحادث بعد أن ورط مسلماً بالإكراه فى ارتكاب هذه الجريمة المؤثمة فى كل الأديان وانجرف بتفكيره لكل تصور ممكن وغير ممكن لمجرد أنه لا يصدق أن يفعلها مسلم وينتمى للفكر المتدين (حتى ولو ظاهرياً) حتى جاءه الرد من صديق آخر قال له إن بعض أبناء الإسلام ليسوا حتى فى حاجة لشيطان يوسوس لهم، فقد صاروا أكثر قدرة على الإفساد من شياطين الإنس والجن.. وكانت هذه الجملة هى نهاية الحديث وقد بدا الامتعاض والذهول على وجه صديقى المندهش صاحب نظرية المؤامرة الجديدة..
لا يمكننى لوم صديقى المندهش، حيث تخطى الإرهاب أبسط قواعد المنطق المقبول وأبسط أسس التفكير والأخلاق والتدين.. إنه الخلاف السياسى فى أبهى صوره يستغله البعض ليسخروا بسطاء العقول فيعتقدون أنهم يرتكبون الصواب، حتى لو كان ما يفعلونه يفوق أى حدود للمنطق والعقل.. إنها السياسة فى هذا العمل وفى كل عمل يرتكبه مدّعو التدين.. إنها السياسة ولكن ليس بالمعنى الذى تعارف عليه العالم ولكن بالتعريف الذى صاغوه لأنفسهم «نحكمكم أو نقتلكم» وقد يكون «نحكمكم ونقتلكم».
معسكر مستغلى ستار الدين يتوسع وينتشر فى كل بقاع الأرض وأخشى أن أقول إن زمن المواجهة الفكرية قد أزف، فلا يوجد منطق يمكنه أن يواجه حالة اللامنطق ولا يوجد رشد يمكن أن يقف أمام حالة الجنون الداعشى والإيرانى والإخوانى وكل أخواته المتفشية فى العالم.. ولابد من حل آخر..
نقلا عن الوفد