للمرة الثانية على التوالى، يتم إعادة مشهد «التجريس» من مسلسل «الأسطورة» على أرض الواقع فى منطقة حلوان، وذلك بعدما استعان عامل بـ3 من أصدقائه للانتقام من ميكانيكى بسبب قيام الأخير بالتحرش بزوجة شقيقه، حيث أجبر المتهم الميكانيكى على ارتداء «قميص نوم» وجاب به فى شوارع المنطقة وتم تصويره على مقاطع فيديو. المرة الأولى كما تعلم احتضنتها محافظة الفيوم، وفيها تم زف رجل بقميص نوم على الطريقة «الأسطورية» بهدف تجريسه بعد تعديه على زوجته، ونشره صورة لها بالملابس الداخلية على صفحته على الفيس بوك!.
قميص النوم أصبح حكاية وحدوتة، وتوظيفه كأداة للعقاب أمسى أحدوثة مصرية، والتقاط هذا السلوك من مسلسل الأسطورة، يفرض علينا بحث مسألة العلاقة بين الدراما والواقع. يقال إن الدراما المؤثرة هى الدراما التى تعكس الواقع، وتضع أحداثه الحقيقية فى قوالب فنية مؤثرة، من منطلق أن الواقع -على الأقل فى مصر- أصبح يفوق أى خيال، وبالتالى فكاتب الدراما ليس بحاجة إلى التخيل أو افتراض أحداث، إذ يكفيه جداً أن ينهل من معين الواقع. هذه الرؤية فى الدراما تتراجع إلى حد كبير، فقد علق الكثيرون على مسلسلات رمضان، وأجمعوا على فكرة انعزالها بنسبة يؤبه لها عن الواقع المعاش، بمعنى آخر نحن أمام دراما يمكن وصفها بـ«الافتراضية»، فى ظل عصر سيطرت فيه العوالم الافتراضية على حياة البشر. فى ظل هذه الوضعية أصبح من الوارد أن تنتقل سلوكيات «الدراما الافتراضية» إلى عالم الواقع، لتؤثر فى سلوك البشر، وتمنحهم ما يمكن وصفه بـ«المعلبات السلوكية» للتصرف فى المواقف المختلفة. فى هذا السياق يمكن فهم المواقف الأخيرة التى قلد فيها بعض المنتقمين سلوكيات بطل مسلسل الأسطورة، ووظفوا أسلوب «التجريس بقميص النوم» كآلية لمعاقبة الرجال.
لا نستطيع بحال أن نلغى تأثير الواقع على الدراما، لكن علينا أن نعترف أن مساحات هذا التأثير تتراجع باستمرار، لصالح تمدد مساحات تأثير الدراما على الواقع. وهو أمر يستحق الالتفات إليه والتنبه له، فناهيك عن حالة الاغتراب التى تولدها الدراما المفارقة للواقع فى عقل ووجدان المشاهدين، فإنها تؤدى إلى تصدير سلوكيات جديدة إلى المجتمع، أنبتتها ثقافات غريبة عنا، مما يجعلها أداة لتغريب المجتمع عن واقعه وثقافته. ولكى نكون منصفين، فإن مؤلف الدراما ليس ملوماً فى ذلك، فهو يبحث باستمرار عن الجديد الذى يفاجئ به المشاهد، ويستطيع جذبه إلى مشاهدة العمل، العلة الكبرى فى المؤسسات المسئولة عن الارتقاء بالثقافة العامة، سواء تمثلت فى مؤسسات دينية أو ثقافية أو إعلامية، تقصر فى أدوارها فى التوعية، وتغرق فى أمور بعيدة أشد البعد عن محض وظائفها الحقيقية، وأصحاب الثقافة الهشة من السهل اختراقهم، وعلينا أن نعترف أن بعض هذه المؤسسات أصبحت غائبة الدور، الأمر الذى يجعل المواطن أرضاً خلاء يمكن لكل من هب ودب أن يغرس فيها ما شاء من سلوكيات، والخوف كل الخوف أن تتمدد هذه السلوكيات أكثر وأكثر، إلا أن تشح «قمصان النوم»، بسبب زيادة الإقبال عليها، أو بسبب منع استيرادها، هنالك سوف يأتينا الحل من حيث لا ندرى ولا نعلم..!.
نقلا عن الوطن