أن تشاهد إعلاناً عن مستشفى لعلاج سرطان الأطفال ينقل فيه عن أكبر رأس فى أكبر مؤسسة دينية أنه يتمنى أن يكون هذا الصرح خدمة لأطفال الأمة الإسلامية!، فهذه كارثة، وكأن أطفال الأديان الأخرى يستحقون الموت جزاء على ولادتهم كفاراً، أو يستحقون الويل والثبور وعظائم الأمور والموت من كل أنواع السرطانات والشرور، لأنهم لم يؤدوا الجزية، ويسلمونها لأطباء الولادة وهم ينزلون من أرحام أمهاتهم!، وأن تخترق أذنك وضلوعك وجمجمتك يوم الجمعة بأعلى الميكروفونات ضجيجاً أدعية اللهم يتّم عيالهم وثكّل أمهاتهم ورمل نساءهم، ثم يرق قلبه بالدعاء اللهم اشف مرضى المسلمين، ونجّح طلبة المسلمين.. إلخ، فهذه أيضاً مأساة، إنها صفقة احتكار نعم الله ومنحه وعطاياه لطائفة معينة من البشر ميزتها الوحيدة أنهم قد ولدوا فى بقعة من الأرض كانت بالصدفة تدين بدين معين، ولو كانوا قد ولدوا فى الإسكيمو أو فى هضبة التبت بطريق الصدفة.
أيضاً لم يكن ليسعفهم الحظ بنيل بركة هذا الدعاء، هل ترضى أخى المسلم أن تسمع دعاء ينطلق من الكنيسة اللهم اشف مرضى الأمة المسيحية!!، ما هو إحساسك وقتها؟، أم أن إحساسك أنت هو الوحيد المرهف وأحاسيس الآخرين من الفولاذ؟!، هل يرضيك أن يخرج مجدى يعقوب فى إعلان ليقول مستشفى مجدى يعقوب لعلاج القلب هو لخدمة أطفال الأمة المسيحية؟!!،
أول معانى الدولة المدنية بالنسبة للجماعة الوطنية هو أن يعلو الوطن على التمزيق والصراعات والانتماءات المفتتة لوحدته، وأن تتقدم قيم المواطنة المشهد، وتتوارى الفتن الدينية وتختفى من المشهد، لا يعنى هذا على الإطلاق ألا تعتز بدينك وتفتخر بعقيدتك وتمارس طقوسك الدينية، ولكن إياك أن تستخدم كل هذا لتحويل الدين إلى قلعة هجرة وجيتو عزلة، أو تشكل من أبناء طائفتك أو مذهبك الدينى ميليشيا أو قبيلة، أنت فى المسجد مسلم، وأنت فى الكنيسة مسيحى وفى المعبد يهودى، لكنك فى الشارع وأمام القانون وعندما تلتحق بالوظيفة وعندما تتكلم عن أمور الدنيا مثل حق العلاج والصحة والتعليم مصرى، لذلك يجب أن تدعو بالشفاء لكل مريض مصرى، وتدعو أيضاً لمرضى العالم بالشفاء وزوال الألم،
لأنك قبل المواطنة أنت إنسان تنتمى إلى هذا العالم وتذوب فى هذا الكون، ليس على رأسك ريشة ولا تسرى فى عروقك دماء زرقاء، لأنك ولدت لأب وأم بالصدفة ينتميان إلى دين معين، حتى الحيوان لا بد أن تتعاطف معه وتدعو له بالشفاء، نحن نسخر من تعاطف الأوروبيين مع الكلاب مثلاً، ونضحك حتى نستلقى على قفانا عندما نشاهد فيديو لإنقاذ البوليس والمطافى لدجاجة أو قطة، ما تضحك عليه وتسخر منه وأنت ترى أطفال الشارع يعذبون كلباً دون أن يهتز لك جفن هو دلالة على انعدام الحس والضمير. لن نتقدم إلا إذا أخلصنا للوطن وللإنسانية أيضاً.
نقلا عن الوطن