ونواصل رحلتنا مع كتاب د. ناجح إبراهيم وهشام النجار عن «داعش»، وتداعيات هيمنته على مساحات كبيرة فى العراق وفى سوريا ونقرأ بعض عبارات مهمة عن دور حزب الله فى الأمر: «حزب الله الشيعى ضحى بصورته البراقة فى الضمير العربى ونقل معركته من الجنوب اللبنانى إلى الداخل السورى فى نقلة لم تكن فى الحسبان عززت نهضة واسعة لم تكن فى الحسبان، ثم عززت نهجه الطائفى وأطفأت ما تبقى من وهج المشروع المقاوم ذى الشعارات العروبية الزاعقة التى تستمد حضورها وبقاءها من مداعبة الخيال العربى المكلوم حتى ولو لم يكن لها ترجمة فعلية على أرض الواقع» (ص29).
حضور حزب الله فى المشهد يستهدف بالأساس تكريس المخطط الإيرانى فى المنطقة، ولكن المؤلفين يقدمان سلسلة من الافتراضات لعل بعضها ثمرة تفكير أو ثمرة معلومات لا نستطيع الحكم على مدى صحتها، ونقرأ: «ما حدث على الأرض السورية بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل وأمريكا وروسيا من جهة، وبين الجيش الحر والتنظيمات الجهادية السنية مثل «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» و«تنظيم الدولة الإسلامية»، هى مجرد حرب تقليم أظافر وقصقصة أجنحة فى محاولات حثيثة لصناعة واقع متوازن ترضى عنه جميع الأطراف المتصارعة من مختلف الطوائف، وتقبل بالتعايش معه مستقبلاً، بمعنى الإسهام فى تقسيم المنطقة مع بقاء إمكانية اشتعال الصراع المذهبى بين اللاعبين الجدد الذين شدوا الرحال إلى سوريا، فى أى مرحلة، لإبقاء إسرائيل فى مأمن فى إطار محدد طائفى سنى شيعى متصارع».. ثم يمضى المؤلفان وكأنهما يقرآن فى تقرير معد مسبقاً: «ومن يتصور أن أحداً من الميليشيات الشيعية سواء التابعة لحزب الله أو غيرها أو من الميليشيات التكفيرية السنية قادر على إنهاء حسم الصراع لصالحه والفوز بسوريا أو العراق كاملة غير منقوصة فهو واهم لا يدرى شيئاً عن الحسابات الدولية والإقليمية، وحساسية هذه المنطقة ومدى دقة الترتيبات الدولية والإقليمية بشأن مستقبلها» (ص 31). ثم هما يعودان ليؤكدا أن مصلحة إيران وحزب الله ونظام الأسد وأمريكا وروسيا والقاعدة وداعش تكاد تكون مشتركة، لذلك فإن الهدف من أى تحرك لهذه القوى أو تلك على أرض الواقع ليس إلحاق الضرر الكامل بالآخر أو إلحاق هزيمة مدوية به، إنما فقط لتحقيق الحد الأدنى من توازن القوى (ص 33)، لكن المؤلفين يواصلان دون ملل تأكيد وجود مؤامرة عالمية شاملة تستهدف المنطقة بأكملها لحساب أمريكا وإسرائيل ومعهما روسيا وطهران ويؤكدان أيضاً: «وبذلك يقع التكفيريون وداعش فى فخ المخابرات المركزية الأمريكية التقسيمى، بعد أن وقعت الحركة الإسلامية التقليدية فى فخ التيارات الشيوعية المتعاونة مع منظمات صهيونية وتسعى لصنع اقتتال داخل الجيش المصرى» (ص 38).
وأنا أعتقد أن فى هذا مبالغة شديدة جداً فالاشتراكيون الثوريون مجرد حفنة من صبية ولا تأثير جماهيرياً لهم ومن الصعب تصور أنهم هم الذين يحركون «الحركة الإسلامية التقليدية»، أى الإخوان وكل أنصارها من المتأسلمين. لكن المؤكد أن العكس هو الصحيح. وأن الاشتراكيين الثوريين، الذين لا هم اشتراكيين ولا ثوريين، هم ألعوبة مستأجرة فى يدى بقايا «الإخوان» الإرهابية كما أن الاسم الذى أورده الكتاب كزعيم لهم هو زعيم لهم بالفعل وهو أستاذ اجتماع بالجامعة الأمريكية ويعلن أنه أيضاً تروتسكى «لكننا نفاجأ بتناقض يعود بنا إلى ما ذكره المؤلفان من أن اللعبة كلها بين أطراف الصراع هى مجرد لعبة تقليم أظافر وأن أحداً لا يريد أن يتخلص نهائياً من أحد.. ويأتى التناقض من التأكيد (وبالمناسبة الكتاب ملىء بالتأكيدات) على أن «حزب الله مع إيران بصدد استكمال وبناء إمبراطورية على أنقاض دول ومؤسسات عربية تم إسقاطها بالفعل فى العراق ولبنان وسوريا»، ثم «وفيم تتفتت الدول العربية الكبرى فإن الدولة المركز (إيران) تبقى موحدة قوية وتتمدد فى فراغ دول عربية ممزقة أو هى مقبلة على التمزق» (ص 41)، ولأن الكتاب يركز بالأساس على دور إيران بالمنطقة (وهذا بالمناسبة أمر مهم جداً)، فإنه يسجل ملاحظة مهمة تقول: «وتلاعب إيران العرب والمسلمين بالدعاية الكاذبة والأموال والدعم، وتلعب بالأمر ونقيضه وعلى كل الحبال فهى تدعم حماس وتتحالف مع أمريكا فى نفس الوقت، وهى تتلاعب بداعش وتسميها (التتار المتوحشين) لكنها تمولهم وتدعمهم فى نفس الوقت، وتقاتلهم ليبقى العرب رهينة لها» (ص 44)، ثم يقدم الكتاب حجة تستحق التوقف أمامها: «ما أسهل زرع (داعش) وإخافة العالم منه، ثم بعد ذلك يتم التخلص منه، واكتساب شرعية البديل المخلص المنتصر الذى أزاح العالم من الأشرار التكفيريين، وبتلك اللعبة الفجة تستعبد الأوطان وتضيع الحقوق» (ص 44).. وهذه الحجة تتناقض أيضاً (رغم مظهرها المقبول) مع نظرية قضم الأصابع والاكتفاء بقصقصة كل طرف لريش الآخر دون إبادته. وعلى أى حال فإن الكتاب يتبدى بشكل واضح أنه تجميع لمقالات سبق نشرها ويتضح ذلك من الشكل حيث يخصص فصل خاص لكل مساحة تكفى لمقال ويتضح أيضاً من وقوع بعض التناقضات التى أوردنا عدداً منها. وبرغم ذلك كله فالكتاب مهم ومفيد وفيه معلومات تليق بكاتبيه؛ فتحية لهما على جهدهما وعلى تجميعها فى كتاب تكتمل الفائدة بوجوده، متمنياً لهما مزيداً من البحث والكتابة فى هذا الموضوع بالغ الأهمية فهما قادران على ذلك.. فقط أتمنى أن يكون تصميم أغلفة كتبهما المقبلة أفضل.
نقلا عن الوطن