الأقباط متحدون - دويدار ..وسر المواجهة والعشق والتفتح
أخر تحديث ٠٣:٢٩ | الاربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦ | ٦ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٨٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

دويدار ..وسر المواجهة والعشق والتفتح

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم / ماجدة سيدهم
                            قـــــــراءة   الحصــــــــــــان.. "نص شريف"
أنا إله الفوضى ...
  أنــا ..   
                إلــه..
                                                     الفوضى..
                                                 أنا إله الفوضى
                                                  وعبادى تشبهني
                                                  يطيعونى مايطيعونيش
                                                 بيسبق غضبي مغفرتي...
                                        **********************
 حين باغتته  لعنة التسكع على أرصفة الشعر، في يوم لذات التاريخ المكتوب  قبل سفر البداية ، كان قد  نثر بذار الحرف في الجدوب الغائرة والغيمات الملبدة بالوحشة والهزيمة ، فلا هطول هنا  لحرف فائر، أو لسكيب  شعر  فوق عطش الحنايا ،تلك الحنايا التي صنعتها أمنيات هزيلة والتي سقطت عن موائد  فضيلة الفراغ  المحكم  بفعل التشوه والتردي المخيف ، يجول الشاعر  يصنع غضبا " دويدار الناصر"  مجذوب الجمال ، ناسك الإرتفاع ، درويش الاتساع والمقاهي وزحام البسطاء و...يخترع التكوين ..

                      بسم الحصـــان نفتتح الصهيــــل
                      ********  *******
"..اقلع هدومك.."
**********
لاتندهشوا،هكذا عـُلقت تلك اللافتة عند الباب الرئيسي  للصهيل  بخط  يد الشاعر ( عاوز تشوف نفسك .. إقلع  هدومك ..)  إذ شريطة  الدخول إلى متسع الصهيل أن تلج  بنفسك إلى داخلك أولا ، في  دعوة صريحة للتعري  والتخلص من ثقل ورقات التوت الملطخة بعلة الثقوب والندوب معا ، دعوة لا التباس فيها  لمن أراد تقويما جديدا ،  شجاعا،  متسقا  في رحلة الدخول إلى رحابات  الفهم ، دعوة  حادة  للتطهير الروحي  من أورام الكبرياء وعطن الضحالة ، معلنا أن الطريق المؤدي لمكاشفة  الأعماق الخفية  يبدأ بالمواجهة  (  اعرف أنك ضئيل .. تافه .. قليل .. ) فالدخول إلى الأعمق  ليس بالأمر السهل ،بل يحتاج لشجاعة فريدة لا يمتلكها غير من أصيب بالفطنة ، دعوة هي  شفيفة  للإلتقاء الإنساني المرغوب ( صفى قلبك وخليه صافي . يمكن يتعرف قلبي على قلبك الحافي )  نشدانا  أن يعود  القلب  سرمديا ، متجردا، خالصا ، دافقا ، وكنشأته الأولى يعود حافيا ،كي تتم مهمة الإيغال في عالم الحصان بنجاح وتغيير ..!

يبدو للداخلين أنهم على وشك  الإرتطام  لكثرة  الإلتباس وعدم الوضوح ، فيبادر ويفتح  باب النداء على مصراعيه (الحصـــان ..) ، يبدد بسراج الصيحة  غبارالعتمة ، فنتطلع تباعا على كل الأسرار والأخبار وما أوحى إليه من صيحات  شاهقات ، لذا إنتبه عزيزي القاريء فأنت أمام نص مسموع  الصوت  " الصهيل " ، مدبلج بروح  المواجهة الصائبة والمفرحة  أيضا  ، لننصت إذن و ...السر الأول ..

1-  السر الأول ..  المواجهة
    *****************
من الصعب بحال أن تمتلك ناصية البدء للدخول إلى  سفر الوجع الحي ، الرابض بتفاصيل الروح  لمجذوب الشعر، من المجهد والمنهك أن تغامر بمغازلة أو مبارزة  جموح  الحصان  مرورا بمنعطفات جنة الفردوس فتتعثر،  ثم تكتشف  أن عليك وحدك  تحمل  تبعات اختيارك  للرهان والسباق الأمهر ، فليكن ما يكون إذن ،لنكر السطور ركضا ، ولنطعن تفاصيل النداء  ملء الشوارع  والمنحنيات العصية ، والتى  لاحقتنا حتى الأرق ، حتى السخط  اللعين ، ملعون هو من أدعى  الرسولية  (..  أنا الرسول الفنان ..) ابن اللعنات الممتلئة  بالأسحار والتجاوزات  والأبيات  البينات ، ملعون هو من  ثارعلى صقيع  الأرصفة ، يقتات الارتفاع  ويعلن  في مآذن  الصمت  أنه هو هو السيد  (  أنا السيد الشجاع ..الصامت القابل للاشتعال ..أنا الخامد القابل للانفجار.. أنا الفعل والاحتدام والصدام..أنا الحصان الوحيد ..أنا السيد النخلة ..مايهزنيش عبيد الأرض ..ما أسمحش يتزرع جنب مني أقل من ورد ..أنا النزيف المضيء  ..أنا  الولد الحي ..زي المطر والأرض ..زي البحر ..زي الطيش.. .أنا الرسول الفنان ..أنا الكلام ..) صدق القول العظيم ..! 

حين تصاب  المدينة  بضحالة الفكر وسقم الذهن ، حين  يتفاقم  الفقر المضني للجمال  وتحتشد ساحة الحصان بسموم المتشابهين  من الأدعياء  والأشباه ،.هنا فقط تضجع المجاعة على جثة شرف الكلام ، هكذا في أوطاننا  ارتفعت قامات الأقزام  المنتفخة  بترهل  الرؤى ،يجيدون مع  مطلع كل خيانة  ترقيع بكارة الوطن وعذرية القصيدة ( الفار فجر ..بقى يمشي ولا أجدع أسد . .)  لذا يثور الشاعر  كل الحين ، يكرز بذات الصيحة  وقداسة تلك  المعصية ( طالع لكم عريان.. يادولة العميان.. طالع لكم من فزعة العصافير.. من كحل البنات.. من صهيل الحصان..وعياط الكمان..طالع لكم م الطوفان ..عريان.. أنا الحصان.. يا تقتل  يا يعود النهار..) ، يجول يشق طرق الفهم في ذهن العتمة وبالنور  يمحو خطايا  العميان ، فيما تظل الشوراع رهينة  ثورتها على الموت وجوعها للحياة الأفضل ، وشأن كل  مواجهة مع القبح .يتقدم الحصان المشهد  الصعب ..و يتصدي مواجها   ( أنا جيت أكمل مباهج القصيده..أتمم جتت الشعر ..أعمله إنسان ..أنا الرسول الفنان يامجرمين الكلام .. ياكفار قريش ..ياوصمة العار على الشعر ودهشة الألوان .. يامعفنين القلب ..أنا جيت اعري الأجرب ..والمستخبي في النسوان ..أنا جاي أصنع كرامة للخصيان ..أزرع رجولة للصبيان..) ..

وعلى عكس عادة  الشعراء  يبدأ  "الرسول الثائر " مجمل  قصائده  بالصدمة ..باللكمة  بل بالتحطيم  والتكسير والتخريب ،يبدأ  بالنهاية ، طلقة الرصاص ،هكذا الحصان حين  يبدأ الركض  يسبقه  الصهيل الموجع  لحتى ينزف بالمكاشفة ،يمزق الشطوط والأقنعة ، يعزز وجه الموج بالغضب ( الموج  غضبان ..وشه منفوخ ..يفور .. يثور ..ويقلب بعض ف بعض ..الموج علشان يرتاح حيغرق كل الأرض ..). .

ولكثرة السقوط المتردي  دفع هذا بالكثيرين من الشرفاء بالانسحاب ترفعا  أو بالتهميش قسرا أو بالملاحقة للنيل من عنفوان الحصان..فجل كارثة الأوطان حين يفرغ ضميرها من روح الجمال والفكر والثقافة والإبداع ، إذ تظل رهينة الاضمحلال كبيئة صالحة  لتكاثر الفراغ  ..

طلقة رصاص
*********
هيا أيها الأوغاد ( الرعاع )  أولاد  الأفاعي .. تقدموا برؤوسكم القدمية ..هنا تقام دائرة محفل  فخامة الحصان .. وجع الحصان .. نزف الحصان ،هكذا  يستهل  " الرسول  الثائر " مساحته  بالغضب والإحتدام  في مواجهة صارمة مع  العموم  ..مع الساقطين والأردياء والمتزاحمين بالفضول حول  المشهد الأخير لأسطورة الحصان ، أو هكذا يظنون ، معلنا  أنه  وحده  من يمتطي  مبادرة الفارس النبيل  ،يصنع الخلاص  بطلقة رصاص ،فلن يسمح للعزة بالمذلة ولن يسمح للجموح  بالمهانة ،  ليتوج  الكبرياء بالفخامة ويضمد الفروسية  بالنهاية النبيلة ، ولا مجال للشفقة عن الوجع الساقط  عن روح الحصان (  طلقة رصاص ..يمكن تكون رحمة ..يمكن تكون الخلاص ..من نظرة الشفقة ..لكن أكيد هي رحمة ...) ، يطعن  حدة النبوءة  في  كل  ملامح التعاسة لجموع الحمقى والجهلاء ، ويؤكد لهم ( أن الرصاصة اختصار للسنين الجاية المرعبة .. سنين المعيز.. الحمير .. الكلاب .. ماهياش سنين الحصان ..) ..

فيما   يوجه جل سخطه   لجمهور الساخرين  والمتسكعين  على حافة الكرامة (.. ماتستغربوش  وهو متمدد في بركة الوحل .. وكبرياء رقبته اللي دايس عليها الجراد ..ونظرة عيونه البعيدة وهي بتلمع ..ماتستغربوش  من نومته بعرض البلاد.. صحيح نومته تحزن.. تكدر.. تيأس.. لكن  دا  كان زمان ..فرس النبي والصحاب .. وكان له صهيل يهد جبال.. ماتفرحوش أوي.. دي بداية النهايات ..وما تستعجلوش الحرب لسه مانتهتش.. ودم المسيح أول سقوط المطر.. ويهوذا مستمر في الخيانات...) ، يرتطم النداء قويا  وفي وضح الملأ  تنطلق الصرخة  بهول المفاجأة (..دا..كــــــــان.. سيدنا.. الحصـــــــااااان ..)،  يعلنها  كي يُخرس كل  أزمنه  التطاول وكل مساحات العمى ، وبلا هوادة  يؤكد  جلاء الحقيقة  شاهرا نصل الإتهام في  قلب الجهالة ( بتهم شيوخ القبيلة بتجريف روحي .. ومصادرة أملاكي اللي ورثتها من  أبويا.. بتهم القبيلة وشيوخها ..بالمسؤولية الكاملة عن ضلالي ..وضلال من بعد مني عيالي ..وهروبي من صلاة الجمعة لصلاة  الجنازة . ودماغي اللي حولوها لمبولة عمومي..للشيوخ..ولعابري السبيل...كلكم ..كلكم مسؤلين عن كمنجات حزني ..كلكم  أوهام..وزعيق في زحام ..أنا وحدي  حقيقة.. كلكم متفتتين..وأنا  واحد صحيح. .) ..

تنمو ثورة التغيير  حين يمتلك "حامل الرسالة " حفنة  الإلهامات الواثقة، تنقلب حينها الثوابت  المجعدة ،ويعاد ترتيب المفردات كما يجب أن تكون ،وفيما  يتراجع  جموع المهزومين ، لا يكف عن  الملاحقة كي  يُسقط  عنهم  كل عورات الرخاوة  وبطولات  الهشاشة  وغش القصيدة ، وجيدا يعرفهم ،يوبخهم  (عواجيز الفرح ..مكملين نقورة .. مكملين مسخرة .. مكملين دحدرة ..موهومين فشخرة ..مكملين بمصر لورا..)، ولأنه يدرك  باليقين أنه الروح المختلف والشاعر الحي لذا  يثابر بلا كلل  ( عشان ما نتش شبه حد فيهم ..ها تفضل تفزعهم .. عمري ماخفت من خايف.. ولا اتهزمت من مهزوم ..مشكلتي أني صاحبت شوية مفاضيح ..) ..

لازلنا بين منعطفات الصهيل حيث  النزال الشريف ، هنا في  ساحة النبوة   والدعوة  للمبارزة علانية (  الراجل ينزل للبحر ..ويوّري  البحر شطارته ..البحر بيجز سنانه جز ..كأن في قلبه بسيف أتغز ...)، الحق أقول لكم  تتجلى  فخامة الحصان وعبقرية  المواجهة  وصدق الوحي  حين يكون  الثائر شاعرا ، رسولا  نبيلا ،  فيتآكل  بالتمام كل النزف .ويخرس كل  الصمت ..!.

 صرخة شاعر
**********
قد يبدو للموغل في رحاب  الحصان أنه  إلى هنا وكفى، بينما الدرب شاق ، معبد بالندوب والوحل والمرائين .. فمشوار الخلاص  لازال في أول الطريق لاقتفاء أثر الوطن والعشق والحرية   ..

ينزل"  شاعر الصيحة  "  بالضربات  الفجائية كي  يصنع في الحيز الميت  صدعا.. دويا ..قبلة الحياة المروعة لإفاقة وطن غارق في نزقه ، في موته ، يجدد المحاولات المستميتة بمعوله الوحيد ( كل ما أملكه  من الحطام  كلام .. وأحلام ..وصدام مع الأيام.. كل مافي الأمر عندي حروف زيادة.. لغة زيادة.. شوية دم ..ونخوة  الإبداع..) ، ينزع  بدوره  كل الرمادي ..كل اللزج ، كل الخديعة عن وجه الحقيقة ، كمن يصفع غيبوبة البلاد من وهم الكمال المنزوع منها ، فهي المنتهكة، الخانعة ، سيئة السمعة (.. لا أنتي البهية  العالية ..ولا أنتي أم الدنيا ..مصر مش مغرية لواحد زي..مابيمشيش مع واحدة مشيت مع أموات.. نامت مع أموات ..قتلت أحياء علشان أموات ..شايفنها فرس ..علشان كلهم حمير..أنا شايفها حنطور..علشان  مصاحب عصافير ..)   ..

ولأنه خـُلق ليُحلق ..طوِّع ليحارب ، جاء لينادي الجالسين في ظلمة المخاوف وصقيع الجهالة  بالعتق ، يذهب هكذا  بأشعاره  يكاشف  البلاد التي نـُزف من أجلها الروح ، يحث في  شعبها  النخوة ..يثير في المآتم  نبت الكرامة ، يثير فيهم الإنسان،فيذهب يتسيد  كالطغاة ( أنا السيد الوقح ،الدنيئ.. الحقير.. اللص ..الأجرب ..المتعالي . الماخور ..القاتل..الطرطور.. الواطي ..الفاجر..أنا سيد الشعب المجرور المذلول ..)  يصرخ  بكل الحنق  ( فيه حد فيكوا عنده  كرامة العبيد ..حد فيكو حيثور ..؟ )  وفيما يحمل بوق المئذنه ، يطلق صيحات الكرامة و يجدد  المحاولة  متخذا هذه المرة  صورة العبد ( أنا العبد القبيح.. السافل ..المنحط الجبان .. الفاضح والمضوح  ..الخدام..الخواف..الوضيع ..سليل العبيد الأنجاس.. ولو فيكوا واحد شريف..إنسان.. هبوا وثورا ..)  ،بينما تمتلئ الساحة   بضجة الصرخات  لحتى يطوف بالأبواب ، يركض على الضفاف والنواصي والأسواق والمنابر والشطوط  ( يعني إيه  واحد سرق منك هدومك .. مستني  مين يرجع لك هدومك ..اخرج من المية صاروخ ..طلقة رصاص ..طلقة من مدفع ..وأنا وياك .. تعالو ف قلب الميدان طوفان ..ثبت روحك على وجع كرامتك ..هاتلطع منك راجل بيعرف يثور..) ..

  وفيما تخذله البلاد في كل مرة ، حيث تتفشي خلايا الحمقى المتقيحة في جسد  الوطن وروح القصيدة ، يمزق بدوره خرب الوهم ، يغرز أظافره في لحم  التعاويذ  ويطحن ملامح  البلاد  (شعبك الطبلة.. الساقط التنابلة ..من إمتى يقدر يقرر مصير ..ياعصية عن التفكير ..ياممرمطة العزاز .. بيشبهوكي الشواذ ..غباوة الحمير.. البكم والطراطير..الأفيونجية ..يااه ..كل  دي ناس ميته..بتتكلم .. وبتدي أراء في المحنة ..وبتخطط للمسقبل..).يرقب المشهد التعس  وبالوجع يعلن فيها انصرافه عنها كأنه التحذير  (أنا مش هاموت فداء لوطن كسيح ...محتاج أحس إن دا  بلد محتاج واحد صحيح..) ..

تقييم
*****
في  متسع الحصان يجوب " الشاعر الثائر  "  الوجوه التعبى  والأحلام المجعدة  حافيا من نعال البغال ، عاريا من تشوهات المتسلقين  ، إذ يذوب  صندله المرقع  بالمشاوير ليصل  إلى منتهى الوضوح  وحده.. وحده.. لا شريك له  ( وفي آخر السباق وصله لوحده.. مفيش حد جنبه .. بنهج كأني جارر ورايا عربية متحملة وطن مدبوح.. وبيخر دم .. كل شيء سيء.. القهوة .. وريحة السيجارة  في كرسي الميكروباص .. كحة السواق..وأسوأ مافيك يانهر.. إنك لابتحرم مراكبي ..ولا بتحترم عشاق ..كتبوا فيك الشعر.. وشالوك على الدماغ .. )..

 ومنفردا يصعد التلال  مع بقايا غبار وماتبقى  من معاناة مضنية لكافة المحاولات الممكنة ، كذلك يفعل الأنبياء والنبلاء (مخنوق ..عادي..بتحصل للأنبيا ..والأوليا.. والرسل ..وأصحاب الرسايل الحق ..)،حين تضيق بهم معوقات الفكر المحيطة بهم  ينفردون  بعيدا ..في تصوف وجداني مهيب  ومع الأسمى يعتكفون ، فيكون من الحكمة هنا بعض من العزلة ، وعلى وهج الكبرياء  يمتلئ بالقوة  من جديد  ( بخلق من عكازين وجعي ولد شجاع ..بتعكز على آخر ضحكة في روحي ...يتعكز على كبريائي وأقف على حيلي...)  ، يخرج من ساحة التجربة   بمحاسبة صارمة مع  النفس ( محتاج اصيغ ملكوتي من جديد ..ارمي نفايا البشر في البحر..محتاج أعيد ترتيب روحي..واحتفظ  ببنت واحدة في شراييني..تضخ الدم في الأوردة ..تغنيني عن سؤال اللئيمة ..) ثم ينصرف عن ملاحقة  كل عاجز كفر به ( ما تفسدوش عليا وحدتي بمزيكا رديئة .. وأغاني سئية السمعة بتحكي عن وطن...ماتفسدوش على قلبي الوجود.. كلكم شبه بعض . أنا الوحيد اللي مش بيشبهني حد ..) ..

 هيكل البوح
********
كإستراحة الفرسان  يدخل  "الحصان ..حامل الضوء " هكيله الشفيف مختليا  مع  وميض الحس،  ما طرق بابَ أحد  بل على جدارن الروح يتكئ  ويطرح شكواه (  سيدي النبي .. أنا رسول فنان ..بلا أتباع ..بلا شعب.. بلا ورد ..بلا بنت تسند روحي من حالة العرج .. جايلك  وفاضلي خطوتين ع الكفر ..أنا كفيف وعاجز من أهل مصر .. أعلن إني اتخدعت ..في أمة هلكانة وضعفانة وجبانة .. ولا فيها خير و مليانة شر...لسنا مش عايزين نصدق إننا أمة ف الطراوة ..سقطنا في امتحان الكرامة..ونجحنا في الخيابة ..رغم أننا غشينا كل المواد ..برشمنا كل الإمتحان ..برشمنا الغباوة..والأكادة ..لسه بنقاوح.. حنخش الامتحان ..ونعيد السنة الجاية ..سيدي النبي .. أنا قبل ماانسخط إنسان كنت عفريت جن.. بلقى نفسي جوه صدر.. مرة اتشعبط في فخد .. مرة أدخل بار اطلع من كتاب ..مرة أمسي على الصحاب ..على أحمر شفايف .. أنا قبل ما أنسخط إنسان ..كنت أجمل مخلوقات الفن .. محدش يحاسبني علي كرهى للوطن ..كل شيء فيه إهانة .. كل شيء فيه  مهانة ..سيدي النبي .. أنا مااتخلقتش عشان اتهان ..أنا اتخلقت من ربنا إنسان.. ولو مافيش منها فايدة ..يلعن أبو الوطان اللي تذل رسول فنان ..أنا اتمليت عداوة معلنة للكنائس والجوامع ..أنا لو كنت بحمي بيت دعارة ..وبص لي أي حد ..كانت المومس ..ورا المومس ..ورا المومس.. انشقت عليهم أرض ..ودافعو عني..بكحلة عين..بدراع ..بحمالة صدر.. لوكنت بحمي بيت دعارة ..ماكنتش اتكسفت من نفسي ..لما  دافعت عن كلاب  في بلاد اتملت مخنثين ..بلاد بتقتل العشاق ..بتفتح فخدها للغريب ولا يتهز جفنها للحرق ..سيدي النبي ..ساعات بكلم نفسي وأقول الرحمة حلوة..ومابلقاش حد أقولها له ..فبقولها لنفسي ..وبديني ظهري ..ومابردش علىّ ..واشتم في العدل ..والكلام المجاني عن الحياة ،سيدي النبي ...مومس بلا عرض أشرف من وطن بلا راجل ..بلا حاكم ..وطن برد.. برد  ) ..

وعلى باب الله  يغادر مرتحلا (يارب مخبي دماغي في حجرك .. متعشم فيك م القلب )،  في جعبته يحمل نزف القصيدة   وثورة إنسان ، وحين يفتح  في عين  النهار المحاولة من جديد  ينطلق  بالدهشة ضاحكا  (..ازاي لحد دلوقتي ..شراييني سليمة ..فيكي حاجة زي السحر ..أه يابلد  ..قتلتيني .. مستنية ايه تاني علشان تطلعي من شراييني )  ..

نخوة الإبداع
*********
عزيزي المتألم   بين  مشقة  أوتار الحصان ، ذاك الموحى له بكامل  الصيحات  الشريفة ، حامل  جينات الجن الأشرف والسراج القويم ، هوذا يعتلي بالافتخار شأن  ملكوت الغضب ، مبشرا بصعود  إله الحياة والفوران اللانهائي  للكون  ( ..أنا إلــــه الفوضى ..) .. يالبراعة الإعلان النجمي في فضاء مجوسيات  هيرودس  الممتلئ بالهلع  من ذاك  الذي أتى مبشرا بالصدع  والتخريب المجيد  "  دويدار ..الرسول  الفنان  " ،  أول من أنزلت عليه  آيات النخوة  في كتاب الإبداع ،(سلاحي الوحيد نخوة الإبداع.. )،  هل سمعتم من قبل عن شهامة الإبداع ونخوته،  فليس كل من خط الحرف امتلأ  من  زهو الموت النبيل ، هكذا يصعد  الإرتفاعات كي يشعل في عين الضوء المزيد من النور، يرمم الانعكاسات ، يضمد الضد، ويؤسس للفوضى وجها وملمحا جسورا  صوب الأفضل ،  لذا  لا يفزعه  منعطف الغروب ،ولا يؤرقه شجن الخريف أو تهور الصبايا الطالعات..فليس  ثمة نهاية للمحاولات المضيئة ،فقط يؤرق مضجعه  ثقل زمن العتمة و خفوت صوت الصهيل ..

..في عالم "  الفنان  الثائر "  يجد المار هنا  أنه  أمام  ملاكم أجاد الرقص  بالأعشاب  والثمار والأوتار والتفاصيل  الشعبية الخالصة  وكذا تسديد اللكمات الصائبة للخصم ، فحين يبدأ الجولة ينزل بالضربات العنيفة المتتالية دفعة واحدة   ثم يعود ليغازل  الخصم بل و يبادر  بالمصافحة ،ثم لايلبث أن ينقض  مهاجما  بالضربة القاضية للقصيدة ، معلنا أنه لا يسامح ( رغم إني متصالح ..لكن مش مسامح  ..) ،و في هذا وعي  أخلاقي كبير،  فالتصالح مع الجرح  أو مع الخصم  يرفع عن القلب الكثير من مرارات الخيبة ( لاعندي أحقاد مستخبية ..ولا تار بايت مع النعيم )  ، بينما ليس من الحكمة هنا  استمرارية العلاقة  التى معها قد يتأذى المرء مجددا  ،ا فهو باليقين  يعلم  هوية دربه وعلى وجه التحديد يدرك إلى أين يمضي ..

في ساحة الحصان  كثيرا مايكون الخطأ  غير قابل للجدل أوالنقاش أو الفرصة الثانية ، خاصة  متى كان الاقتراب من بوابة  كبرياء الروح والشعر، .لكن  كثيرا ما يتأنى " الشاعر " قبل نهاية الفرصة الأولى والأخيرة أيضا ، فيعلن محذرا قبل نفاذ رصيد الاحتمال  ( ماتخلنيش اطلق صهيل خيلي.. وربنا المعبود ..لو انفك اللجام ..ما حخلي فرد ع الأرض.. ححولها حطام..) ، وكذا حين تضيق سعه الصدر  بالمرواغات الرخيصة ( ماتستهمونيش بحزني ..هاجيب رقبتك في التانية..لو فلتت مني الأولى ..)..
   
 *اعتذار واجب .. كتبت ما كتبت  ولم يكن  هو بالسطر الأفضل ، ففي كل مرة  كنت أمزق ما كتبته ،  أحرقه، ألعنه  ، ألقيه بعيدا عله يخبو أبدا .. ثم لا ألبث أن اقتنيه مجددا  أكتبه ، أمزقه ، ألعنه،  ثم ...  أعترف بهزيمتي  وأعلن  فوز جموح  الحصان ..


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع