الأقباط متحدون - سنوات مع بريد القراء
أخر تحديث ١٥:٣٦ | الخميس ١٤ يوليو ٢٠١٦ | ٧ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٨٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

سنوات مع بريد القراء


 منذ عِقد ونصف شاءت الأقدار أن يُشرف أبى، ولأحد عشر عاماً متتالية، على باب «مراسيل ومكاتيب»، المخصص لرسائل القراء، بجريدة «القاهرة» الثقافية، ولأنه كان شديد الانشغال، فقد أوكل إلىَّ مهمة تحريرها من الباطن، واستمر الأمر لسبع سنوات تقريباً، إلى أن انشغلت أنا أيضاً، فتسلم المهمة أخى الأصغر، كان العمل يتضمن اختيار خطابات القراء وتحريرها واقتراح عناوين لها وردود عليها، بعدها يتم عرض هذا كله على أبى لنتناقش ويتخذ هو قراره بشأنها، ثم يضيف إليها مقاله مع الأبواب الثابتة التى يكتبها ويتم الإرسال.

 
مع القراء عشت أياماً شيقة، كان بينهم نجوم بحق؛ فكثير من مراسلى الصحف، بشكل عام، هم كُتاب محترفون مثل الأساتذة: محمد حسين حجازى (كان موسوعة فنية، يصطاد أخطاء الإذاعات ويصححها)، ومحمد أمين عيسوى (كان منقباً ماهراً فى كتب التراث)، ومحمد عبدالمقصود الموجى (كان ناقداً سينمائياً بحق)، ونعيم الناغية (يعده البعض أشهر قارئ صحف).. وفيما سمعت، فقد توفى أربعتهم مؤخراً، وكأنهم قد اتفقوا على الرحيل مع التطور التكنولوجى فى وسائل التواصل، وبدء اندثار أبواب بريد القراء.
 
آخرون ممن راسلوا صفحة القراء صاروا كُتاباً بارزين فى صحف أخرى بالفعل (مثل المحترمين: محمد هشام عبية، وحمزة إبراهيم عامر)، والبعض لم يحالفه الحظ رغم امتلاكه مقومات ذلك أيضاً (مثل الموهوب: زكريا باهى).
 
كعادة كل من حرر بريد القراء كنت أحياناً أؤلف بعض الخطابات لتمرير فكرة ما أو للتعبير عن وجهة نظر معينة أو لمآرب أخرى، وكنت أبتكر أسماء لا تبدو عليها الريبة قدر الإمكان، مثل: «جمعة عبداللاه الصيرفى/ ميت أبوالكوم».
 
كانت خطابات القراء تصل على عنوان الجريدة بشارع حسن صبرى بالزمالك، وكنت أسافر مع أبى شهرياً لإحضارها. وفى أحد الشهور تعذر السفر فنضبت الخطابات بحلول آخر الشهر الثانى، حاولت أن أتصرف؛ قمت بتأليف خطابات كثيرة صغيرة الحجم، كان عدداً متميزاً، حتى إن الأستاذ «صلاح عيسى»، رئيس تحرير الجريدة آنذك، قال لأبى، إنه أعجب بهذه الخطابات الرشيقة، وطلب منه الاهتمام بالقراء الذين يرسلون هذه النوعية. ولكنه لم يكن يعلم أن هؤلاء القراء هم أنا.
 
ذات يوم قمت بتأليف خطاب لقارئ أعطيته صفة «الفلكى خبير الأبراج»، تحدثت فيه عن الأبراج كـ«علم» ثم أوضحت أن صاحبة برج «الجدى» بشكل أو بآخر قد تلتقى هذا الشهر بفارس أحلامها، وعلامة ذلك أنه سيكون شاباً وسيماً فى مثل سنها ومن برج «الميزان».. وطبعاً كان الميزان هو برجى والجدى هو برج فتاة أعجبت بها فى الجامعة. بعد نشر العدد أعطيت الجريدة لصديقتها المقربة لإيصالها لها، وقبلت هى بعد أن اشترطت علىَّ أن أحضر عنها كل محاضرات واحدة من أصعب المواد، وافقت على مضض لكننى تحايلت على الأمر، لأن موعد تلك المحاضرة كان فى الثامنة صباحاً، فكنت أعرف أسبوعياً شذرات مما دار بها ثم أقابلها وأؤلف قصصاً وحكايات وأخترع منهجاً من رأسى، وكانت النتيجة أننا لم نحصل على تقدير عال فى تلك المادة ولكن الفتاة الأخرى ظلت طوال فترة الجامعة تظن أننى وسيم برج الميزان الذى أرسله القدر.
 
كثيرة هى المغامرات مع القراء، الذين يثرون العمل الصحفى والثقافى، ومع ثورة التكنولوجيا على المواقع الصحفية الإلكترونية الاهتمام بهذا الباب الشيق الذى لا يجب حصره أبداً فى ركن للشكاوى، لأن فى بريد القراء مراسلين أفضل من كثير من كُتاب هذه الأيام.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع