الأقباط متحدون - إنت مال أمّك!
أخر تحديث ١٥:٣٥ | الجمعة ١٥ يوليو ٢٠١٦ | ٨ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٩٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

إنت مال أمّك!

أسامة غريب
أسامة غريب

من الأشياء التى تصدم المهاجر العربى عندما يصل إلى وطنه الجديد فى أوروبا أو أمريكا أن الناس لا تتدخل فى شؤون بعضها البعض ولا تقتحم خصوصية الجيران بالجرأة التى اعتادها فى بلده!.. فى العالم العربى السعيد، اعتاد الناس على البساط الأحمدى الذى يعطى للحيزبونات الحق فى سؤال فتاة عن سبب تأخر زواجها، وكذلك سؤال امرأة متزوجة عن عدم حملها أو سؤالها عن سبب الاكتفاء بطفل واحد فقط. فى الغرب، لا يفعلون هذه الأشياء حتى لو كان الفضول يعتريهم، لأنهم تربّوا على أن اقتحام خصوصيات الناس يعد من قبيل قلة الأدب وسوء السلوك. وفى الحقيقة أن معظم المهاجرين قد تعرضوا لمواجهة الجملة الجميلة السحرية التى توقف الفضوليين عند حدهم وهى جملة: «هذا ليس من شأنك». فى البداية تصدمهم الجملة لكن مع الوقت يتقبلونها ويفهمون أن صاحبها ليس وقحاً ولا عدوانياً كما تصوروا، لكن الوقاحة إنما صدرت منهم هم عندما سألوا رجلاً لا يعرفونه عن الدين الذى يدين به أو العقيدة التى يعتنقها!.

وأتصور أن هذه الجملة الرائعة يمكن أن تكون وسيلة للفرز بين المجتمعات المتحضرة والمجتمعات الهمجية. فى المجتمعات المتحضرة يمكنك أن تقول للمدير إذا سألك عما تنوى أن تفعل هذا المساء: هذا ليس شأنك.. تقولها وأنت مطمئن أنه لن يضطهدك حتى لو تضايق، لكن فى المجتمعات الهمجية لو أنك رددت على المدير هكذا فلسوف تصير منذ اللحظة عدواً له ولسوف يظلمك ويهينك ويؤذيك ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. كذلك فى المجتمعات الطبيعية يمكنك إذا سألك رجل البوليس عن وجهتك أن تقول له: هذا الأمر لا يعنيك.. وبصراحة فإن تقبّل رجل البوليس هذه الإجابة دون أن يحس بالإهانة يعنى أنه رجل سليم النفس، وأنك تعيش فى مكان محترم، لكن إذا تفوهت بهذه الجملة فى بلد همجى فإنها ستكون آخر ما ينطق به لسانك، لأن رجل الأمن سيضربك وقد يعذبك حتى الموت!

ولأن المصريين مبتكرون دائماً، فقد أوجدوا نظيراً محلياً لهذه الجملة هو «وإنت مال أمّك» كتعبير عن الضيق بالاقتحام والتدخل فى خصوصيات الآخرين، وهى فى الحقيقة جملة عظيمة وموحية، لكنها لن تردع سوى أصحاب الذوق والأدب فقط، أما الفضوليون المحترفون فسوف يتجاوزونها بعد أن يعدّوها من قبيل الود ومن مستلزمات المرح.. هذا فضلاً عن أن الناس لن تجد فى نفسها القدرة على استخدامها لدى من يستحقونها أكثر من غيرهم، لأن هؤلاء فى الغالب سيكونون من ذوى النفوذ والقدرة على الإيذاء، لهذا فإن استعمالها سيظل محدوداً فى المجتمع. وللتغلب على هذه المشكلة ظهر اقتراح تقدم به بعض الحانقين بتشكيل جمعيات أهلية يكون شعارها «وإنت مال أمك».. وهذه الجمعيات تهدف لنشر ثقافة احترام الخصوصية وعدم دس الأنف فيما لا يعنى الدساس، وأصحاب هذا الاقتراح يراهنون على الزمن والتراكم فى إحداث ثقب يأخذ فى الاتساع تدريجياً فى جدار البلادة والنطاعة وسوء السلوك. على أى الأحوال، هذا اقتراح محمود، لكنه مع ذلك خيالى، فأين هو الموظف الذى سيعطيك الترخيص بعمل الجمعية بعد أن يسألك عن الهدف من إنشائها فتقول له: وإنت مال أمّك!
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع