وجدت دراسة جديدة أن الناس ترغب في محاولة إشباع فضولهم، حتى عندما يعلمون أن الإجابة عن تساؤلاتهم هذه ستصيبهم بالأذى أو الحزن. ولشرح الأمر بصورة أكبر، تخيل معي هذه القصة لإحدى النساء التي كتبت قصتها لصحيفة «الجارديان» البريطانية.
«لم تكن أفضل لحظة في حياتي، بل ربما هي الأسوأ على الإطلاق. ففي أعقاب مروري بالآثار السلبية الناجمة عن نهاية أول علاقة حب جدية، منذ أكثر من عشر سنوات، قمت بقراءة رسائل البريد الإلكتروني لصديقي السابق». وتوضح هذه المرأة أنها كانت تتبادل كلمات السر الخاصة بـ«الإيميلات» مع صديقها هذا؛ فهما كانا في فترة الحب الشبابي، في مرحلة ما قبل الهواتف الذكية، وأحيانًا يكون من المفيد الحصول على كلمات السر؛ كي ينظر صديقها إلى إيميلها، ويبحث لها عن شيء ما تريده؛ عندما لا تكون بالقرب من جهاز الكمبيوتر، والعكس أيضًا.
وذكرت المرأة أنه بعد انفصالهما، لم يقم صديقها بتغيير كلمة السر الخاصة به. وقالت إنها سألته عن ذلك الأمر، فأجاب أنه كان ينبغي أن يكون قادرًا على الثقة فيها في أنها لن تقرأ بريده الإلكتروني، وهو الأمر الذي لم يكن في محله.
ونتيجة لحزن هذه المرأة الشديد، نتيجة انكسار قلبها، قامت بالتطفل بشكل إلزامي ومتكرر، لدرجة أنها أصبحت تدخل إلى بريده الإلكتروني بصورة يومية، لتتجاهل النصيحة الحكيمة لأحد الأصدقاء، الذي أشار إلى أمر هام للغاية، وهو أن معظم ما ترغب في اكتشافه عبر التغلغل في رسائل البريد الإلكتروني لصديقها، سيكون أمورًا من شأنها إزعاجها، وزيادة درجة الحزن لديها.
وقالت إنها لم تتعلم القاعدة البسيطة، التي تقول: إن صديقها، لو أراد الرجوع، والعودة إليها – وهو ما كانت تتمناه بشدة – لكان قال لها هذا الأمر بكل بساطة. بالتالي، ما الذي كانت تبحث عنه هذه المرأة؟ هل كانت تتوقع وجود رسالة تقول بأنه يريد العودة إليها مثلًا؟
وأضافت أنها لم تتعلم هذا الأمر، على الرغم من وجود إيميل قام صديقها بإرساله إلى امرأة جديدة، وعلى الرغم من ذلك ظلت تنبش في البريد الإلكتروني، فما الذي كانت تتوقعه؟ يبدو أنها كانت تظن أنها تحاول مساعدة نفسها بشكل ما، لكن المؤكد أنها كانت أسوأ طريقة لمساعدة نفسها؛ فكل ما أخذته من تصفح البريد الإلكتروني كان المزيد من الحزن وربما الصدمات أيضًا. تقول المرأة إنها الآن تعلم أن كل ما كانت تفعله كان فقط لأنها بشرية تتميز بالفضول، والذي يمكن أن يصل إلى مرحلة الفضول القاتل.
صغيرًا كنت أم كبيرًا.. الفضول سيظل جزءًا لا يتجزأ من تفكيرك
فضول الإنسان
أوضحت دراسة جديدة قائمة على العلم، نشرت هذا الأسبوع من قبل الباحثين من جامعة شيكاغو، وكلية ولاية ويسكونسن للأعمال، أن الفضول لا يسبب مقتل القطط فقط، لكنه أيضًا يقتل سعادتنا. مجلة «ساينتفيك أمريكان» لخصت الموضوع بكلمات بسيطة؛ إذ قالت «إن الحاجة إلى معرفة قوية، قد يصل لدرجة أن الناس سوف تسعى لإرواء فضولهم، حتى عندما يكون من الواضح أن الجواب سيصيبهم بأذى».
تقريبًا جميعنا مررنا بمثل هذه التجارب من قبل، الحاجة الملحة لمعرفة أمر ما، والقيام بالمستحيل عينه في محاولة منا لإشباع هذا الفضول والوصول للمعلومة، وبعد أن نصل إليها، تصيبنا بالصدمة والحزن والإحباط، ونعود لنقول لأنفسنا، ما الذي جعلني أسعى لمعرفة هذا الأمر، فقد كنت متأكدًا من أن الإجابة لم تكن ستعجبني أو تريحني؟
في هذه الدراسة، كان الأشخاص المشاركين، والذين يواجهون احتمال التعرض لمحفزات غير سارة (مثل صدمات كهربائية صغيرة، أو صوت احتكاك الأظافر على السبورة) والتي يتم ربطها بإجراءات معينة (النقر بالقلم، على سبيل المثال)، هؤلاء الأشخاص لم يتمكنوا من تجنب إغراء القيام بهذه الإجراءات المزعجة على أية حال، على الرغم من يقينهم بأنها أمور ستسبب الإزعاج لهم.
مثل هذه التجربة توضح شدة الشغف الموجودة لدينا تجاه المعرفة، وضعفنا تجاه مشاعرنا، وهو ما يطرح تساؤلًا وتعجبًا: هل نحن على استعداد لإصابة أنفسنا بالأذى من أجل محاولة إرضاء أنفسنا في نفس الوقت؟
إذا كان لم يسبق لك أن أضعت أي وقت في حياتك في التحديق في صور أصدقائك السابقين على فيس بوك، فيمكننا أن نفترض أنك يمكن أن تشعر الآن بأنك شخص معتد بنفسه أو متعجرف جدًا في الوقت الحالي. لكن بالنسبة للغالبية منا، فإنه من المريح قليلًا أن نعرف – على سبيل المثال – أن لديك الرغبة لمعرفة ما إذا كان شريك صديقتك الجديد يمكن أن يكون بالفعل شخصًا أفضل منك، هل يمكن أن حبيبتك السابقة تشعر بالسعادة الآن مع حبيبها الجديد أكثر من السعادة التي كانت تشعر بها معك؟
الجانب الإيجابي لإشباع الفضول كان التقدم العلمي الهائل للبشرية
رغبة عميقة وعالمية
هذه الرغبة لا تقلل منك أبدًا ولا تعني على الإطلاق أنك شخص مثير للشفقة وضعيف الشخصية؛ وذلك لأن الرغبة في إشباع الفضول هي رغبة عميقة داخل النفس البشرية، والتي مهما حاولت كبتها، فهي ستطفو على السطح بشكل أو بآخر، أو في وقت ما، هذا بالإضافة إلى أنها رغبة عالمية، تخص جميع البشر الموجودين، ولا تستثني منهم أحدًا.
والمشكلة، بالطبع، هو أن هذه الرغبة يمكن أن يشعر بها الإنسان، وتتم تغذيتها بسهولة في هذا العالم، حيث المعلومات التي تتوفر لنا هي معلومات لا نهائية لا يوجد لها حد من حيث الكم أو طرق الوصول لها، فكيف يمكنك أن تكبت هذه الرغبة الهائلة داخلك. وجود الإنترنت في حياتنا يعني أن العائق بيننا وبين إيجاد الإجابة على أي سؤال تثيره عقولنا، هو عائق قليل جدًا، وهو ما يعني أننا يمكننا الإجابة على كل سؤال يطفو في عقلنا كلما أردنا ذلك، أو على الأقل، محاولة العثور على الجواب.
هذا الأمر هو ما اكتشفته دراسة حديثة أخرى، وما يؤكدها بالفعل هو رغبتنا المستمرة في استخدام محرك البحث «جوجل»، على عجل، كلما أثير تساؤل ما، بدلًا من التروي والانتظار لسماع رأي الخبراء. هذا الأمر يمكن أن يكون له تأثير حقيقي للغاية، وسلبي للغاية على صحتنا.
وبالعودة للمرأة التي كانت تحكي حكايتها في البداية، فقالت إن المحزن في الأمر بالفعل أن العلاقة السرية بيني وبين البريد الإلكتروني الخاص بصديقي السابق، أثبتت الدراسة صحتها؛ فتطفلها على هذا البريد الإلكتروني جعلها أكثر حزنًا مما كانت عليه. ليس هذا فحسب، فقد تسبب هذا التطفل في وقوع بعض الضرر المؤقت لعلاقتها مع صديق مشترك، كان قد كتب مذكرة إلى صديقها السابق، والتي لم تكن بها أية مجاملة للمرأة، فبالطبع كان هذا الصديق المشترك يحاول جعل صديقها السابق يشعر بأنه في حالة أفضل.
وختمت المرأة حديثها بأنه مع مرور الوقت، تعلمت كيف تحشد قوتها للابتعاد عن الهواتف المفتوحة للشركاء الآخرين أو أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، وعدم التطفل عليها، حتى ولو كان الوصول لها سهلًا. في بعض الأحيان، يكون هذا هو التحدي الحقيقي للعقل البشري بالفعل. فاكتساب معرفة مؤلمة ومثيرة للقلق والمخاوف هو أمر لا يمكن التراجع عنه لاحقًا.