يناقش مجلس النواب قريباً مشروع بناء وترميم الكنائس وحسب النص الدستورى لابد أن يتم ذلك فى أول دورة برلمانية. صدور قانون ديمقراطى عادل يساوى بين المواطنين سوف يفتح الباب أمام سلام اجتماعى تنشده الدولة والمواطنين وهناك شعور عام بأن القانون لن يكون عادلاً ولن يقوم بحل المشاكل الحالية.
المشكلة قديمة ومتشعبة والحلول تكون سهلة وممكنة لو كان هناك تفهم وكانت هناك إرادة والحلول مستحيلة إذا كانت هناك نية مبيتة عند البعض بأن المشكلة لابد أن تستمر ولم يكن هناك تفهم حقيقى لحجم المشكلة وأبعادها.
أولاً: حق الأقباط والمسيحيين بكافة طوائفهم فى معاملة متساوية مع المسلمين أمر يحكمه دستور بنصوص واضحة وتحكمه قواعد واتفاقات دولية ويحكمه أن المواطنين المصريين جميعاً متساوون بحكم الطبيعة فالأقباط ليسوا أقلية إثنية ولا أقلية عرقية هم مصريون لا يختلفون فى شىء عن المسلمين فالفلاح القبطى فقير مثل الفلاح المسلم ويلبس الجلابية مثل الفلاح المسلم ويعيش بنفس الطريقة ويتكلم نفس اللهجة إذا كان صعيدياً ويقوم بختان بناته مخالفاً للقانون والقواعد الطبية لا فرق بين مسلم ومسيحى.
فى المدينه لن تعرف المسلم من المسيحى فهم يعيشون مع بعض ويسكنون نفس المنزل، ويتشاركون فى نفس العمل وربما كان الاسم هو الذى يبين أحياناً دين المواطن، وأيام الليبرالية المصرية حرص كثير من المصريين على تسمية أبنائهم بأسماء محايدة لا تعرف منها دين المواطن وكما يحدث فى عصور التدهور يسمى المصريون مسلمين ومسيحيين أبناءهم بأسماء لها مدلول دينى.
إذا الكلام عن أقلية أو عن عنصرى الأمة هو كلام فارغ مختلق.
ثانياً: ما يحدث على أرض الواقع هو معاملة مختلفة فهناك مناصب كثيرة فى الدولة لا يمكن لمسيحى أن يعمل بها وهناك أماكن فى القطاع الخاص لا تعطى الفرصة للمسيحى بالعمل بها وينعكس ذلك على بعض رجال الأعمال المسيحيين الذين يقومون بالمعاملة بالمثل.
الجهات الحكومية على جميع المستويات بها أزدواجية فى التعامل مع المواطنين وهى ليست مقصورة على المسيحيين بل هى بصورة أكثر وضوحاً على الوضع الاجتماعى فالفقير يعامل بطريقة مهينة فى قسم الشرطة والمسؤول ينهى أوراقه الخاصة مع الدولة وهو فى بيته، الكارثة الحقيقية ألا يكون لك كيان حين تكون فقيراً ومسيحياً وصعيديا.
ثالثاً: لقد فرح الأقباط حين زارهم الرئيس فى العيد أثناء القداس وتصوروا أن هناك تغيراً فى سياسة الدولة نحوهم وهذا غير حقيقى فالرئيس أراد أن يجاملهم لأنهم ساندوه ولكن الرئيس فى مصر ليس هو الدولة كما يظن البعض لأن عسكرى المباحث فى قرية صعيدية لا يهمه رئيس ولا وزير ولا قانون وإنما يهمه أن يحافظ على تقاليد وموروثات وعلاقات.
تفعيل زيارة الرئيس يجب أن يصل تأثيرها على كل مواطن مسيحى فى أصغر قرية مصرية وهو ما لم يحدث مثلاً فى قرية الكرم بعد حادثة رهيبة فى المنيا حديثاً.
رابعاً: الدولة البوليسية هى السبب الحقيقى فى تفاقم المشكلة وعدم الوصول إلى حل فالإصرار من الشرطة على عدم عقاب المعتدى وتقديمه للعدالة وتلفيق المحاضر ورفض تلقيها وتعديلها أفقد الشرطة مصداقيتها وهيبتها.
المجالس العرفية حل جيد لمنع تكرار المشكلة ولكن بعد تطبيق القانون أولاً وعقاب المعتدى بمحاكمة عادلة ولن يحدث ذلك إلا إذا كانت تحريات المباحث ومحاضر الشرطة حقيقية وصادقة وهو نادراً ما يحدث.
خامساً: تراخى الدولة الشديد فى تصرفات بعض القيادات المحلية فى الصعيد فالناظر الذى يعلن أنه لن يقبل قبطيا فى مدرسته والوزارة التى تمنع تولى ناظرة مدرسة قبطية لمنصبها فى الصعيد هو أمر لابد أن يؤخذ بجدية لأن هذا مخالف للدستور ويجب صدور قانون سريع بمعاقبة التمييز تطبيقاً لمبدأ واضح فى الدستور.
سادساً: لن يفلح أى إجراء حكومى بدون حملة إعلامية مستمرة واسعة الانتشار حتى يصل مفهوم المساواة إلى عقول البسطاء من أهل الصعيد والأحياء العشوائية. وكما هو معروف أن زعامات دينية صغيرة محلية كشيخ زاوية أو تلميذ سلفى فى قرية هم الذين يشعلون النار ويحرضون البسطاء من الفلاحين، هؤلاء يجب إيقافهم عند حدهم بالقانون ولكن للأسف الشرطة والعمدة فى كثير من الأحيان يكونون على تفاهم وثيق بهم بل ويساعدونهم.
سابعاً: تقدمت باقتراح فى لجنة الخمسين على مجموعة ضيقة من عمرو موسى وجابر نصار ومنى ذو الفقار لإضافة مادة دستورية خاصة ببناء الكنائس فوافقوا وتمت كتابة النص وطلبوا منى إحضار موافقة المفتى أولاً فاجتمعت به مرتين وكان رائعاً فى موافقته بعد طلب تعديلات بسيطة تم إجراؤها وعرضت النص على الأنبا بولا وبعد ذلك مرت المادة بسهولة وتأييد كبير من الجميع فى لجنة الخمسين. الأمر الآن أمام مجلس النواب الذى كان الصوت القبطى حاسماً فى نجاح عدد كبير من أعضائه، إذا مر هذا القانون فى صورة بسيطة وواضحة ويبسط الأمور فى بناء الكنائس وتقنين أوضاع الكنائس الحالية سوف يسهل ذلك الأمر على الدولة والداخلية أما إذا تم تغير شىء فى النص يؤدى إلى تعقيدات فهذا ليس فى صالح أحد وسوف يؤدى إلى وقوع النظام فى مشاكل أكبر.
الأمر بسيط، المسيحيون كمواطنين مصريين لهم الحق جميعاً فى ممارسة طقوسهم الدينية بسهولة وبساطة وليذكر واضعو المشروع وأعضاء البرلمان أن الكنائس فى مصر أقيمت عبر مئات السنوات قبل بناء أى مسجد فى الوطن.
المسيحيون جزء من الشعب المصرى الذى أصبح له رأى فيما يحدث فى الوطن وأصبح صوته عاليا وواضحا وهم لن يقبلوا أن يعاملوا مرة أخرى كمواطنين من الدرجة الثانية وأن الأساقفة الذين تعتقد الشرطة أنهم متشددون ويثيرون شعبهم هم فى الحقيقة عليهم ضغوط كبيرة من الشارع وهم يلبون رغبة ومطالب شعبية ضخمة.
ولتعرف الدولة جيداً أن الثورة قد غيرت الشعب جذرياً ومصر لن تصبح كمصر قبل 25 يناير مهما فعلتم فخدوا بالكم..
قم يامصرى مصر دائماً بتناديك
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع