تعد جماعة الإخوان تنظيماً أممياً لا يعترف بأوطان ولا حدود، تحكمه فكرة الخلافة والرابطة الدينية، وقد تعلّم أعضاء «التنظيم» منذ نعومة أظفارهم أن الأوطان ما هى إلا حفنة من التراب العفن ولا قيمة لها، وبالتالى فإن جيوش الأوطان لا قيمة ولا مكانة لها، بعضهم يُحرم الخدمة فيها، وبعضهم الآخر يبيح قتل أفرادها. وطوال العام الذى حكم فيه «مرسى» ومرشده البلاد، شهدنا محاولة تجسيد كل أفكار الجماعة المعادية للوطن، ففى البداية كان التحرّك السريع للسيطرة على مؤسسات الدولة، وتحديداً الشرطة والقضاء، وكانت معارك كبرى للسيطرة، نجحت الجماعة فى اختراق الشرطة وجهازها الأمنى، زحفت للسيطرة على القضاء، ونجحت إلى حد ما فى زرع رجالها فى بعض مؤسسات الدولة. كانت الجماعة تعلم صعوبة -إن لم يكن استحالة- اختراق الجيش المصرى والسيطرة عليه، فكان المخطط بإنشاء كيان مسلح موازٍ من عناصر الجماعة المدرّبة على القتال تنتشر بالبلاد. تحدث عصام العريان عن تشكيل جيش مصر الحر على الأراضى الليبية، بالتعاون مع مسلحى الجماعة هناك، وجاءوا بقائد الحرس الثورى الإيرانى، كى يتعلموا منه كيفية إنشاء هذا الكيان المسلح الموازى الذى يأتمر بأمر المرشد، أتوا بالمجاهدين من شتى أنحاء الدول الإسلامية، لا مشكلة فى الجنسية، فالأساس هو الانتماء إلى الجماعة.
كان مخطط الجماعة الأكبر هو السيطرة على الجيش المصرى، وكانوا يدركون أن النجاح فى ذلك يعنى نجاح مخطط السيطرة والهيمنة على البلاد والمنطقة، سنوات طويلة مقبلة، وربما لقرون، كما سبق وصرح خيرت الشاطر. من أجل السيطرة على الجيش ارتكبوا جرائم قتل جنود مصريين، بل ارتكبوا الجرائم فى شهر رمضان، على النحو الذى شهدناه فى قتل جنود الجيش وهم يهمون بتناول طعام الإفطار بعد صيام يوم من أيام الشهر الفضيل، تحت درجة حرارة عالية فى يوم من أيام الصيف، فى ظل مناخ صحراوى شديد القسوة كمناخ سيناء. ارتكبوا الجريمة بدم بارد كى يطيحوا بالمشير طنطاوى والفريق سامى، ويرتبوا عملية نقل القيادة إلى من يتصورون أنهم يمكنهم العمل معهم، إلى حين تصعيد أعضاء من الجماعة، لا سيما أنهم بدأوا بالفعل فى إدخال عناصر الجماعة كليات الشرطة والكليات العسكرية. جاءوا باللواء عبدالفتاح السيسى، معتقدين أنه قريب منهم فكرياً، وكانوا فى عجلة من أمرهم لإتمام السيطرة على الجيش، فكانت عملية ترتيب خطف مجموعة من جنود الجيش على يد عناصر تابعة لهم فى شمال سيناء، وتحت إشراف محمد الظواهرى، شقيق زعيم تنظيم القاعدة، وقد سنّ الجيش حملة مطاردة للخاطفين، دون التنسيق مع «مرسى»، فكانت صرخة «مرسى» الشهيرة «أدعو إلى الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين»، وكان الفرار وترك الجنود فى الصحراء، حتى لا يقع أىٌّ من الخاطفين فى أسر الجيش، وتنكشف الحقائق.
وعندما بدأت ثورة الثلاثين من يونيو، لم تكن الجماعة قد انتهت من إعداد كيانها المسلح الموازى بعد، وصدرت الأوامر ببدء شن الهجمات على القوات المصرية فى سيناء، وصدرت كلمات «البلتاجى»، بتأكيد أن ما يجرى فى سيناء سوف يتوقف فى اللحظة نفسها التى يتوقف فيها الانقلاب.
ما نود تأكيده هنا هو أن ما شهدناه من عمليات ضرب وقتل وسحل للجنود الأتراك وتجريدهم من ملابسهم وإهانتهم على أرض وطنهم جاء بأوامر مباشرة من «أردوغان»، وجرى التنفيذ على يد ميليشيات الجماعة الموازية، وشركاتها التى تمت السيطرة عليها، ما حدث نتيجة إضعاف الجيش التركى وتفريغه من قياداته، والسيطرة عليه، فكانت الكارثة التى نشاهدها اليوم فى تركيا، والتى ستتواصل تفاعلاتها، وستكون لها تداعياتها بعيدة المدى.
نقلا عن الوطن