الأقباط متحدون - ماذا لو فشل انقلاب ضباط 23 يوليو ؟
أخر تحديث ٠٢:٤٨ | الخميس ٢١ يوليو ٢٠١٦ | ١٤ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٩٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

ماذا لو فشل انقلاب ضباط 23 يوليو ؟


فاروق عطية 
يوم الثلاثاء 12 يوليو قامت القوات المسلحة التركية بمحاولة انقلاب فاشلة ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية ، ولم تمض ساعات حتي تم القضاء علي الانقلاب بسهولة ويسر بمعاونة كاملة من سلاح الجو الأمريكي انطلاقا من قاعدته التركية. فى الوقت الذى اعتبر فيه الرئيس رجب طيب أردوغان التحرك العسكرى التركى للسيطرة على الحكم هو لطفاً كبيراً من الله يمهد الطريق لتطهير القوات المسلحة مما وصفه بالكيان الموازى. وقد رآها برلمانيون معارضون "مؤامرة مدبرة من قبل السلطة الحاكمة" من أجل إعادة هيكلة الجيش ونقل البلاد إلى النظام الرئاسى الذى يريد أردوغان تطبيقه (بحسب جريدة زمان التركية). ¬¬¬ويقول خبراء ومحللون سياسيون أن أردوغان وجد ضالته وذريعته لإعلان "حركة الخدمة" منظمة إرهابية مسلحة بعد أن فشل فى إقناع العالمين الغربى والعربى مؤخراً بذلك، وأنه يصر منذ اللحظة الأولى على ربط هذه المحاولة بحركة الخدمة التابعة لجولن الموجود بمنفاه الاختياري بالولايات المتحدة. وقال نائب برلماني معارض إن الأحداث التى وقعت فى إطار الانقلاب العسكرى تطورت بتوجيه من حكومة حزب العدالة والتنمية مضيفا، لو كان الأمر هكذا لتوجه العسكر إلى فرض السيطرة على القنوات التليفزيونية، التى لم تتم السيطرة عليها حتى اللحظة الأخيرة، فكل الأحداث هى بتوجيه من السلطة. 
 
  بعد إعلانه عن فشل الانقلاب على السلطة الشرعية في تركيا، ظهر أردوغان بين حشد من أنصاره في إسطنبول، مؤكدا البقاء في الشوارع والميادين حتى نهاية الأزمة بشكل كامل، معتبرا محاولة الانقلاب هي إهانة للديمقراطية واستهانة بالشعب التركي، مثمنا الدور الذي لعبه هذا الشعب في مواجهة الانقلابيين ونزوله إلى الميادين والشوارع لنصرة الدستور، مضيفا أن المتورطين فيها سيعاقبون بغض النظر عن المؤسسات التى ينتمون إليها، والسلطة ستقوم بـ"تنقية الجيش من الإرهابيين"، قائلا: نحن على رأس عملنا ولن نترك الدولة التركية للمتمردين.
 
   للأسف حدثت أثناء مقاومة الانقلاب مواجهات دامية بين الجيش و الشرطة وجماهير حزب العدالة و التنمية و باقي افراد الشعب التركي، وأهين الجيش التركي إهانات بالغة لن تمحي وسوف تكون لها عواقب وخيمة مستقبلا. ما حدث في تركيا بالأمس القريب جعلني أفكر وأتصور في حلم من أحلام اليقظة التي تنتابني هذه الأيام، وضع مصر الآن لو أن حركة انقلاب ضباط حركة 23 يوليو 1952 لم يكتب لها النجاح كما حدث لانقلاب الجيش التركي ضد أردوغان.
 
   ففى 26 يوليو سنة 1952، غادر الملك فاروق مصر مستقلا اليخت الملكى المحروسة متجها إلى منفاه، ولكن ماذا لو كان جلالته  قد استعان بالقاعدة الإنجليزية بالقنال، كما استعان أردوغان بالقاعة الأمريكية بتركيا، وأخمد التمرد وفشلت الحركة ؟. سؤال لم يتطرق إليه أحد. بالطبع لا يمكن إيقاف حركة التاريخ أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن من الناحية الفلسفية النظرية البحتة يمكننا إستقراء الأحداث من الماضى قبيل قيام حركة الجيش لتخيل سيناريو ما كان قد يحدث لو لم تقم أو لو فشلت حركة ضباط 23 يوليو.
 
   بالقطع لم يخطر علي بالي لحظة من اللحظات أن جلالة الملك فاروق بكل حبه ووطنيته المصرية، يمكن أن يعامل جيشه بمثل ما عامل أردوغان جيشه بكل هذه الإٌهانات من قتل وذبح وتنكيل، ولكني أتخيل أنه بالقطع كان سيحاكم المتآمرين محاكمات عادلة. وما يؤيد ظني، ما حدث من جلالته حين طُلب منه التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، أنه كتب في وثيقة التنازل “لما كنا نتطلب الخير دائما لامتنا، ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى تواجهها فى هذه الظروف الدقيقة، ونزولا على إرادة الشعب قررنا النزول عن العرش لولدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بذلك إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه” 
   باستقراء أحداث الماضي ومقارنة ما حدث بالفعل لدول صديقة كانت في مثل وضعنا قبيل حركة ضباط 23 يوليو، وما آل إليه وضعها الآن يمكن الإجابة علي السؤال:
 
1- تأزمت الأوضاع بعد إلغاء حزب الوفد لاتفاقية 1936 ، حيث توهجت الحركة الوطنية التى لم تكن ضد الانجليز وحدهم، إنما أيضا ضد الملك ومؤيديه، واشتعلت منطقة القنال، ووقعت مذبحة الإسماعيلية قى 25 يباير 1952، وفى اليوم التالى احرق الأخوان المسلمين القاهرة، وازداد الموقف سوءا بإقالة الوفد فى 27 يناير، وتعاقبت على مصر أربعة وزارات فى فترة وجيزة، آخرها وزارة نجيب الهلالى باشا صبيحة قيام الحركة.
2- كانت هناك إرهاصات لتصحيح الأوضاع والسير قدما فى طريق ايجاد مخرج لما وصل إليه الحال قبل التمرد، فقد انشغلت القوى السياسية الجادة فى مصر إهتماما بدعوة النبيل عباس حلمى لجماهير الشعب المصرى للاتفاق على الجلاء والوحدة العربية، داعيا جميع الأحزاب للاتحاد فى كتلة واحدة، وكانت هذه الصيغة كفيلة بحل الأزمة الداخلية حلا طبيعيا، وهى صيغة تعبئة قومية كالتى حدثت عامى 1919 ، 1935 . وقد تمخضت اتصالاته واستشاراته على وضع خطوط رئيسية لمشروع ميثاق وطنى أهم بنوده إلغاء الأحكام العرفية، واجتماع البرلمان فى الموعد الدستورى، واعتراف بريطانيا بمطالب مصر فى الجلاء التام والوحدة المصرية السودانية.
 
3- يمكننا بالخيال البحت المقارنة بين حالنا وحالة الهند التى كانت لها حركة وطنية تناضل من أجل الاستقلال عن بريطانيا العظمى بقيادة حزب المؤتمر، برمزه الروحى المهاتما غاندى، وعقله المدبر جواهر لال نهرو. كانت الهند تقتدى وتتبع خطوات مصر فى حركتها الوطنية بداية من 1919 بقيادة زعيم الأمة سعد زغلول باشا الذى كانت تربطه بنهرو وغاندى مراسلات وصداقة. وقد وفقت مصر بفضل الترابط بين المسلمين والأقباط أن تحصل على نوع من الاستقلال فى تصريح 28 فبراير 1922 ، وتمت صياغة الدستور 1923 ، وأجريت انتخابات ديموقراطية نزيهة وكان التطلع لنضج هذه التجربة أمل كل مصرى. وتكونت أحزاب مصرية حقيقية نابعة من الواقع والظروف المصرية الوطنية. فلو استمرت مصر فى طريقها الوطنى دون قيام أو نجاح حركة الضباط 1952، لكانت مصر الآن فى حالة مشابهة لحد كبير لحالة الهند الآن وما كنا وصلنا لما نحن فيه الآن من تردي وانهيار.
 
4- أدرك الانجليز حاجة مصر للإستقلال بعد أن نضجت مصر ثقافيا واقتصاديا، وبعد أن اشتدت حدة المقاومة ضد الاحتلال وامتناع كل الموردين المصريين عن توريد المواد الغذائية للقاعدة البريطانية بالقنال، وكانت العقبة الكأداء لتحقيق الاستقلال هى إصرار الحركة الوطنية الواعية على أن يكون الاستقلال مشمولا بالوحدة المصرية السودانية المصيرية، الأمر الذى عرقل توقيع اتفاق صدقى- بيفن عام 1046 . ويمكننا بقليل من الخيال أن نتصور لو استمرت الحركة الوطنية فى مطالبها ورضوخ المستعمر دون قيام حركة الضباط، لكان الاتفاق شاملا الجلاء ووحدة وادى النيل، دون الحاجة لوحدة رومانسية تمت بين مصر وسوريا دون دراسة، بدأت 1958 وانتهت بانفصال مأساوى 1961 عطل مسار القومية العربية المنشودة، وأدى إلى تعقيدات ومسارات غير منطقية تم من خلالها اصطياد مصر والعرب فى هزيمة 5 يونيو 1967، وما زلنا نعانى من آثارها حتى اليوم. إن الوحدة بين شطرى وادى النيل كانت ستؤمن زيادة الموارد الطبيعية واستثمارها لصالح الشعب الواحد مع تيسير هجرة الأيدى العاملة، أيضا كانت ستمكن من تحاشى الصراع الحادث بين شمال السودان وجنوبه والتي أدت لانفصالهما، وكانت رياح الديموقراطية السمحة ستهب من جنوب الوادى إلى شماله. وسوف يؤدى لتشكيل نواة وبزوغ كيان أو عامود فقرى جغرافى حول مجرى نهر النيل مكونا كيانا عربيا أفريقيا يتسع مع الزمن مكونا صرحا قويا لدولة أفروعربية تشمل مصر بشطريها مع ليبيا والصومال وغيرها، وتجنبنا ما نحن فيه الآن من توتر خوفا من الجفاف وندرة موارد الماء لونجحت أثيوبيا في الانتهاء من سد النهضة. ولو شطح بنا الخيال أكثر لتصورنا هذه الوحدة الأفروعربية نواة لوحدة كل الدول العربية من المحيط ألى الخليج. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ..!!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع