الأقباط متحدون - هل المحاولة الانقلابية كانت فبركة إردوغانية؟
أخر تحديث ٠٢:٣٠ | الخميس ٢١ يوليو ٢٠١٦ | ١٤ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٩٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

هل المحاولة الانقلابية كانت فبركة إردوغانية؟

ارشيفية
ارشيفية
د.عبدالخالق حسين
بعد نشر مقالي الموسوم (المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان)(1)، استلمتُ عدة تعليقات من أصدقاء، لهم اهتمام بالسياسة، بينهم مثقفون وأكاديميون وكتاب محترمون، قالوا ربما أنها مفتعلة من قبل إردوغان، ليتخذ منها ذريعة للتخلص من معارضيه، وتشديد قبضته على السلطة. ثم انهال علينا سيل من المقالات، أغلبها موقعة بأسماء غير معروفة، وعلى الأغلب مستعارة، هدفها التشويش والتضليل، والترويج لنظرية المؤامرة. وقد أشار الصديق الأستاذ رعد الحافظ إلى هذه الحملة في مقاله القيم (الإنقلاب التركي الغريب!)(2)
 
واحدة من هذه المقالات حول نظرية المؤامرة، جديرة بالإشارة لما حصلت من تعميم واسع لا تستحقه، أدعت كاتبتها (هدى جنات)، أنها "من صحفية الغارديان البريطانيه، تقول في البداية: " الله اكبر عاد اردوغان ..لحظة..!! من اين عاد ؟؟ كيف ولماذا فشل الانقلاب العسكري في تركيا رغم ان كل شيء كان مخطط له باحكام؟؟  يقال اذا ظهر السبب بطل العجب ... تابعوا معي... ". 
 
وملخص ما تريد الكاتبة قوله، أن الإنقلاب كان ناجحاً، شاركت فيه غالبية الصنوف العسكرية، ولقيت التأييد الشعبي الواسع، وقد تم اعتقال أردوغان ورحلوه إلى ألمانيا، ولكن بعد ساعات، تدخلت الطائرات الحربية الأمريكية الرابضة في قاعدة انجرليك التركية، وبأمر من الرئيس أوباما، فتم إسقاط 25 طائرة هليوكوبتر وقتل كل العسكرين فيها، وبالتالي انتهى الإنقلاب وعاد أردوغان إلى الحكم.!!! 
وقد بحثنا مع غيرنا، في غوغل وغير غوغل عن حقيقة الكاتبة هذه، وهل حقاً هي صحفية في الغارديان اللندنية، فلم نعثر لها على أثر إلا في صحيفتها على الـ(Twitter) ومقالتها العتيدة. 
 
والغريب أن هذه المقالة لقيت قبولاً من عدد غير قليل من المتلقين الذين راحوا يعممونها بحماس مع تعليقات التأييد، ومع الأسف من بينهم أكاديميون وجامعيون محترمون، وكأنها فعلاً صادرة من الغارديان ذات السمعة العالمية الواسعة. وهذا مؤلم ومؤسف، لأنه يكشف عن مدى استعداد الإنسان وتعرضه إلى الخديعة والتضليل، بغض النظر عن شهاداته الجامعية، ومكانته العلمية والأكاديمية.
 
أما المجموعة الثانية من المقالات والتعليقات، فقد ركزت على النوع الآخر من نظرية المؤامرة، مفادها أن المحاولة الانقلابية هذه كانت من تدبير الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان نفسه، لاتخاذها ذريعة لتكريس السلطات بيده، وتغيير الدستور لمصلحته الشخصية، والانتقام من معارضيه والتخلص منهم. ونشير هنا إلى مقال نشرته صحيفة المسلة الإلكترونية، بعنوان: (حقيقة الخديعة)(3). 
لا شك أن من حق هؤلاء أن يتهموا أردوغان بتدبير الانقلابات ليتخذها حجة لقمع معارضيه، وذلك لما عُرِف عنه من ماكيافيللية، وعدم اهتمامه بحياة البشر والمصلحة العامة من أجل مصالحه الشخصية، وكذلك لما عرف عنه من نرجسية مفرطة، وفي هذا الخصوص يرجى مراجعة تقرير صحيفة الميل أون لاين اللندنية(4).  
 
ولكن الأهم في هذا الخصوص، و مما يقوي الظن في صالح نظرية الفبركة الإردوغانية، أن (صحيفة الواشنطن تايمز، الأمريكية، كتبت تقريراً قبل ثلاثة شهور، حذرت فيه أن أردوغان سيفبرك انقلاب عسكري لتوسيع سلطاته وقمع معارضيه!)، وهو تقرير جدير بالقراءة والتأمل، ندرج في الهامش رابط النسخة الإنكليزية(5)، وملخص ترجمتها العربية(6).
ومما جاء في هذا التقرير أن هناك تذمر شديد في الشعب التركي وخاصة من قبل ضباط الجيش التركي والمثقفين، حول سياسة أردوغان، وأنه يجر البلاد إلى المزيد من الكوارث. وحذر أن إردوغان قد يفبرك انقلاباً عسكرياً ليتخذ منه ذريعة لتشديد قبضته على السلطة وقمع معارضيه. كذلك جاء في التقرير أن الأمريكان على علم باحتمال قيام الجيش بانقلاب عسكري ليس من تدبير أردوغان، ولكن نتيجة هذا التذمر، إلا إنه إذا ما فشلت المحاولة فمن الممكن لأردوغان أن يوظفها لصالحه. وكان قادة الجيش يدركون أن أي انقلاب لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يحصل على دعم وتأييد أمريكا. إلا إن أمريكا لا يمكن أن تؤيد أي انقلاب إلا بعد نجاحه، كما حصل مع الانقلاب المصري بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي على الرئيس السابق الأخواني محمد مرسي، والذي عارضته أمريكا في أول الأمر، ولكن بعد مرور فترة قصيرة على نجاحه، اعترفت بالأمر الواقع، وكذلك ستكون الحال مع الانقلاب ضد أردوغان في حالة نجاحه.
 
ومن سلوكه الماكيافيللي، فمن غير المستبعد أن يلجأ إردوغان إلى فبركة هكذا انقلاب، وعلى طريقة صدام حسين الذي كان يقوم بفبركة الإنقلابات، ليتخذ منها مصائد للفئران، يجتذب لها، ويصطاد من خلالها كل من يشك بولائه، ولديه الاستعداد للتآمر عليه، ولكن صدام كان يلقي القبض عليهم قبل البدء بالتنفيذ. لذلك قد يكون أردوغان كان يخطط لمثل هذا النوع من الفخ، ليتخذه ذريعة لقمع خصومه والانتقام منهم، ولكن كيف خرجت المحاولة إلى حيز التنفيذ، وسمح لها أن تسبب كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات، وكادت أن تودي بحياة إردوغان نفسه وبنظامه، كما و أساءت إلى مكانة الجيش ومعنوياته، و سمعة النظام التركي عالمياً، وتحويلها من دولة ديمقراطية مستقرة ومزدهرة اقتصادياً، إلى دولة دكتاتورية فاشلة.
 
لذلك، ومن كل ما تقدم، نعتقد أن المحاولة الانقلابية لم تكن من فبركة أردوغان، بل كانت محاولة حقيقية، دبرها قادة الجيش المخلصون، أرادوا إنقاذ البلاد من إسلاموية أردوغان ودكتاتوريته وطموحاته الشخصية في الإنفراد بالسلطة. وكان هدف الإنقلاب ترسيخ العلمانية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كما جاء في بيانهم الذي أذاعوه من إحدى القنوات التلفزيونية. إلا إنهم اساءوا التخطيط، إذ كان عليهم إلقاء القبض على إردوغان وكبار مساعديه قبل كل شيء، فتركوهم طليقين في تحركاتهم، يصدرون الأوامر إلى أنصارهم من خلال القنوات التلفزيونية كما يشاؤون، لذلك فشلت المحاولة، واستغلها أردوغان أبشع استغلال، كما هو معروف عنه في تحويل الأزمات إلى فرص ذهبية لصالحه، ولتقوية نظامه، وتوسيع شعبيته خاصة بين سكان الأرياف، وقمع معارضيه وتطهير الجيش والسلطة القضائية ممن يشك بولائه. 
 
فاردوغان يريد اعادة تشكيل الدولة التركية الأتاتوركية حسب مقاساته بما يخدم طموحاته الشخصية ومصلحة عائلته، وهو يعرف أن المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية والشرطة، والتعليمية تقف ضده، لذلك كان يسعى منذ مدة للسيطرة على هذه المؤسسات وتطهيرها من معارضيه. ولهذه الأسباب فما أن فشلت المحاولة الإنقلابية حتى وبدأ باعتقال ستة آلاف من العسكر يينهم جنرالات وضابط كبار ومن مختلف المراتب، وفصل حوالي ثلاثة آلاف قاضي، بمن فيهم قضاة في المحكمة الدستورية الذين لا يجوز اعتقالهم الا بقرار من المحكمة نفسها، حسب النص الدستوري المؤسس لها. وتمادى إردوغان في موجة الاعتقالات والطرد، التي راحت تتصاعد بالساعات. 
 
ففي آخر تقرير للبي بي سي صباح اليوم 20/7/2016، أن "حملة الحكومة لـ"تطهير" مؤسسات الدولة استهدفت 50 ألف شخص"، ونظراً لأهمية هذا التقرير وخطورته أدرج أدناه موجزه، جاء فيه: 
 
(تواصل الحكومة التركية حملتها لما وصفته بـ"تطهير" مؤسسات الدولة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد يوم الجمعة الماضي إذ بلغ عدد من اعتقلتهم السلطات أو أوقفتهم عن العمل أو طردوا من المؤسسات الحكومية نحو 50 ألف شخص. أعلنت وزارة التعليم في تركيا عن وقف 15 ألف موظف عن العمل بتهمة "صلتهم بفتح الله غولن".
 
وطالبت الوزارة أكثر من 1500 عميد كلية وجامعة بتقديم استقالتهم وسحب تراخيص عمل 21 ألف مدرس في معاهد خاصة.
 
واستهدفت الحكومة التركية موظفين وعاملين في وزارات الداخلية والعدل والدفاع والمالية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة:
 
6  آلاف عسكري اعتقلوا بينما ينتظر عشرات الجنرالات المحاكمة.
طرد 9 آلاف شرطي من عملهم.
 
وقف 3 آلاف قاض عن العمل.
 
طرد 1500 موظف بوزارة المالية.
 
طرد 492 موظفا بمديرية الشؤون الدينية.
 
استبعاد وطرد أكثر من 250 مسؤولا وموظفا في مكتب رئيس الوزراء التركي.
 
كما سحبت الحكومة تراخيص أكثر من 24 محطة إذاعية وتلفزيونية بتهمة صلتها بفتح الله غولن.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول أن مديرية الشؤون الدينية، أعلى سلطة دينية في البلاد، حظرت إقامة جنازات والصلاة على من شاركوا في محاولة الانقلاب.)(6)
 
والسؤال هنا ما دور القضاة وعمداء الكليات والمعاهد والمعلمين وغيرهم في المحاولة الإنقلابية حتى يتم اعتقالهم وفصلهم؟ وكيف استطاع أردوغان معرفة كل هؤلاء بتورطهم في المحاولة الإنقلابية خلال 24 ساعة من بدء الإنقلاب؟ لذلك نعتقد أن ما جرى من حملة فصل واعتقالات لخمسين ألف من منتسبي الدولة لهو دليل قاطع على أن هذه القوائم كانت معدة مسبقاً من قبل حزب إردوغان قبل المحاولة الإنقلابية بفترة ليست بالقصيرة. وربما كان إردوغان  يهيئ لفبركة انقلاب للإنتقام من خصومه، ولكن هذا الانقلاب الأخير هو ليس مفبركاً، بل هدية نزلت عليه من السماء، ونجح في توظيفه إلى أقصى حد للتخلص من معارضيه، العسكريين والمدنيين.
 
ولكن كما ذكرنا في مقالنا السابق، دخل أردوغان في حلقة مفرغة، فالمزيد من الاضطهاد للعسكر والقضاة والشرطة وغيرهم، وإهانتهم  بهذه الصورة البشعة وخاصة العسكر(8)، سيزيد من تذمر هؤلاء وتصعيد السخط الشعبي عليه إلى أن يصل حد الإنفجار، لذلك فإن إردوغان بسياساته العبثية والانتقامية هذه سيعجِّل في سقوطه. فالإنقلاب الفاشل هو مقدمة للانقلاب الناجح. 

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع