الأقباط متحدون - ذيول ايجابية لانقلاب تركي لم تعرف أهدافه: تغيير النظام أم تعليق المشانق؟
أخر تحديث ١٤:٠٠ | الخميس ٢١ يوليو ٢٠١٦ | ١٤ أبيب ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٩٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

ذيول ايجابية لانقلاب تركي لم تعرف أهدافه: تغيير النظام أم تعليق المشانق؟

ارشيفية
ارشيفية
كانت للانقلاب الفاشل في تركيا، ذيول ايجابية وأخرى سلبية ومقلقة. 
 
ميشيل حاج
 
الذيول الايجابية
---------------  
هناك أكثر من نقطة ايجابية حققها الانقلاب العسكري التركي الموصوف بفيلم هزلي درامي، جمع الكوميديا والتراجيديا معا في فصوله القصيرة في مرحلة التنفيذ، لكنها نقاط  واسعة الامتداد والآثار في ذيولها. 
 
والنقطة الايجابية الأولى التي شرع المراقبون يلاحظونها، هي انشغال الرئيس اردوغان أثناء تعاطيه مع الانقلاب وذيوله، عن المسألة السورية، مما مكن جيش سوريا الدمقراطي، بالتعاون مع التحالف الأميركي، من احكام السيطرة على معظم مدينة منبج الكردية الحدودية ، بما فيها موقع القيادة العسكرية للدولة الاسلامية. والمعروف أن السيطرة على منبج، تشكل نقطة انطلاق جوهرية تمهد لتبلور الاقليم الكردي في شمال سوريا الذي طالما عارض أردوغان تشكيله. وكانت تلك هي النتيجة الايجابية الأولى التي تصب في مصلحة الأكراد، لكنها لا تتلاءم مع الرغبات الأردوغانية.
 
والنقطة الايجابية الثانية هي عدم اعاقة تقدم القوات السورية بمؤازرة غطاء جوي روسي، لمحاصرة واحكام سيطرتها على مداخل منطقة حلب الشرقية التي تسيطر عليها جبهة النصرة وكتائب أخرى كأحرار الشام وغيرها من التنظيمات المسلحة والمعارضة المتحالفة مع النصرة ضمن جيش الفتح. فالعادة قد جرت في حالة هجمات سورية كهذه، أن يقدم أردوغان الدعم للقوات المعارضة المتواجدة في حلب، عن طريق السماح بعبور مزيد من قوات المعارضة للحدود التركية لتعزيز موقف اقرانهم، ومرات بقصف المواقع  الحكومية عن بعد ومن داخل الأراضي التركية، متذرعين بأن الدولة الاسلامية هي التي تنفذ عمليات القصف تلك. أما الآن، وقد انشغل الرئيس التركي بالتعامل مع المسألة الانقلابية، فقد تم احكام الحصار على  حلب، المدينة الأكبر في سوريا بعد دمشق، والتي طالما تطلع أردوغان الى ضمها للأراضي التركية، أسوة بقيام تركيا سابقا بضم اقليم الاسكندرون الى أراضيها، علما أن الانتداب الفرنسي قد انتدب تركيا لادارة الاقليم لمدة زمنية محدودة،  لكن  تم لاحقا نسيان أمرها.
 
وهاتان الايجابيتان، أشار اليهما بكلمات عابرة الدكتور فواز جرجس، المحاضر في الجامعات البريطانية، أثناء حوار أجري معه على قناة بي بي سي. وقد أشار اليهما باعتبارهما نتيجة تبدل ايجابي في السياسة التركية. ولم يوضح انه قد قصد أيضا نتيجة للحركة الانقلابية. 
 
وفي كل حال، تلك هي الايجابيات الوحيدة التي تسبب الانقلاب العسكري بتحققها، نتيجة ما بدا أنه انشغال أردوغاني بالتعامل مع المسألة الانقلابية، باعتبارها أولوية لا تعلو عليها أولوية أخرى.
 
والجدير بالذكر، أن البعض قد لاحظ فعلا أن حكومة أردوغان، ومنذ تولي بن علي يلدرم رئاستها، شرعت بتقليص الخلافات مع عدة دول ومنها اسرائيل وروسيا، مع نظرة أقل تشددا نحو المسألة السورية وكذلك المصرية، وهو السلوك التركي الذي بدأ يتبلور للعيان قبل أسبوع أو أكثر قليلا من وقوع الانقلاب العسكري. فهذا على الأقل، ما بدأت التصريحات التركية تشير اليه في الأيام القليلة السابقة على الانقلاب. ومن هنا يبدأ التساؤل ان كانت الانجازات على الجبهة السورية، كانت ثمرة تبدل في الموقف التركي، أم نتيجة انشغال حكومة أردوغان بالتعامل مع الانقلاب العسكري كما سبق وذكرت.
 
وقد يكون من المحتمل وجود تبدل صغير ولكن نوعي، في الموقف الأردوغاني من المسألة السورية. اذ أن الرئيس أردوغان كما يبدو، قد شعر أخيرا بالأخطار التي باتت تهدد نظامه، نتيجة انشغاله عنه، بتصعيد الخصومة مع العديد من الدول ومنها روسيا وسوريا.  ويبدو أن معالم الاعداد لانقلاب عسكري ضده، طالما كان يخشاه في قرارة نفسه، كانت قد خطت بضع خطوات في طريق الاعداد للتنفيذ. واكتشف أردوغان معالمها قبل الشروع بتنفيذها، لكنه غض النظر عنها، ويرجح أنه قد أوعز لبعض مناصريه في القوات المسلحة، (كما ذكرت في مقال سابق استنادا الى اجتهادات وليس معلومات)، للانضواء تحت لوائها. فهذا التواجد الأردوغاني داخل حلقات المتآمرين، هو ما ساعده على احباط الانقلاب، وليس بالضرورة نزول الجماهير الى الشارع، كعامل فاصل شكل نقطة التحول التي أدت الى احباط الانقلاب. 
 
ولكن في الوقت ذاته، أثار فشل الانقلاب عدة تساؤلات، خصوصا وأن تركيا لم تعتد على فشل الانقلابات العسكرية، والتي عانت في السابق من خمس انقلابات منها.
 
تساؤلات حول الانقلاب وأسباب فشله
===================== 
 
لقد أثيرت فعلا عدة تساؤلات حول تنفيذ وسير عمليات الانقلاب المذكور. وقد  نشرت شبكة RT  داسة اعدتها صحيفة  موسكوفسكي كومسوموليتس، أوردت تسعة تساؤلات تثير الدهشة وأدت الى فشل الانقلاب العسكري التركي. 
 
فالانقلابيون الذين لا بد قد تدارسوا طويلا مخططهم للانقلاب، لم يفكروا مثلا بتعطيل شبكة الانترنت، الأمر  الذي ساعد الرئيس أردوغان على توجيه نداء للجماهير عبر الانترنت، مطالبا اياهم بالنزول الى الشارع لمناصرته. والانقلابيون يعلمون تماما  بوجود سبعين قناة تلفزيونية تبث من اسطنبول وأنقرة،  وكلها قنوات أهلية ولا توجد حراسات جدية عليها. ومع ذلك فان الانقلابيين لم يسعوا الا للسيطرة على قناة تي آر تي  TRTالرسمية، دون تخصيص قوات كافية للاحتفاظ بالسيطرة عليها. وقد أدى فقدانهم لها، لخسارة الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الجماهير وبث مزيد من البيانات ، كما تجري العادة في الانقلابات العسكرية، وبالتالي لم يصدر البيان رقم اثنين  ثم ثلاثة وغيره من البيانات التي تدعو الجماهير لالتزام منازلهم وعدم الخروج الى الشارع.
 
ولم يتوقف الأمر عند هاتين النقطين، بل زاد عليه عدم توجه الانقلابيين لاعتقال أي من الوزراء والمسؤولين، مع أن اعتقال بعضهم كان سهلا ولا يحتاج الا لثلة صغيرة جدا من الجنود أو رجال الشرطة.  وهذا الاهمال ساعد كل من عبد الله غل، رئيس الجمهورية السابق، وأحمد داوود أوغو، رئيس الوزراء السابق، على التوجه نحو بعض القنوات التلفزيونية الصغيرة التي لم يسع الانقلابيون للسيطرة عليها، وتوجيه نداءات للجماهير عبرها، تناشدهم النزول الى الشارع لاحباط الانقلاب.
 
ورغم سيطرة سلاح الجو المنفذ الرئيسي للانقلاب على أجواء اسطنبول وأنقرة، فقد أستطاع أردوغان العودة بسهولة الى اسطنبول، ليقود بشكل مباشر العملية المضادة للانقلاب.  وهذا أثار علامة استفهام كبيرة.  وأوردت الصحيفة نقطة أخرى عبرت فيها عن دهشتها للسبب في تأخر قيام سلاح الجو بقصف الفندق الذي كان يقيم فيه أردوغان في مدينة مرمرة، الى ما بعد خروجه من الفندق بدقائق. وأنا قد أشرت في مقال سابق لي، الى احتمال كون العناصر داخل الانقلاب الموالية للرئيس أردوغان، قد نبهته الى تحرك الطائرات نحو مرمرة لقصف مقر اقامته، فغادر الموقع قبل دقائق من وصول تلك الطائرات الى المدينة الساحلية. وهناك نقطة غفلت عنها الصحيفة الروسية، وهي سبب امتناع سلاح الجو المنقلب على أردوغان، عن مواصلتهم ملاحقة موكبه المتنقل داخل المدينة، مكتفين بالمحاولة الوحيدة لقصف الفندق الذي أقام فيه. فملاحقته بأكثر من اغارة واحدة يتيمة، كان سيربكه، ويضطره للجوء الى الاختباء طلبا اللأمان، ولا يترك أمامه مجالا للاستغاثة بتحرك جماهيري مضاد.
 
وتضيف الصحيفة الروسية، بأن الاغارة التي تمت على موقع الاستخبارات التركية، لم تصبها بأي أذى اطلاقا. فهل كانت تلك مجرد اغارات وهمية، وكيف يمكن لسلاح الجو التركي الذي هو من أهم أجهزة حلف شمال الأطلسي، أن يكون فاشلا الى هذه الدرجة من الفشل، ما لم يكن الفشل متعمدا.  ويعزز احتمال تعمد الفشل، تواجد موالين للرئيس اندسوا ضمن خلايا الانقلابيين.  فاغارات  سلاح الجو مثلا على مبنى البرلمان الذي لا أهمية له كهدف، ولا شأن عسكري له... هذه الاغارات كانت ناجحة جدا، والحقت أضرارا كبيرة بالمبنى، مما قد يعزز الفشل المتعمد سواء في الاغارة على مبنى المخابرات، أو على موقع تواجد الرئيس أردوغان في مرمرة.
 
كما انشغلت القوات الانقلابية بحماية الجسرين المعلقين، دون اهمية تذكر لذلك. وتضيف الصحيفة الروسية القول بأن السيطرة على الجسرين، قد تم دون علم الجنود في الموقع عن أسباب تواجدهم هناك، مما دفعهم للاستسلام فورا للجماهير دون مقاومة تذكر.  وتضيف الصحيفة الروسية أيضا، أن القائمة التي تضمنت أسماء الانقلابيين ومؤازريهم، كانت معروفة مسبقا للدولة، بل وكانت معدة مسبقا، وجاهزة للتنفيذ فور الاعلان عن فشل الانقلاب. والغريب في الأمر، أن اتساعها  ووصول أرقام المعتقلين الى الآلاف، بل وأكثر من عشرين ألفا، يستبعد بأنها قد أعدت نتيجة تحقيقات على مدى يوم أو يومين بعد فشل الانقلاب، اذ هي قوائم معدة سلفا تتضمن أسماء كل من هو معروف بعدم مناصرته للنظام الأردوغاني، وليس بالضرورة مشاركته في الانقلاب. 
 
فتلك القوائم لم تكتف باعتقال آلاف العسكريين بينهم مائة برتبة جنرال، بل امتدت لتشمل ثلاثة آلاف قاض منهم قضاة في المحكمة الدستورية العليا الذين جرى اعتقال بعضهم، رغم افتراض وجود نوع من الحصانة الدستورية لهم. ثم توسعت لتشمل عمداء وأساتذة الجامعات أيضا، و34 حاكم ولاية من ألوية القطر التركي المقسم اداريا الى 84 ولاية، اضافة الى المطالبة بترحيل فتح الله غولن من الولايات المتحدة الى تركيا، وما رافق ذلك كله من المطالبة باعادة العمل بعقوبة الاعدام التي ألغيت منذ عام 2004... هذه المؤئشرات كلها، ترجح بأن الأمر يتعدى مجرد محاولة انقلاب فاشلة ومخترقة ساعية لتغيير النظام الحاكم، بل تنطوي على توجه لتصفية الخصوم من قبل الحكومة بذريعة الانقلاب، والاستئثار بالتالي بالسلطة عبر نصب المشانق  لاعدام عدد ما من أبرز المعتقلين. 
 
 
الذيول السلبية للانقلاب
============= 
 
المعلوم أن تركيا العثمانية، والتي يتطلع أردوغان الى العودة بتركيا الى عصرها، مبتعدا عن العلمانية الأتاتوركية، عرفت بنصب المشانق لمعارضيها وخصوصا لأولئك المعارضين في الوطن العربي. وبسبب المشانق العديدة التي علقت في ساحة المرجة الدمشقية، ثم في ساحة الشهداء في بيروت، سميت الأخيرة بذاك الاسم. وها هو الآن أردوغان أمامنا، يتطلع بشوق، كما توحي المؤشرات، الى حلم عثماني آخر يراوده بعد تشديد قبضته على البلاد، وهو حلم لا بالعودة الى العثمانية فحسب، بل أيضا الى زمن المشانق الذي يرفضه العالم المتحضر.
 
وقد لا يدرك أردوغان في الوقت الحاضر عواقب خطوة كهذه، كما لم يدرك من قبل الا متأخرا، عواقب معاداته للعديد من الدول، بل لمعظم دول العالم، كأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأكراد وبعض الدول العربية، كلهم في آن واحد. ولكنه سيدرك لاحقا مثالبها، اذا ما مضى قدما في خطواته الساعية للاستئثار بالحكم، والابتعاد عن أبسط مفاهيم الدمقراطية، مستخدما كل أساليب القمع الممكنة. ذلك أن معاداته عندئذ، لن تقتصر على اثارة عداء الدول الكبرى، والاتحاد الأوروبي، ودول الجوار العربي، اذ ستمتد  أيضا الى الداخل التركي الذي يواجه أيضا نزاعا دمويا مع الأكراد.  وقد يواجهه الشعب في نهاية المطاف بانقلاب، بل بثورة لن يكون قادرا على اختراقها أو مجابهتها. 
 
فالشعب التركي قد اعتاد في السنوت الأخيرة، على نسبة ولو محدودة من الدمقراطية، ولن يتقبل بتجريده منها بشكل كامل، كما يتوق أردوغان، متطلعا لأن يكون الحاكم بأمره طوال ما تبقى له من حياة، وربما حياة أبنائه من بعده. فقضية توريث الحكم قد لا تكون مستبعدة في الذهن الأردوغاني، كما كانت متأصلة في مصر في عهد الرئيس مبارك، وفي ليبيا في زمن العقيد القذافي. وها قد جاء الانقلاب الفاشل، ليساعده على تشديد قبضته على البلاد، وتحقيق حلمه بتعديل دستوري ينقل البلاد الى نظام رئاسي بل وغير علماني، يمكنه من البقاء في سدة الرئاسة فترة طويلة جدا من الزمن. فتلك هي العلة التي لا شفاء منها، والتي باتت متأصلة في حكام هذه المنطقة من العالم. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع