كتبت – أماني موسى
لعل الحديث الدائر الآن على الساحة السياسية عن انقلاب تركيا، ما بين مؤيد ومعارض، ما بين رؤية والرؤية الأخرى، ما بين فريق يرى أنه تجري الآن أسلمة تركيا على قدم وساق بفضل الزعيم الإخواني "أردوغان" والذي يسعى جاهدًا لإلغاء ملامح الدولة العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك في عشرينات القرن الماضي.
يأخذنا هذا الحديث لإلقاء الضوء على بعض الزعماء الذين فرضوا الحداثة بالقوة على شعوبهم حتى أرتقت على رأسهم كمال أتاتورك في تركيا والحبيب بورقيبة في تونس ومحمد عي بمصر.
أتاتورك الذئب الأغبر الذي أنهى الخلافة الإسلامية بتركيا وأعلن علمانية الدولة
ولد مصطفى كمال أتاتورك في 19 مايو 1881 وتوفي 10 نوفمبر 1938، وهو قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهو الذي أوقع الهزيمة في جيش اليونانيين في الحرب التركية اليونانية عام 1922، وبعد انسحاب قوات الحلفاء من الأراضي التركية جعل عاصمته مدينة أنقرة، وأسس جمهورية تركيا الحديثة، بعد أن ألغى الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة.
أطلق عليه اسم الذئب الأغبر، واسم أتاتورك (أبو الأتراك) وذلك للبصمة الواضحة التي تركها عسكريًا في الحرب العالمية الأولى وما بعدها وسياسيًا بعد ذلك وحتى الآن في بناء نظام جمهورية تركيا الحديثة.
ميثاق لوزان وتأسيس الجمهورية التركية
بعد انتهاء حرب الاستقلال وُقع ميثاق "لوزان" الذي عُقد في الرابع والعشرين من يوليو عام 1923، والذي طبقًا لشروطه أسست الجمهورية التركية.
انتخب مصطفى كمال، كأول رئيس ل الجمهورية التركية بتصويت 158 نائب ممن شاركوا في الانتخابات الرئاسية التي تمت عقب الإعلان الجمهوري.
وأجرى أتاتورك عدة تغيرات جذرية من شأنها إيصال تركيا إلى مستوى الحضارة المعاصرة، وطبقًا لدستور 1924، تبوء مصطفى كمال منصب رئاسة الجمهورية ثلاث فترات أخرى ( 1927- 1931-1935).
قام مصطفى كمال بإصلاحات عديدة شملت كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى على المستوى الديني وعلاقة المؤسسة الدينية بالدولة و النظام السياسي، ولعل أهم ما قام به أتاتورك هو إلغاء نظام الخلافة الذي كان قائم على توارث الحكم، ويعتبر الخليفة هو "ظل الله في الأرض".
دراسة التجارب الغربية لعصرنة تركيا
بعد إقامة النظام الجمهوري، اتجهت إصلاحات أتاتورك نحو تحديث وعصرنة الدولة والمجتمع التركي، وقد تم ذلك عبر دراسة التجارب الغربية ودساتير الدول الأوروبية ومؤسساتها خاصة فرنسا وسويسرا وإيطاليا وبشكل خاص علاقة الدين بالدولة في هذه الدول مما أفضى في نهاية المطاف إلى تحول تركيا إلى دولة جمهورية علمانية حديثة.
سن قوانين علمانية والتخلي عن القوانين الدينية والفصل بين الدين والسياسة
قام مصطفى كمال بإعلان إصلاحات جذرية تميزت بالانتقال التام والنهائي من القوانين والسمات التي ميزت العهد العثماني إلى منظومة قانونية واجتماعية جديدة أتسمت بفصل الشأن الديني عن الشأن العام.
وقام أتاتورك بحصر القوانين الدينية فقط بالمجالات ذات الصلة بالدين، وفصل نهائيا فروع القانون الأخرى عن الدين.
وفي 1 مارس 1926 دخل القانون الجنائي التركي الجديد حيز العمل، وقد اخذ جزء كبير منه من القانون الجنائي الايطالي.
كما أنه أعاد مسجد أيا صوفيا كنيسة ومتحفًا، واتخذ الحروف اللاتينية بدلاً من العربية في كتابة الأبجدية التركية، وألغى تدريس الدين والقرآن في المدارس والجامعات، كما أنه منع ارتداء الحجاب بالوظائف العامة، أو رفع الأذان أثناء فترات العمل.
إغلاق المحاكم الشرعية
في 4 أكتوبر 1926 أغلقت المحاكم الشرعية، أما بالنسبة للمرأة فعمل على تحريرها من القيود التي لحقت بها خلال فترة الحكم العثماني، وشجعها على الخروج للعمل وأن تغادر محيطها الضيق وهو البيت والعائلة.
المساواة بين الرجل والمرأة في العمل والتعليم والميراث والطلاق
كما أنه قام بتوحيد التعليم وتعميمه على الجنسين، وفي 4 أكتوبر 1926 دخلت المجلة المدنية التركية الحديثة حيز التنفيذ، وقد اخذ جزء كبير منها من القانون المدني السويسري، وفي هذه المجلة أصبحت المرأة تتمتع بالمساواة مع الرجل في كثير من المجالات خاصة الميراث والطلاق.
الحبيب بورقيبة
ولد الحبيب بورقيبة في 3 أغسطس 1903 وتوفي في 6 أبريل 2000، وهو أول رئيس للجمهورية التونسية من 25 يوليو 1957 وحتى 7 نوفمبر 1987، وعُزل عن الحكم بانقلاب من قبل زين العابدين بن علي وفُرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله كما حُجبت أخباره عن الإعلام إلى حين وفاته في 2000.
في 15 أكتوبر 1963، كان جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي وتم جلاء المستعمرين عن الأراضي الزراعية، وإثرها أقر بورقيبة بالعديد من الإجراءات لأجل فرض الحداثة على البلاد منها إقرار مجانية التعليم وإجباريته وتوحيد القضاء.
سن قانون منع تعدد الزوجات وارتداء الحجاب والصوم أثناء العمل
في أوائل سنة 1957 أصدر بورقيبة قانون منع تعدُّد الزوجات ورفع سن زواج الذكور إلى عشرين سنة، كما أصدر قانون في 1962 يمنع الصوم أثناء العمل واقترح أن يقضي العامل الأيام التي افطرها عندما يحال إلى التقاعد أو في أوقات أخرى.
في عام 1981 أصدر بورقيبة قانونًا اسمه المنشور 108، والذي يأمر فيه بمنع ارتداء النساء لغطاء الرأس "الحجاب" باعتباره مظهر من مظاهر الطائفية، وقد ظهر بورقيبة على شاشة التلفزيون في احتفال شعبي وهو ينزع أغطية الرأس عن بعض النساء قائلا "انظري إلى الدنيا من غير حجاب".
ولعل من أبرز الآراء المثيرة للجدل للحبيب بورقيبة حين دعا اللاجئين الفلسطينيين إلى عدم التمسك بالعاطفة وإلى الاعتراف بقرار التقسيم لسنة 1947 مع إسرائيل في خطابه التاريخي في أريحا في مارس 1965.