ما أحوجنا فى هذه الأيام التى ترتفع فيها نبرة العداء والكراهية للمرأة من تيارات التخلف ومحتكرى السماء، ما أحوجنا إلى رسائل تطمينية إيجابية محفزة ومنصفة للمرأة المصرية، وما أروع أن تكون الرسالة لمصر وللعالم عنوانها مشيرة خطاب، هذه السيدة التى عاصرتها عن قرب وقت أن كانت الأمين العام للمجلس القومى للطفولة، واشتركت فى أنشطة معها لمحاربة الختان وعمالة الأطفال ومنع الزواج المبكر والعرفى وتجارة الرقيق، كانت فى كل تلك الأنشطة وغيرها الدينامو الذى لا يهدأ والعقل الذى لا يكل ولا يمل عن الإبداع والتجديد والتفكير خارج الصندوق، كانت أهم صفاتها حسن الاستماع للجميع، وتشجيع الشباب بكل ود وحسم وصرامة أيضاً،
أن تقف الدولة رئيساً وحكومة ووزارة خارجية ومؤسسات مجتمع مدنى خلف هذه السيدة فإن هذا يعطى دلالات ومعانى كثيرة أهمها تصدير صورة الدولة الحديثة المدنية التى تحترم المرأة والثقافة والخبرة، فالسفيرة مشيرة خطاب ابنة كلية سياسة واقتصاد فى عصرها الذهبى، تم صهرها وتشكيلها سياسياً فى هذا الصرح العظيم ثم اكتمل التشكيل بالتحاقها بصرح آخر ومدرسة أخرى هى مدرسة الدبلوماسية المصرية المتميزة المتفردة، التى منحتنا قامات لن تنساها ذاكرة مصر أبداً، اكتملت الدروس النظرية فى تشكيل ثقافة الشخصية بالدروس العملية من خلال أهم مدرسة وأروع معمل كونى وهو معمل السفر، أتاح لها العمل الدبلوماسى التفاعل مع ثقافات الدنيا وتشربها وهضمها ومزجها بثقافة مصر، لم تعان من عقدة الذوبان فى ثقافة الخواجة بل ظلت مصرية حتى النخاع تثق فى أن الحضارة لا تعرف الشوفينية بل تعرف التفاعل وقبول الآخر والانفتاح على الجميع، تأكدت أن الحضارة نهر له روافد وليس احتكاراً له صك ملكية، ولأن الصدفة لا تأتى إلا لمن يستحقها ومستعد للاستفادة منها فقد قادتها الصدفة وساقها الجهد والمثابرة للسفر إلى بلدين فى فترة الصعود والتغيير والمخاض، لتعرف وتشاهد على الهواء مباشرة كيف تغير الشعوب جلدها السياسى دون جراح وندبات وضحايا، شاهدت كسفيرة تجربة تشيكوسلوفاكيا بعد الانسلاخ والتحرر من الشيوعية وبناء الديمقراطية، وتجربة جنوب أفريقيا تحت قيادة العظيم القديس مانديلا بعد تحررها من التمييز العنصرى وبناء وطن دون أحقاد، تجربة فريدة قلما تتكرر، وجدارية إنسانية صعب أن ترسم تفاصيلها بكل هذا العبق والزخم مرة أخرى،
لذلك كان توقعى فى محله عندما استمعت إلى كلمتها فى حفل الترشيح، تحدثت عن السلام ودور مصر الثقافى الرائد فى المنطقة وقوتها الناعمة التى هى ثروتها الحقيقية، تفهمها لدور اليونيسكو فى محيط دولى واسع لم يعد يعرف إلا لغة القوة والسلاح ومحيط محلى عربى ضيق مهدد من تتار العصر الحديث الكارهين لكل ما هو حضارى ولكل ما هو جميل ولكل ما هو إنسانى، تحدثت عن التمييز ضد المرأة وعن حقوق الطفل وهى المتميزة والخبيرة بهذين المجالين، مبروك للدكتورة مشيرة خطاب، مبروك لمصر، والأهم مبروك للمرأة المصرية.
نقلا عن الوطن