الأقباط متحدون - دولة القانون لا تعرف المحاكمات العرفية
أخر تحديث ٠٩:٤٠ | الاربعاء ٢٧ يوليو ٢٠١٦ | أبيب ١٧٣٢ش ٢٠ | العدد ٤٠٠٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

دولة القانون لا تعرف المحاكمات العرفية

فام ماري
فام ماري

سعيد السني
على وقع التوترات الطائفية بمحافظة المنيا.. جاءت تأكيدات الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الخميس الماضي خلال حفل تخريج دفعات جديدة بالكليات العسكرية، بأن «الكل شُركاء في مصر، مفيش حد زيادة عن التانى، ولا مسلم ومسيحي، إحنا في دولة قانون.. اللى يغلط يتحاسب»، وهو كلام ممتاز لو تم تفعيله عملياً.. فليس سرا أن هناك موجة من الغضب سارية بين الأقباط نتيجة للهجمات السلفية الحمقاء عليهم في مناطق شتى، بما يصيبهم بالإحباط واليأس، ويبدد الآمال لنيل حقوق المواطنة والمساواة، التي راودتهم على خلفية اهتمام «السيسي» بزيارة الكاتدرائية لتهنئتهم والبابا في أعيادهم، والإغارة في فبراير من العام الماضي على معاقل «داعش ليبيا»، انتقاماً وردا على قيامها بذبح «21 عاملاً مصرياً قبطياً».. غير أن تكرار أعمال العنف السلفي بحق «المسيحيين» أعاد إليهم الشعور بالظلم، إلى حد أن البابا تواضروس خرج عن صمته متسائلاً: هل نحتاج تصريحاً لمقابلة الله؟ في إشارة إلى قضية بناء الكنائس والصلوات، ومحذراً بأنه قد لا يقدر على مواصلة جهوده المضنية لاحتواء غضب الأقباط بالداخل والخارج..

فقد تعددت الهجمات عليهم، وبلغت نحو 20 حادثاً طائفياً، استأثرت محافظة المنيا منها بالنصيب الأكبر والأسوأ، بسقوط الشاب المسيحي فام ماري قتيلاً، بخلاف الموقعة الأشهر بتعرية وسحل «سيدة الكرم».. هذه الحوادث والمعالجات الأمنية الروتينية المعتادة لها، ثم عقد جلسات أو محاكمات عرفية للتصالح في كل مرة، سرعان ما تنتهي بصدور أحكام بـ«تهجير» عائلات مسيحية من منازلها تحت حجة «منع الشر أو المشاكل» كي لا تتجدد النزاعات، في ظل شيوع ثقافة التطرف وعدم قبول الآخر واستئساد السلفيين الذين يتصرفون وكأنهم ورثوا حكم محافظة المنيا، وأعلنوها إمارة سلفية مستقلة، بينما تتعامل معهم الدولة وأجهزتها الأمنية النافذة بنوع من التدليل، تغاضياً عن تجاوزاتهم واعتداءاتهم وفتاويهم التحريضية المقيتة، بما يمثل خطراً شديداً على الدولة ذاتها، ويدفع بها على أعتاب الفوضى، ويهيئ البيئة الملائمة لنجاح المؤامرات التي نتحدث عنها ليل نهار.. قد لا يعلم الكثير من الناس أن مثل هذه الجلسات أو «المحاكمات العرفية» لا تنصف الضعفاء إلا نادراً، سواء كانت النزاعات بين مسيحيين ومسلمين، أو كان طرفاها من المسلمين، ذلك أن الطرف الأقوى يخرج دائما من جلسات «القضاء العرفي» منتصراً وفائزاً بالحُكم الذي يرتضيه، ولا يكون أمام الطرف الأضعف إلا القبول بحُكم القضاة العرفيين، بما مفاده أن الطرف المسيحي هنا لا يشعر بالإنصاف من هذه الجلسات و«قضاتها» الذين يقصدون بأحكامهم «وأد النزاع» بأكثر من ردع المعتدي.

عودة لحديث الرئيس عن «دولة القانون» ومحاسبة المخطئ.. فلا جدال أنه «الحل الأمثل» لهذه القضية وغيرها، شريطة تفعيله واقعياً.. إذ إن مثل هذه «الدولة القانونية» المرجوة لاتعرف الفوضى، ولا الجلسات أو المحاكمات العرفية وقعدات المصاطب لحل النزاعات، وليس فيها مكان لنفوذ سلفي ولا تدليل لهم، ولا تهجير قسري لمسيحي، ولا اضطهاد لمواطن أو منعه من ممارسة شعائره وعباداته سواء كان مسلما أو يهوديا أو حتى لا ديني.. وقديما قال أفلاطون: «القانون فوق أثينا»، وتفيدنا الفلسفة والعلوم القانونية بأن «القانون» يقود الدولة إلى الرقي والتقدم، ويسهم في حماية «المجتمع» من الانقسامات والضغائن ويحفظ له السلام، ويشيع فيه العدالة والمساواة.. وأن «دولة القانون»، التي تحدث عنها السيسي، تكفل وتحمي «حقوق الأفراد وحرياتهم»، مادام هناك رقابة قضائية فعالة لحماية الفرد من العسف والجور، وهذا لا يكون إلا إذا كان القضاء مستقلاً عن السلطة.. بعبارة أخرى، ففي مثل هذه الدولة «المأمولة» يسود مبدأ «سيادة القانون» على الجميع فرداً أو جماعة أو مؤسسة أو إدارة أو سلطة، دون تمييز على أساس ديني أو عرقي أو هوية سياسية أو أيديولوجية، وبلا أي استثناء لفئة أو جماعة أو أفراد.. ولو حدث ذلك سوف يكون السيسي قد أرسى دعائم نظام ديمقراطي رشيد، ويحجز له مكاناً متميزاً في سجلات التاريخ.. ليته يفعل.. نسأل الله السلامة لمصر.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع