ما الذى يجمع بين فرنسا وداعش والانقلاب التركى، الفاشل، إذ قد تبدو المسائل الثلاث متباعدة بالنسبة للمتابع العادى، ولكن الأمر يدعو للبحث خاصة مع تزامن 3 حوادث فى ذات التوقيت تربط الأطراف الثلاثة، وهى هجوم نيس وتعليق السفارة الفرنسية فى أنقرة لعملها، وفشل انقلاب الجيش التركى، على الرئيس رجب طيب أردوغان.
منذ أيام أعلن الرئيس الفرنسى، فرنسوا أولاند، أن «فرنسا كلها تقع تحت تهديد الإرهابيين الإسلاميين»، وقال إن «معركتنا ضد الإرهاب مستمرة لأن العدو سيستمر فى اعتداءاته»، بينما لخص رئيس الوزراء الفرنسى، مانويل فالس، العداء بقوله إن فرنسا فى حرب مع الإسلام الراديكالى. وأشار تقرير مقدم للحكومة الفرنسية إلى ظاهرة سماها «مخاطر الميل المتزايد للتطرف لدى الشباب الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية، والذى يشكل الإرهاب صورته القصوى».
وكشفت صحيفة «لاكروا» عن مضمون التقرير الذى حذر من ظاهرة تزايد أعداد الفرنسيين المنضمين إلى الجماعات المسلحة فى سوريا، وعلى التصدى لمخاطر «تنامى الإسلام الراديكالى على الأراضى الفرنسية»، مُعتبرةً إياه «أكبر خطر على الفرنسيين مجابهته خلال السنوات المقبلة».
فى قول أعمق يبدو أن فرنسا كبيئة مجتمعية أصبحت عاجزة عن علمنة الفكر الأصولى الإسلامى المتطرف، وصارت التقاليد الفرنسية العلمانية الكاثوليكية غير قادرة على استيعاب الآخر المختلف ثقافياً، رغم أن فرنسا هى من أقلّ الدول الأوروبيّة استقبالاً للاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم قياساً بدول أوروبية أخرى.
يجب العلم أن ظاهرة التطرف الإسلامى فى فرنسا ترتبط بظاهرة أشمل هى العولمة الكولونيالية، والذى أقصد به التوسع العسكرى بدون التوسع الثقافى أو القدرة العسكرية على التوسع العالمى مع العجز الثقافى على الاستيعاب والدمج، ويظهر هذا ليس فقط فى فرنسا ولكن فى انجلترا وألمانيا وإيطاليا.
التقارير تشير إلى وجود حوالى 20 ألف جندى فرنسي، خارج الأراضى الفرنسية، منهم 12 ألف جندى يعملون كقوات أساسية فى بعض البلدان، و8 آلاف جندى، مشاركون مع قوات حفظ السلام حول العالم. فمثلاً ينتشر حالياً أكثر من 3 آلاف جندى فرنسى فى 3 دول إفريقية، وهى مالى وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، كجزء من عملية «بوركين»، ومقرها فى تشاد، وتهدف العملية إلى منع تهديد المتشددين المحتملين عبر منطقة الساحل فى القارة.
وبصرف النظر عن مكافحة التشدد الجهادي، دُفعت فرنسا بشدة للتدخل فى ليبيا خلال الانتفاضة التى ثارت فى البلاد ضد، معمر القذافي، كما شاركت فى عمليات حفظ السلام فى مختلف البلدان الإفريقية.
وتحولت المشاركة الفرنسية فى مالى فى نهاية المطاف إلى عملية أكبر تضمنت مشاركة القوات البرية والقوات الخاصة الفرنسية، واعتبرت مؤسسة راند، أن نجاحات فرنسا فى مالي، يمكن أن تكون نموذجًا للحملات الحربية المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث عملت القوات الفرنسية فى وحدات صغيرة وفعالة وقابلة للتطوير، وبذلت جهوداً كبيرة للتواصل ببراعة مع السكان المحليين.
وكانت عملية سرفال، التى انتهت فى عام 2014 وشارك فيها 4 آلاف من الجنود الفرنسيين، ناجحة إلى حد كبير فى مساعدة مالى فى ردع متمردى تنظيم القاعدة فى شمال البلاد، وأتبعت فرنسا عملية سرفال بعملية «بوركين»، والتى تتألف من 3 آلاف جندى فرنسى مكلفين بتتبع المتمردين الإسلاميين فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى على نطاق أوسع.
وظهر ذلك أيضاً فى جمهورية إفريقيا الوسطى ودارفور وتشاد وساحل العاج التى هاجمتها القاعدة من بلاد المغرب، بجانب ليبيا والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجبيوتى.
فرنسا لديها واحد من أكثر الجيوش التى تم نشرها فى العالم، من الجدير بالذكر أن التفاعل الفرنسى الاسلامى له مصدر تاريخى مهم، فعندما تم الاستيلاء على الحرم من جانب جهيمان العتيبى وفرقته، فى 20 نوفمبر 1978، ورغم اعتماد المملكة تقليدياً على الخبرات والمساعدات الأمريكية فى المجال العسكرى والأمنى، فإن الملك فهد بن عبد العزيز طلب المساعدة من الحكومة الفرنسية، لفك الحصار عن الحرم، فى عملية فريدة من نوعها.
فرنسا كانت قد علقت بشكل مفاجئ العمل فى سفارتها بالعاصمة التركية أنقرة، وقنصليتها العامة فى مدينة اسطنبول، فى 14 يوليو الحالى، لدواعٍ أمنية، حتّى إشعار آخر، وفى ذات الوقت حدث هجوم نيس من الداعشى الفرنسى من أصول تونسية بوهلالة، وهو ما تم بالتزامن مع إفشال الانقلاب التركى، ليلة 15 يوليو، عندما قامت قوات من داعش بالمساعدة فى إحباط الانقلاب. وقال وزير الخارجية الفرنسى جان مارك أيرولت، للقناة الفرنسية الثالثة، :»هناك تساؤلات تطرح حول مدى الثقة فى تركيا كشريك فى مكافحة الجماعة الجهادية، الدولة الإسلامية وهناك تساؤلات حول الثقة وأخرى حول الشكوك بشأن مواجهة داعشب. ويبدو أن أيرولت، لن يتوقف عند طرح التساؤلات فى وسائل الإعلام ولكنه سينقلها إلى القمة، أى التحالف الدولى ضد داعش.
نقلا عن الاهرام