كتب - هشام عواض
دفعت الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر من ارتفاع سعر الدولار وزيادة عجز الموازنة، إلى لجوء الحكومة إلى اقتراض مبلغ 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لسد هذا العجز، مما ترتب على ذلك حالة من الجدل بين الاقتصاديين ما بين مؤيد للقرض أنه مخرج للحكومة لتخطي الأزمة المالية الحالية وضبط سعر الجنيه أمام الدولار وحل الأزمة، وبين رافض للقرض بسبب ما سيترتب على القرض من ارتفاع إجمالي الدين الخارجي على مصر مما يضغط على الاقتصاد المصري، بالإضافة لشروط صندوق النقد الدولي على مصر لمنحها القرض.
وضع اقتصادي متأزم
تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة الماضية من بعد ثورة 25 يناير، بسبب تراجع السياحة والاستثمار الأجنبي في مصر بجانب ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع الدولار أمام الجنيه وانخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي في الشهر الماضي، لأقل من النصف عمّا كان عليه في عام 2011، بوصوله إلى17.5 مليار دولار الشهر الماضي، بعدما كانت قيمته36 مليار عام 2011. وخلال الأيام الماضية، وارتفاع الدين الخارجي لمصر بنسبة 34.1% بوصوله إلى حوالي53.4 مليار دولار، مقابل نحو 39.9 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي قبل الماضي. بالإضافة إلى عجز الموازنة للسنة المالية 2016-2017 لـ 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع وصول الإيرادات إلى 669.7 مليار جنيه (75.42 مليار دولار)، بينما يتوقع وصول المصروفات إلى 974.8 مليار جنيه،
وقد وصل معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للبلاد بلغ 4.5 في المئة في النصف الأول من السنة المالية 2015-2016، مقارنة مع 5.5 في المئة قبل عام.
وقد أضاف وزير المالية في تصريح سابق له أن الاقتصاد المصري نما بنسبة 3.8% في الربع الثاني من السنة المالية. وكان معدل النمو في الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة 4.3%. وأن الناتج المحلي الإجمالي لمصر بلغ 1.4 تريليون جنيه في النصف الأول من السنة المالية الحالية، مقابل 1.275 تريليون قبل عام.
كما شهد الدولار ارتفاعًا كبيرا في السوق السوداء تجاوز حاجز الـ 13 جنيها، مما دعى الرئاسة للتدخل لخفضه مرة أخلى، حيى أقرت الحكومة سعر الصرف الرسمي للدولار في البنك المركزي عند 888 قرشًا.
ويتوقع المحللين أن يتم خفض قيمة الجنيه المصري خلال الشهرين المقبلين،كما يجب توفير درع واقي من السيولة الدولارية قبل إتخاذ قرار خفض أو تعويم الجنيه، من أجل تمكين السلطات المعنية من العمل على ضمان استقرار أسواق صرف العملات، والحد من تأثير التضخم وارتفاع الأسعار.
سُبل سد الفجوة التمويلية
تصل تقديرات الفجوة التمويلية لمصر خلال 3 سنوات تصل إلى نحو 30 مليار دولار بمعدل 10 مليارات دولار كل سنة مالية، وهي متغيرة على حسب تطور التدفقات النقدية، أو الاحتياجات التمويلية للحكومة، وسوف يتم سد تلك الفجوة التمويلية عن طريق 9 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بمعدل لا يقل عن 3 مليارات دولار كل سنة مالية لمدة 3 سنوات، هذا بجانب التمويلات الخاصة بالبرنامج الاقتصادي للحكومة، الذي يبلغ 21 مليار دولار خلال 3 سنوات، بمعدل 7 مليارات دولار فى العام، وتشمل إجمالي التمويلات 12 مليار دولار قرض من صندوق النقد الدولي على مدار 3 سنوات مالية، و3 مليارات دولار سندات دولية سوف تصدرها مصر خلال شهر سبتمبر القادم، و3 مليارات دولار من البنك الدولي، و1.5 مليار دولار من البنك الأفريقي للتنمية و1.5 مليار دولار من موارد دولارية أخرى تشمل المنح والمساعدات.
ومن المتوقع يتم الإعلان عن الموافقة على منح مصر القرض الذي يقدر بـ12 مليار دولار خلال الاجتماعات السنوية التي سوف تعقد في واشنطن خلال الثلاثة أشهر القادمة.
تفاصيل قرض صندوق النقد الدولي
كشف النقاب يوم السبت الماضي عن استهداف الحكومة تبني برنامج تمويل يصل إلى نحو 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، بمعدل 4 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2016 – 2017 ومثلها في العام المالي المقبل، ومثلها فى العام المالي 2018 – 2019، سوف يدعم أرصدة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، لتصل إلى أرصدة تتراوح بين 20 و25 مليار دولار بنهاية النصف الأول من العام الحالي في ديسمبر المقبل، وسوف يتيح تمويلًا هامًا لسد عجز الموازنة العامة للدولة، وتمويل المشرعات مما يسهم بالإيجاب فى خفض معدلات العجز فى الموازنة العامة للدولة والتضخم. وفي حال حصول مصر على قرض الصندوق فإن فترة السماح ستكون 3.25 سنة وفترة السداد 5 سنوات تبدأ فور انتهاء فترة السماح.
ويأتي ذلك في إطار تمويلًا بمقدار 21 مليار دولار يشمل تمويل صندوق النقد ومصادر تمويل أخرى منها البنك الدولي ومؤسسات تمويل دولية أخرى، وإصدار سندات في الأسواق الدولية في حدود من 2 إلى 3 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، وبرنامج طرح أسهم عدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة لجذب الاستثمارات من الداخل والخارج.
آراء مؤيدة لحصول مصر على القرض
وأثار القرض حالة من تضارب آراء بين الخبراء الاقتصاديين، من الداعمين لحصول مصر على القرض، فخري الفقي، مساعد مدير صندوق النقد الدولي السابق، والذي أكد أن ما يتداول حول قرض صندوق النقد الدولي هو تهويل ليس له داعي، وأن مصر من مؤسسي البنك ولديها حصة فيه يجب أن تستفيد منها، مؤكدًا أن الشعب المصري ذكي بالفطرة، والمعترضون على قرض النقد الدولي يروعون المواطنون دون مبرر، لافتًا أن توحيد سعر الصرف لجذب الاستثمارات يحتاج إلى احتياطي نقدي لا يقل عن 30 مليار جنيه وهذا هو الهدف من قرض الصندوق، كما أكد أن صندوق النقد الدولي ليس مؤسسة خيرية وإنما مؤسسة دولية لها قواعد ولذلك لا بد أن يراجع برامج الحكومة.
ومن جانبه قال الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، إن توجه الحكومة لصندوق النقد الدولي هو أحد المخارج أمام الحكومة لتحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي، من خلال إالتزامها ببرنامج إصلاحي من أجل أن تحصل على قرض ميسر. مضيفُا أن فشل الحكومة في تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي و خفض للأسعار ومعالجة مشكلة الدولار، هو ما جعلها تتوجه للاقتراض من صندوق النقد الدولي، موضحًا أن العيب في الاتفاق مع صندوق النقد، أن الحكومة ستلتزم مع الصندوق بإجراءات إصلاحية ستسبب في رفع الأسعار، سوف تعاني منها الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وأشار "الدسوقي" إلى أن الحكومة من المرجح أن تقوم بعد الاتفاق مع صندوق النقد، بخفض أكبر للدعم وتحريك سعر صرف الجنيه بالبنوك من خلال خفض أكبر أمام الدولار، الأمر الذي سيرفع بدوره الأسعار في السوق.
ومن جانبه أشاد شريف الديواني، مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بخطوة الحكومة بإجراء القرض مؤكدًا على أن اتفاق مصر مع صندوق النقد سيعمل على زيادة الثقة في الاقتصاد المصري، الأمر الذي سيساعد بدوره في جذب الاستثمارات الأجنبية.
أراء رافضة لحصول مصر على القرض
ورفض الدكتور خالد عبد الفتاح، خبير التمويل والاستثمار، القرض من صندوق النقد الدولي موضح أن حل المشاكل الاقتصادية والفجوة التمويلية التي تعاني منها مصر حاليًا تحتاج إلى ''إرادة سياسية'' من خلال الاستعانة بالخبراء وأهل الاقتصاد في مصر لوضح الحلول وليس التوجه لصندوق النقد، واعتبر أن التوجه الحكومي إلى البنك الدولي وصندوق النقد ''خيانة.. وطرق باب لتدمير مصر''، مؤكدًا ''أن صندوق النقد لم يدخل دولة إلا دمرها، ولم يثبت أنه ساعد على تحسن الأحوال الاقتصادية لأي دولة، وما يقال أنه ساعد البرازيل في تحقيق نهضتها الاقتصادية غير صحيح فهم لم تتقدم إلا بوجود إرادة سياسية داخلها''، لافتًا أنه تسبب في انهيار اقتصاد دول مثل الأرجنتين ولم تقم من مشاكلها إلا بعد الابتعاد عن الصندوق.
ومن جانبها أكدت النائبة نادية هنري، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، أن قرض صندوق النقد الدولي سيضيف أعباء جديدة، وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وأنه ليس حلًا للأزمة. مشيرة أن قرض صندوق النقد الدولي يحمل مخاطرة كبيرة، خاصة من حيث الديون المتراكمة، مشيرة إلى أن موافقة الصندوق على منح هذا القرض لمصر يدل على الخطة الجادة، التي قدمتها الحكومة للاصلاح الاقتصادي.