فليترك صداع الخطبة المكتوبة جانباً، ويتفرغ لما هو أنفع للناس، خطبة الوزير مختار جمعة المكتوبة لن تجمّل وجهاً، إيش تعمل الماشطة، ما هو أنفع للناس وللإسلام ولرسول الإسلام، عليه أفضل الصلاة والسلام، هو ما اعتزمه الوزير بتشكيل لجنة علمية فى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لتنقية التراث الدينى، هذا مربط الفرس فى تجديد الخطاب الدينى لو حسنت النوايا، وعلى الله قصد السبيل.
بيان تشكيل اللجنة مبشر، قصد بلا مواربة تنقية التراث، ونخبة العلماء المكلفين لا أزكيهم على الله، يحملون علماً وفقهاً وجدية فى مهمتهم الإسلامية الجليلة، وأرجو مخلصاً إطلاق يد اللجنة فى أعمالها لا رقيب عليها إلا الله سبحانه وتعالى، يكفى أن أطلقها الوزير وجزاؤه من الله.
ومستبشر أن يقف منها فضيلة الإمام الأكبر موقف المعضد والمساند ويمدها بمدد من عنده دعماً وتأييداً وتأكيداً على مهمتها الجليلة فى تنقية التراث الإسلامى، ويبارك أعمالها، ويمنع عنها ما يحبط أعمالها، ومن يخرج عليها رافضاً أو ناقماً أو مشككاً، فهم فى الأخير من علماء الأزهر الشريف، فقهوا على مذهبه، وتعلموا فى محرابه، وشرفوا بالانتماء إلى رمزه الكبير.. أهل مكة أدرى بشِعابها!!
تحمل اللجنة أمانة، إنا عرضنا الأمانة، هذه ليست نزهة خلوية فى التراث، ولكنها مهمة ثقيلة على من حملها، وما ستبحر فيه هذه اللجنة مثل بحر عميق، لا يؤمه إلا من خبر الغوص فى أعماق سحيقة، وما سيستخرجه سيثير عواصف هوجاء، الخلط حاضر بين الشريعة فى سمائها، لا يأتيها الباطل، محفوظة فى كتاب كريم «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، وبين الفقه وهو من اجتهاد المجتهدين، والاجتهاد قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أرجو مخلصاً لله، ألا يكون الأمر تماهياً سياسياً مع دعوة تجديد الخطاب الدينى التى تمناها الرئيس على الإمام الأكبر، وسارع إليها وزير الأوقاف، أو تكون زلفى وقربى، وأحترز من كونها تنفيذاً لتوجيهات وليس قناعة مستقرة، وأخشى أن يتبضع الوزير بهذه اللجنة الطيبة وقتاً إضافياً لبقائه فى منصبه «والآخرة خير وأبقى»، وبالسوابق أرجو ألا تكون لجنة، وإذا أردت أن تعطل واجباً مستوجباً أن تشكل لإجهاضه لجنة، ومن اللجنة تنبثق لجان، ومن اللجان تنبثق لجان، ثم يتمخض الجبل عن هواء يصفر فى الوديان السحيقة، لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
التحوطات السابقة أبداً ليست من قبيل ثبط الهمم، أو تكسير المجاديف، أو انعدام ثقة فى الوزير أو ثلة العلماء الذين بشروا بهذه المهمة، حاشا وكلا، ولكن الجلبة التى تصطحب قرارات الوزير عادة تخلف ضوضاء، وسياقات الوزير المتعجلة دون تروٍ أو مراجعات قد تفضى إلى إنكار الأزهر الشريف مهمتها وتشكيلها، أخشى أن هناك «قسمة ضيزى» بين مهمة الوزير ورسالة الأزهر التى يقوم على أدائها الإمام الأكبر، وفى الأفق تلوح غمامة بين الوزير والإمام.
القصد الطيب، والزرع الطيب، والعمل الطيب لا يؤسس على خلاف، ومثل هذه المهمة الجليلة، تنقية التراث هى أخطر ما صدر عن وزير الأوقاف، فإذا قام عليها فليكن مرجعيته «هيئة كبار العلماء»، تمتيناً للمتون وتثبيتاً للحواشى، لأن هجمة سلفية مرتقبة ستهب كريح صرصر عاتية على ما يصدر عن هذه اللجنة تخلف اضطراباً عظيماً.
المساس بالتراث بلغ عند السلفية حد المساس بالثوابت، وبلغوا فى تقديس التراث أن صرنا نحلف بالبخارى، إذ تنقى، تمس، وإذا مست فتحسب، وإذا تحسبت خشيت، وإذا خشيت لا خير يرجى من مهمة لجنة تنقية التراث، الآمال العظام يؤتمن عليها ويقوم عليها مجتهدون يولون وجوههم شطر السماء، لا ينظرون للأرض حتى لا يسقطوا من حالق، يمموا وجوهكم شطر السماء، «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».
نقلا عن الوطن