الأقباط متحدون - الرئيس والبابا والمشروع الوطنى
أخر تحديث ٠٠:٣٢ | الاثنين ١ اغسطس ٢٠١٦ | أبيب ١٧٣٢ش ٢٥ | العدد ٤٠٠٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الرئيس والبابا والمشروع الوطنى

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 د/ عايدة نصيف
شرفتُ بالمشاركة في وفد يترأسه قداسة البابا تواضروس الثانى للقاء سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستمر اللقاء نحو 110 دقائق، نسمع للرئيس وهو يتكلم وينصت لنا وعلى رأسنا قداسة البابا تواضروس الثانى، حينما نتحدث ونتبادل أطراف الحديث بكل ود واحترام وتقدير.

استمعت إلى الرئيس جيدًا ودققتُ في حديث قداسة البابا تواضروس بصورة عميقة، ووجدت أن هناك مشروعًا كبيًرا مشتركا بينهما عنوانه الأكبر "مصر الوطن"، وجدت حديث الرئيس عن الوطن الواحد والشعب الواحد والذي يمثل القلب الصلب لمصر والشريان الوحيد لبقائها، بل وجدت في حديث قداسة البابا وفى عينيه آمالا وطموحات كبيرة للوطن، تحدث سيادة الرئيس عن أهمية الانتباه لخطورة استغلال الدين كأداة للتفريق بين أبناء الوطن الواحد أو كسلاح لجذب العناصر التي يمكن استقطابها إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية، بل أكد على ضرورة اصطفاف الجميع ليكونوا حائط صد أمام من يريد أن يفتت وحدة مصر.

وأشار الرئيس السيسي إلى أهمية أن تتواكب جهود الدولة مع الجهود المجتمعية لتأكيد قيم الإخاء والمواطنة والعيش المشترك بين أبناء مصر، وأكد سيادة الرئيس على الروح الوطنية والحكمة التي تحلى بها المسيحيون المصريون في التعامل مع التحديات التي واجهت الوطن الفترة السابقة وعلى التأكيد على سيادة القانون وتطبيقه، وقد جاء ذلك خلال اللقاء الذي عقد الأيام السابقة بين الرئيس والبابا وبعض من أعضاء المجمع المقدس من الأساقفة وبعض أراخنة الكنيسة.

جاء ذلك في إطار مشهد يهزم مفاهيم سلبية ويهزم بذور أي مصطلح طائفى، مشهد يرسل رسالة إلى الداخل والخارج؛ الداخل يتجلى في أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو رئيس لكل المصريين، وأن حكمة قداسة البابا تواضروس تتجلى دائما وتنكشف أمام التحديات التي تمر بالوطن والكنيسة ورسالة إلى الخارج أن مصر بهويتها لا تنهزم بل تظل صامدة أمام كبوات التاريخ لترسم مستقبلا مضمونه المواطن المصرى.

واستمعت أيضًا وتابعتُ ما قاله الرئيس عما يواجهنا الآن من تحديات، وفى الحقيقة كان حواره يمتاز بالموضوعية، نعم تحدث عن التحديات الخارجية والداخلية، بل تطرق الرئيس في حديثه إلى إشكالية المفاهيم الثقافية المغلوطة والتي تسببت في الأحداث التي نراها الآن والتي يستخدمها المغرضون في إثارة الفتن، وهذا يدل على انشغاله بكل القضايا في المجتمع، وتحدث أيضًا عن أهمية ملف التعليم، وأقر أن التعليم يحتاج مزيدًا من الوقت.

بالفعل الرئيس عبد الفتاح السيسي مدرك ومحلل لكل القضايا الكائنة في المجتمع المصرى وعلى إحاطة كبيرة بها، وربط الثقافة بالتعليم، ومن ناحية أخرى تناول قداسة البابا مفهوم التعليم، وأكد على أهميته في مواجهة التحديات الآنية وأن التعليم في مجالات متعددة ومختلفة بمثابة قاطرة للخروج من المأزق الحالى، فقداسة البابا يُدرك بصورة قوية إشكالية العلاقة بين الثقافة والتعليم وتأثيرها على المجتمع تلك العلاقة التي يجب أن يكون لها حلول مدمجة بشكل واقعى.

نعم هناك مشروع للوطن أدركته من خلال اللقاء بين البابا والرئيس، وفى سياق هذا الحديث تبادر إلى ذهنى مشروع قومى وفى إطار اهتمامى الخاص بقضايا الوطن منذ سنوات ألا وهو كيفية إخراج متعلم مثقف يعى الهوية المصرية في ظل التكنولوجيا وأدوات التواصل الاجتماعى،هذه الهوية التي تبُنى على شرائح تاريخية تمثل الخريطة الأساسية بالنسبة لمصر، وتتضمن هذه الشرائح: الثقافة الفرعونية والثقافة القبطية والثقافة الإسلامية والثقافة المعاصرة..

فضلا عن التقاليد والعادات المصرية الأصيلة والفن الذي يحفظ ويجسد شخصية مصر عبقرية المكان والزمان، وربط هذا المنتج بمشاريع اقتصادية تجعل من الوطن وطنا منتجا بالإنسان أولًا، الإنسان هو الهدف كما أشار سيادة الرئيس السيسي في سياق حديثه وفى إعداد كوادر شبابية قادرة على العمل وعلى القيادة.

ومن خلال الحوار ما بين الرئيس والبابا استشعرت أن التعليم وربطه بالثقافة من أهم القضايا، والتي إذا تم الاهتمام بها سيتم القضاء على الأفكار الإرهابية والفتن وإثارة السلام المجتمعى، وأقول هنا نعم سيادة الرئيس، نعم قداسة البابا فالتعليم الهابط هو الذي أنتج لنا في مصر السنوات السابقة السلوكيات الغريبة عن المجتمع بل أنتج لمصر الأفكار المظلمة والمنغلقة والمتعصبة وغير القادرة على الانفتاح أو التقدم وأصبحت عثرة في تقدم الوطن الآن.

فقضية التعليم في اعتقادى لا يمكن أن تناقش ولا تحل بعيدًا عن مناقشة أسلوب حياتنا، ولابد الانتقال من المنظور الضيق للمشكلات التعليمية إلى المنظور الأوسع لمشكلاتنا الاجتماعية في تلك اللحظة التاريخية التي نحياها ونقابل من خلالها تحديات وتهديدات سياسية واجتماعية وثقافية أيضا.

وليس أدل على ذلك مما حدث الأسابيع الماضية في المنيا وبنى سويف، فالتعليم يشكل الصورة الذهنية لأى مجتمع، وكل مشكلة حقيقية في التعليم ترتد في نهاية الأمر إلى مشكلة رئيسية في المجتمع، وأن رسم وتوصيف صورة لحالة التعليم هو رسم دقيق وتوصيف لصورة المجتمع، ومن ثم مناقشة قضية التعليم من جميع جوانبها الفنية المتعلقة بالعملية التعليمية، يجب أن تتم في وضع التعليم في الإطار الاجتماعى العام وفى مقدمة القضايا، والتي يجب أن يتم معالجتها عن طريق إعمال العقل وإعطاء القدرة العقلية للطلاب للإبداع والابتكار والتفكير في ظل وضع آليات حديثة ومتطورة تراعي الشكل والمضمون، وفى ظل مشروع إصلاحى للتعليم (هذا المشروع موجود بالفعل ) لتكون العملية التعليمية ثمارها تنمية الإنسان والمجتمع واستعادة قيمنا الدفينة التي تحملها الهوية المصرية الأصيلة.

ومن ثم، فالرؤية المستقبلية في مصر يجب أن تقوم على ثورة ثقافية وتعليمية تكون بمثابة أيدلوجية للتقدم؛ فالتحدى الثقافى وربطه بالعلم في اللحظة الراهنة يُعد على رأس التحديات التي تواجه مصر، ومن ثم فالسعى نحو التنوير في هذه اللحظة التي يعيشها الوطن يجب أن يكون مشروعًا قوميًّا على امتداد مساحة مصر بالرجوع إلى تاريخنا الثقافى والتنويرى.

وأخيرًا، وليس بآخر فتربة مصر عبر التاريخ زاخرة برجال عظماء أعطاهم الله الحكمة للحفاظ على تراب هذا الوطن؛ فتقديرى لرئيس وطنى حافظ ويحافظ على مصر، ولقيادة روحية ووطنية تدرك جيدًا المعنى الحقيقى لمفهوم الوطن.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع