بقلم : سمير مرقص | الاربعاء ٣ اغسطس ٢٠١٦ -
١٥:
٠٥ م +02:00 EET
سمير مرقص
(1)
الأوطان التى بلا ذاكرة؛ أوطان فى خطر. لأنها تفرط فى نضالاتهاــ بحلوها ومرهاــ وتنسى الدروس المستفادة منها. الدروس التى: تعصمها من الانزلاق فى تكرار أخطاء الماضى وإخفاقاته. كما تضبطها أن تراكم الإنجازات. لذا فالأوطان التى تنطلق فى التقدم تكون ذاكرتها حية، وحاضرة دوما فى العقل والوجدان الجمعيين للمواطنين. وعليه فمن يتصدى لمهمة تجديد وإنعاش الذاكرة الوطنية فإنما يسهم فى صياغة المستقبل على قاعدة التقدم.. فى هذا السياق عمل الصديق العزيز الكاتب والباحث والسياسى المناضل أمين اسكندر على التأريخ والتوثيق لتجربة التنظيم الذى عرف تاريخيا «بطليعة الاشتراكيين» أو التنظيم السرى لعبدالناصر. من حيث نشأته ومساره وما آل إليه.
(2)
كانت نقطة انطلاق أمين اسكندر، هى طرحه لسؤال منطقى ومشروع ــ لطالما طرح وأجهدنا طرحه ــ لماذا لم تصمد تنظيمات ناصر أو نظامه، بشكل عام، أمام «الثورة المضادة» التى جرت فى 1971؟.. ويقول: «كانت هناك إجابة حاول أن يعممها أهل الأيديولوجيا والنظريات الجاهزة بأن الانقلاب وقع لأن عبدالناصر لم يكن مؤسسا لتنظيم ثورى» إلا أن «اسكندر» يدحض من البدء هذه المقولة الشائعة بما يلى: «بأن الاتحاد السوفيتى تفكك بعد ذلك رغم امتلاكه لتنظيم ثورى خاض معارك عديدة وجاء بمؤسسيه إلى السلطة». وكان هذا السؤال المحورى بداية لبحث دؤوب «لتنظيم طليعة الاشتراكيين». أثمر عن مجلد من القطع الكبير بعنوان: التنظيم السرى لجمال عبدالناصر: طليعة الاشتراكيين ــ المولد، المسار، المصير ــ مركز المحروسةــ 2016.. تجاوز الـ600 صفحة قليلا. مارس فيه أمين اسكندر كل ألوان البحث العلمى من: رصد لشهادات أهم رموز التنظيم، والاطلاع على محاضر الاجتماعات، وعديد الوثائق المتنوعة التى تعكس: نوعية النقاشات أعضاء التنظيم، وتقدير المواقف السياسية المتنوعة، والتعليمات التنظيمية، والتحليلات السياسية المتعددة، وتحليل مضمون الصحافة المصرية والعربية والأجنبية، وبعض الأوراق النظرية الخاصة حول مفهوم العمل السياسى، والجماهيرى.. إلخ.. حيث قدم المادة الوثائقية الثرية والكثيفة، بمقدمة تحليلية غاية فى العمق والرشاقة والموضوعية.. فإلى ماذا خلص أمين اسكندر؟.
(3)
بداية، تأسس تنظيم طليعة الاشتراكيين فى عام 1963. ويعد هذا التنظيم هو التنظيم السرى لعبدالناصر. حيث حاول فيه أن يجمع «المخلصين لأفكاره وتجربته حتى يكونوا حراسا على النظام، بعد أن اتسعت عضوية الاتحاد الاشتراكى وتعدت 6 ملايين نسمة، وما يعنيه ذلك من ترهل وتضارب مصالح وكذلك وجود انتهازيين ومتسلقين وراغبين فى الاقتراب من دوائر السلطة دون اقتناع فكرى بما تطرحه الثورة». وكانت لكل التنظيمات السابقة من: الضباط الأحرار، وهيئة التحرير، والمؤتمر القومى، أدوارهم. إلا أنهم ــ بحسب ناصر ــ اقتربوا «اقترابا غير منظم من مجموعة الأمانى العامة، ليس لها منهاج تفصيلى تلتقى عنده جهود جماعية على أساس فكرى واضح لتصدر عنه إرادة شعبية عميقة ومؤثرة»...وأخذ الأمر ليصبح واقعا ما يقرب من عامين. «فعام 1965 هو التاريخ الذى نستطيع أن نأخذه مميزا حقيقيا لبناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافى ونوعى، وأمين تنظيم وتسلسل هرمى، ولائحة جزاءات»...وقد احتوت اللائحة فى مقدمتها على: تعريف لطليعة الاشتراكيين، وسماته الرئيسية التى يمكن إيجازها فيما يلى: أولا: القدرة على التحليل الموضوعى للواقع من أجل إحداث التغيير. وثانيا: القدرة على القيادة والتعبئة فى اتجاه التغيير المطلوب. وثالثا: عدم التناقض بين ضرورة التغيير وعناصر التنظيم.
(4)
يواصل أمين اسكندر دراسته الشيقة والمثيرة حول: هيكلة التنظيم وتشكيلاته. ثم علاقة التنظيم بالقوى السياسية من شيوعيين وبعثيين وإخوان مسلمين. ثم بعناصر الدولة المصرية المتنوعة من مؤسسات وتنظيمات. وأخيرا الصراع بعد عبدالناصر...فى كل هذه الفصول الكثير والكثير من الوقائع والأسماء والتفاعلات التى أدت إلى نهاية مؤلمة فى تاريخ مصر تجلت فى اعتقالات مايو 1971...إنها النهاية التى «دفعت فيها مصر ثمنا فادحا»...فالتنظيم «كان بداخله الكثير من الشرفاء والمخلصين والمؤمنين بالثورة والقائد، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك»...«فلقد كان صرحا مليئا بالثغرات والثقوب رغم كل الجهود المخلصة فى بنائه»...ولعل الدرس المستفاد مما سبق هو عدم استقامة بناء تنظيم من خلال السلطة.. المجلد إضافة قيمة للذاكرة الوطنية المصرية وجدير بالقراءة التفصيلية...تحية لأمين اسكندر...ونواصل.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع