أثارت الاعتداءات على الأقباط وممتلكاتهم فى محافظة المنيا القلق والغضب، القضية هى حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون للمواطنين المصريين مسلمين وأقباط، ويبدو أن البعض أراد أن يجعل ملف الأقباط مشتعلاً لأنه لا يعقل فى مدة شهور قليلة عام 2016 أربعة حوادث كلها اعتداءات على الأقباط وأملاكهم هدماً وحرقاً، فالجميع يتذكر ما حدث بعد 30 يونيو من اعتداءات على الكنائس المسيحية من حرق وهدم وتحطيم واعتداء بلغت حسب تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان حوالى 60 كنيسة فى صعيد مصر، ونتذكر أيضاً موقف البابا تواضروس الوطنى الذى قلل من قيمة هذه الأعمال فى سبيل بقاء مصر الدولة لكل أبنائها فهل الأقباط رهائن فى بلدهم ووطنهم، وهل تبقى السلطة مصرة على تغييب دولة القانون وإفلات الجناة من العقاب؟
الهوة سحيقة بين نصوص الدستور المصرى الصادر فى 2014 وما تضمنه من حقوق أساسية للمواطن المصرى، وبين حقيقة ما يحدث فى الواقع من اعتداءات وانتهاكات للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين على كافة الأصعدة، بشكل عام والأقباط المصريين بشكل خاص، فأكثر من 50% على الأقل من الأحداث والاعتداءات الأخيرة على خلفية الادعاء ببناء كنيسة بدون ترخيص، الأمر الذى يعيد مرة أخرى قضية بناء دور العبادة أو بناء وإصلاح الكنائس، وهنا مهم التنويه إلى أنه سبق أن قُدم مقترح بمشروع قانون موحد لبناء دور العبادة، إلا أن اعتراض الأزهر أجل الموضوع وكان الاقتراح أن المشكل فى بناء دور العبادة للمسيحيين وليس المسلمين، وبالتالى انتهى الأمر إلى التركيز على قانون لبناء دور العبادة للمسيحيين، وجاء الدستور الجديد لينص على هذا القانون وإعطائه أولوية للتشريعات التى يجب على مجلس النواب النظر فيها وإقرارها على وجه السرعة فوراً وبمجرد الانعقاد، بالطبع حتى الآن لم يصدر ولا أعتقد أننا لدينا رفاهية الانتظار أكثر من ذلك.
غياب قانون بناء دور العبادة للمسيحيين ليس فقط هو المسئول عن أحداث العنف الطائفى التى تشهدها مصر من حين لآخر، وإنما أيضاً غياب دولة القانون، فأغلب الأحداث الطائفية لم تنته بعقاب مرتكبى الجرائم، وإنما تم الاستعانة بالجلسات العرفية للصلح وتهدئة الأوضاع مقابل إفلات المتهمين من العقاب، وتنوعت الجرائم من حرق منازل واعتداء على محلات أو تهجير قسرى للأقباط من مناطق سكنهم أو اعتداءات على الأفراد والتهديد بالقتل إلى طبعاً الحادث الشهير بتعرية امرأة مسنة بمحافظة المنيا، وأغلب هذه الحوادث لم يعاقب عليها القانون، دون مبالغة إن استمرار مثل هذه الأحداث تهديد خطير لوحدة النسيج الوطنى ويدخل مصر فى دوامة العنف الطائفى فضلاً عن فتح باب التدخل الخارجى لا سيما أن المجتمع القبطى الخارجى -أقباط المهجر- ثائر ضد هذه الانتهاكات والاعتداءات ورافض للجلسات العرفية وتقبيل اللحى كبديل لدولة القانون.
نحتاج إلى تسييد قيم التسامح والقبول بالآخر والتعايش السلمى ومنع التمييز بكل أشكاله، سواء كان دينياً أو عرقياً أو اجتماعياً، وهذه المبادئ فى الحقيقة منصوص عليها فى الدستور إلا أنها لم تترجم إلى نصوص قانونية ملزمة ومطبقة، كما أن تغير الثقافة السائدة التى تحرض على العنف تجاه الآخر شريك الوطن، واستمرار الخطاب الدينى التحريضى تتطلب استراتيجية تعتمد على بث قيم المساواة والقبول بالآخر والتسامح داخل مناهج التعليم ودور المجتمع المدنى لنشرها، كما أن الإعلام عليه مسئولية كبيرة لتعزيز هذه القيم، لكن يأتى على رأس الأولويات العدالة ودولة سيادة القانون، وهى أن يعلم كل من يحرض على العنف الدينى أو الطائفى وكل من يرتكب جريمة أنه لن يفلت من العقاب وأن كل المواطنين لهم حقوق متساوية هى حقوق المواطنة.
نقلا عن الوطن