الأقباط متحدون - (التجسس) لدحر الإرهاب، ضرر أم ضرورة؟
أخر تحديث ٢٢:٠٦ | الخميس ٤ اغسطس ٢٠١٦ | أبيب١٧٣٢ش ٢٨ | العدد ٤٠١٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

(التجسس) لدحر الإرهاب، ضرر أم ضرورة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

د.عبدالخالق حسين
التجسس، كلمة بذيئة ليس في الأدب السياسي العراقي فحسب، بل وفي أدبيات جميع الشعوب. فإذا أردت أن تحط من سمعة أي شخص، فما عليك إلا أن تصفه بالجاسوس، وخاصة إذا كان يعمل لصالح الحكومة على حساب المواطنين. وهذا الموقف في العراق ناتج عن سوء العلاقة بين الحكومات الجائرة المتعاقبة والشعب عبر التاريخ، حيث كان العداء مستفحلاً بينهما، حتى أصبحت معاداة الحكومة من الأعراف والتقاليد الشعبية والمسلَّمات التي لا يمكن تجاوزها، لأن الحكومات المستبدة كانت تمارس الإرهاب ضد الشعب، والذي بلغ الأوج في عهد حكم البعث الصدامي المقبور.

ولكن من الجهة الأخرى توصل الفلاسفة، عدا الفوضويون منهم (Anarchists)، إلى أنه لا يمكن تأسيس حضارة إلا بوجود دولة تحتكر السلطة وامتلاك السلاح لفرض النظام وحكم القانون. ومن أهم واجبات الدولة حماية المواطنين من المجرمين، مقابل تنازل المواطنين عن قسم من حريتهم للتمتع بالحرية النسبية. فالحرية المطلقة لا يعرفها إلا الحيوان، ولا توجد إلا في الغابة حيث تعم فيها شريعة الغاب. أما في المجتمعات البشرية، فالحرية المطلقة تعني لا حرية، أي العبودية المطلقة، لأن في هذه الحالة الحرية للأقوياء والبلطجية فقط، وعندها تنعدم حرية الأغلبية من الذين يريدون العيش بسلام. وفي هذا الخصوص قال توماس هوبز: " الانسان ذئب لأخيه الإنسان، والعالم هو غابة من الذئاب، وإذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب! لذلك ينبغي تنظيم المجتمع بطريقة عقلانية من أجل تحجيم هذه النزعة الوحشية الموجودة في أعماق الإنسان، ومن أجل التوصل إلى مجتمع مدني، متحضر".

مناسبة هذه المقدمة، أني استلمت عبر بريدي الإلكتروني مقالاً بعنوان: (هل تقوم حكومة العبادي بالتجسس على مواطنيها؟)، مع تعليق المرسل الذي تبين أنه هو كاتب المقال جاء فيه: (بدأت حكومة العبادي تلعب بشكل خبيث. لم تعد حكومة دولة ديمقراطية. بل صارت تقترب شيئا فشيئا في تصرفاتها من سياسات المقبور ومن الحكومات الاستبدادية. علمنا قبل ايام من انها تقوم بالتجسس على حاسوبنا بعد اختراقه ببرنامج تجسس عن بعد. ولابد ان آخرين قد تعرضوا الى هذا التجسس دون علمهم.... ادناه مقالة توضح هذا الموضوع. واتوقع ان تساهموا بنشر خبر هذا التطور الخطير على اوسع نطاق.) انتهى

وفي متن المقال يستنكر الكاتب التجسس على المواطنين مستشهداً بمادة دستورية، فيقول: ((للتذكير فالمادة (40) من الدستور تقول بأن "حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولةٌ بموجب الدستور، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية ، وبقرارٍ قضائي". لكن بغياب قوانين في العراق تمنع اختراق حواسيب المواطنين من دون امر قضائي يكون كل شيء ممكن.)) انتهى.

لم يكن بودي استخدام كلمة (التجسس) في العنوان، ولا في سياق المقال، لولا أن كاتب المقال المشار إليه في أعلاه، استخدمها بتكرار، وركز عليها للتحريض ضد الحكومة. وربما كان الأجدر استخدام كلمة (استخبارات)، بدلاً من كلمة التجسس التسقيطية.

ولا ندري مدى صحة هذا "التجسس" على حاسوب الكاتب وحواسيب الآخرين كما ادعى ، ولكن إن صح الخبر، فالأسباب القانونية والأمنية مبررة دستورياً وحسب المادة التي استشهد بها، فهي متوفرة في العراق وضمن الدستور، فالشعب يتعرض إلى إرهاب حرب الإبادة منذ سقوط الفاشية البعثية عام 2003 وإلى الآن، الأمر الذي يبرره الدستور بمادته الأربعين التي جاء فيها الاستثناء: (إلا لضرورة قانونية وأمنية، وبقرارٍ قضائي). كذلك هناك قانون مكافحة الإرهاب. فالعراق ليس بلا قوانين كما أدعى الكاتب.

والجدير بالذكر، أن جميع الحكومات، الديمقراطية وغير الديمقراطية، لها أجهزة أمنية، واستخباراتية (تجسسية)، وظيفتها جمع المعلومات في الداخل والخارج، لحماية أمن ومصالح شعوبها. فأمريكا عندهاFBI  و CIA و بريطانيا عندها MI5 و MI6 ، وكان الإتحاد السوفيتي عنده الـ (KGB)، وهكذا جميع الدول. ولو لا هذه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، أو سميها (التجسسية) إن شئت، لما تمت حماية شعوب هذه الدول من المجرمين والإرهابيين. وعلى سبيل المثال، في بريطانيا نسبة الكاميرات السرية وغير السرية (CCTV)، تقدر بكاميرا واحدة لكل 14 مواطن، يعني هناك أكثر من أربعة ملايين كاميرا في جميع أنحاء بريطانيا، وهذه الكاميرات ساعدت الأجهزة الأمنية على مكافحة الإجرام، والقبض على الجناة. و حتى في المرافق الصحية العمومية نقرأ تحذيرات موجهة للمخربين بوجود كاميرات خفية من أجل حماية هذه المنشآت من التخريب، ولا أحد يتذمر من هذه الاجراءات، واتهام الحكومة البريطانية بأنها صارت دكتاتورية وقريبة من سياسات الحكومات الاستبدادية. وحتى التجسس على الحواسيب صار أمراً مألوفاً ومبرراً، فبهذه الطريقة تم القبض قبل أيام في اسكوتلاندا على أكثر من سبعين متهماً بجريمة الاعتداء الجنسي على نحو 500 طفل.

إن الدول الغربية تقوم بهذه الإجراءات الأمنية ونسبة تعرضها للإرهاب أقل من واحد بالألف مما يتعرض له العراق، فلماذا يجوز لهذه الدول الديمقراطية العريقة المستقرة والآمنة نسبياً، أن تتخذ مثل هذه الاجراءات الاحترازية، ولا يجوز للحكومة العراقية وهي في حالة حرب ضروس مع الإرهاب، وعصابات الجريمة المنظمة؟

كذلك نسمع بين حين وآخر أخباراً تفيد أنه تم إلقاء القبض على عصابة إجرامية في إحدى الدول الغربية، تقوم بتهريب المخدرات أو البشر، أو المتاجرة بالرق الأبيض...الخ، فكيف استطاعت هذه الأجهزة القبض على هذه العصابات ما لم تكن لها أجهزة تجسسية متقدمة، بل وحتى اندساس بعض الجواسيس في صفوف عصابات المجرمين من أجل إيقاعهم في الفخ. هذه الأنشطة أصبحت اليوم علماً من علوم إدارة الدولة وحفظ أمن وسلامة الناس وإدارتهم، ولولاها لعمت الفوضى والعودة إلى شريعة الغاب.

الدولة العراقية أمام محنة، فإذا فشلت في الكشف عن الإرهابيين والقبض عليهم، قالوا عنها أنها دولة ضعيفة و فاشلة، والأجهزة الأمنية والاستخباراتية مقصرة في واجبها، وحتى مخترقة من قبل الإرهابيين. وإن جاهدت في تطوير أجهزتها الاستخباراتية لدحر الإرهاب والجريمة المنظمة، قالوا عنها أنها تتجسس على الشعب، وتقترب من سياسات المقبور صدام!!

والسؤال هنا، هل الإرهابيون نزلوا من المريخ، أليسوا من أبناء الشعب، فعصابات الجريمة المنظمة هم من أبناء البلد، وكذلك 95% من الدواعش هم من الداخل، فكيف يمكن كشفهم بدون التجسس عليهم؟ وإذا تجسست الأجهزة الأمنية عليهم قالوا أن الحكومة صارت مستبدة. وماذا نسمي هذا التفتيش الصارم في المطارات؟ الغربيون مستعدون لتحمل كل ذلك من أجل سلامتهم، ودحر الإرهاب.

إن الذين يتهمون الحكومة بالتجسس على الشعب، مصابون بعمى البصر والبصيرة، وفقدوا القدرة على التمييز بين الحق والباطل، فالتجسس يخص خيانة الوطن وإيصال المعلومات السرية للدول الاجنبية وأعداء الشعب عموما. اما متابعة الدولة لشؤون مواطنيها لحمايتهم من الأعداء فلا يعتبر تجسساً، بل واجباً وطنياً. لذلك نقول إن هذه الإجراءات حتى ولو سميت "تجسسية"، فهي ضرورة أمنية لا بد منها، والشعب يتقبلها مقابل توفير الأمن والسلامة ودحر الإرهابيين، ولا يستنكرها إلا من في قلبه مرض، يريد مساعدة الإرهابيين وأعداء الوطن بذريعة عدم التجسس على الشعب. فالناس الأبرياء لا يخافون من هذا النوع من النشاط الوطني، إذ كما يقول المثل العراقي: (اللي تحت ابطه عنز يمعمع).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع