الأقباط متحدون - القانون غائب.. البابا غاضب.. والأقباط لهم رب!
أخر تحديث ١٠:٣٨ | الخميس ٤ اغسطس ٢٠١٦ | أبيب١٧٣٢ش ٢٨ | العدد ٤٠١٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

القانون غائب.. البابا غاضب.. والأقباط لهم رب!

محمد علي إبراهيم
محمد علي إبراهيم

أسمع دائمًا أن مصر دولة قانون.. يؤكد الرئيس السيسي في خطاباته دائمًا أنه لا أحد فوق القانون.. نقرأ مانشيتات الصحف بعد كل خطاب رئاسي تقول «أي مواطن سيخطئ سينال عقابه بالقانون حتى لو كان رئيس الجمهورية نفسه».. لكن عندما تحاول أن تجد دليلًا على أن مصر دولة قانون بعيدًا عن الصحف القومية والكتائب الإلكترونية ستجد المهمة شاقة، إن لم تكن مستحيلة..

لو كانت مصر دولة قانون فعلا لتم عزل وزير التعليم ومحاكمته لمسؤوليته عن تسريب امتحانات الثانوية العامة التي نجم عنها فوز 65 طالبا بالمركز الأول! ولتم التحقيق – ولو ظاهريا – مع وزير التموين الذي يتردد أن تعليمات حكومية صدرت للبرلمان بإنهاء عمل لجنة تقصي الحقائق في القضية المعروفة باسم فساد القمح.. لو كان هناك قانون لتم سؤال وزير الري عن مستقبل المياه في مصر، وهل يكفي مخزون المياه الجوفية لزراعة ملايين الأفدنة التي تحدث عنها، ولماذا لا يصدر بيانًا يطمئن المصريين على قضية الأمن القومي لمياه النيل..

على أي حال القائمة تطول وأنا هنا ألتزم بقضية محددة وكيف تم تناولها من مفهوم القانون..

أولا: هل تمت محاسبة الذين تورطوا في جرائم الاعتداءات الطائفية السابقة وليس حادث المنيا الأخير فقط؟

ثانيا: هل تعرف دولة القانون أسلوب التهجير القسري لمواطنين أقباط بحجة أن هذا هو الحل الأمثل لتهدئة النفوس ووأد الفتنة؟!

ثالثا: هل تعرف دولة القانون أسلوب الجلسات العرفية في حل الأزمات الطائفية التي مازالت هي الحل الأمثل والعبقري والوحيد لإرغام الأقباط على التصالح، وإلا فإن وحش التشدد والتطرف سيفتك بهم.

رابعا: لماذا تلجأ دولة القانون إلى رجال الدين للتوسط في إنهاء الخلافات الطائفية؟ هل الدين أقوى من القانون؟ وهل يسمع المتخاصمون رأي رجال الدين لأنه ليس هناك قانون أم لأن هذا هو الموجود وعليكم أن تقبلوه أو ترفضوه..

خامسا: لماذا لا يستطيع الأقباط بناء دور عبادتهم دون تهديدات المتطرفين إن كانوا فعلا في دولة قانون؟

سادسا: لماذا لم تتم إقالة أي مسؤول وقعت في نطاق مسؤوليته حوادث عنف طائفي إذا كنا فعلا في دولة قانون..

( 1 )
إن ما يصدر عن السلطة في مصر منذ السادات، مرورًا بمبارك والسيسي يصب في نفس التوجه دون تفعيل حقيقي له.. منذ 50 عاما نسمع عن أن مصر ليس بها فتنة طائفية وأنها دولة الوحدة الوطنية وأن ما يقع من حوادث، زادت عن 70 حادثًا خلال 5 سنوات، ما هو إلا حوادث فردية..

صحيح أن المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها فهناك موروثات ثقافية واجتماعية ودينية «عششت» في الرؤوس وسيطرت على السلوكيات.. لكن دور الدولة هو مواجهة كل هذا التطرف بالقوة إذا لزم الأمر وليس مطالبة الجميع بضبط النفس، حفاظا على الوحدة الوطنية التي أصبحت مجرد شعار يثير السخرية أكثر مما يدعو للالتفاف حوله..

من ثم فإن التركيز على أن مصر دولة قانون لم يعُد فعالًا في ظل أحداث تنضح بالفتنة والتحيز ضد الأقباط.. فحتى الآن لم يصدر تصريح ولا حتى تلميح أو تضمين بحق المسيحيين في بناء دور العبادة.. كيف نقبل على إنسانيتنا وتحضرنا أن يقيم الأقباط صلواتهم وشعائرهم في العراء..

لم يهدم عمر بن الخطاب كنيسة القيامة بعد فتح الشام، والرسول أوصى بأهل مصر خيرا إذا فتحها الله للمسلمين.. وكان معظم أهل مصر من الأقباط.. من يؤذي أو يعتدي على ذمي «يهودي أو مسيحي» هو خصم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم القيامة..

الدولة تتكلم يوميا عن تجديد الخطاب الديني، لكن عندما يجدّ الجد ينقلب الحال وتجد التصرفات والأفعال تقترب من السلفية والتطرف والإقصاء ومعاملة الأقباط – أحيانا – على أنهم مواطنون درجة ثانية..

المشكلة التي لا نستطيع أن نواجهها بعد في مصر أن عدم تنفيذ القانون هو الذي يؤدي إلى المشاكل ويجعل الأقباط يسلمون أمرهم لله كطرف مغلوب على أمره.. وهذا ما يشجع أقباط المهجر على نفخ النار في الهشيم وإشعال الحرائق في بر مصر.. إن النتيجة المباشرة لتأجيل إيجاد حل لتلك المشكلات وعدم مواجهتها بحسم هو ما يشجّع على مزيد من التطرف وتنمية الاعتقاد لدى المتطرفين أنهم يمنعون الأقباط من الصلاة ويحرقون بيوتهم وينفونهم إنما يقدمون خدمة لله.. وكأن هذا الاضطهاد هو برهان الهدى وعظمة الإيمان..

( 2 )
إن أسوأ ما في تعامل الحكومة مع أي أزمة هو الزعم بأنها «حوادث فردية».. مثل اعتداء أمناء الشرطة على المواطنين وفساد رجال الأعمال وبعض الوزراء وزواج السلطة بالمال التي كنا نعيبها على مبارك، وإدارة الحكومة للبرلمان في سابقة غريبة وعجيبة في العالم لتحكم السلطة التنفيذية في التشريعية.. وطالما يسيطر الاعتقاد بأن ما يحدث من مصائب هو حوادث فردية، فسيظل الحال على ما هو عليه إلى أن نفاجأ بما هو أخطر لو تسلح الأقباط للدفاع عن أنفسهم..

إن أسقف المنيا الأنبا مكاريوس حاول مع الدولة لثلاث سنوات أن يلفت النظر إلى أن هناك مشروعًا للخلافة الإسلامية في المنيا لكن بلا جدوى.. ودن من طين والأخرى من عجين!.. الغريب أن عمرو بن العاص الذي فتح مصر حافظ على أقدم كنيسة في العالم وهي الكنيسة المعلقة التي تعود لـ150 عامًا قبل ميلاد المسيح.. وتم ترميمها عده مرات في عهد الخلافة العباسية والفاطمية، بل إن الرئيس الأسبق مبارك أصدر أوامره بتجديدها بالكامل عام 2008 لتعود ليس فقط شاهدة على سماحة مصر، ولكن على أنها تفخر بأيقونة المسيحية الأولى التي تؤكد أن الحضارة المصرية ذات الروافد الإسلامية والمسيحية واليهودية لم يغلفها التطرف والإقصاء والاضطهاد إلا مع بداية الثمانينات، بعد أن اشتد عود الإسلاميين بعد اغتيال السادات وعودة المجاهدين من أفغانستان..

( 3 )
إن البابا تواضروس في أشد حالات الغضب لما يتعرض له الأقباط حاليا.. بالتأكيد يقدر دور الرئيس السيسي الذي استقبله ومعه أعضاء بارزون من قيادات الكنيسة المصرية.. لكن هذا لا يمنع أن البابا غاضب من عدة أشياء أهمها أن الدولة لم تتخذ شيئا ضد 37 اعتداء ضد الأقباط خلال ثلاثة أعوام.. البابا يبذل جهدًا كبيرًا لاحتواء غضب الإخوة الأقباط الذين أصبحوا مشتتين بين وطنهم وإخلاصهم لبلد لا يعرفون غيره مستقرًّا ومقامًا، وبين ثعالب الخارج الذين يغذون روح الفتنة وينظمون مظاهرات في العواصم الغربية لعل أشهرها كانت مظاهرة واشنطن التي طالبت الدولة المصرية بأن تصدر قانونا بتحويل المنيا إلى ولاية مستقلة..

غضب البابا كان واضحاً وهو يقابل أعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان وربما يكون هذا الاستياء هو الذي عجّل باستقبال الرئيس السيسي له..

تواضروس هدد خلال اجتماع أعضاء اللجنة الدينية به بأنه سيرفض قانون بناء الكنائس إذا استمر الوضع الطائفي على احتقانه الحالي.. وما زاد من غضب البابا أن تهديده برفضه قانون بناء الكنائس لم يقلق أيًّا من أعضاء البرلمان الذين حضروا اللقاء..

وقد شدد البابا في حديثة للنواب على جملة تصدر لأول مرة في تاريخ الكنيسة القبطية فقد خاطبهم قائلا: «نريد منكم أفعالًا وليس أقوالًا ولابد أن تنتبهوا إلى دول كثيرة بها حروب وخراب، ولابد أن نحرص على ألا يحدث ذلك في بلادنا، وهذه نعمة من الله نريد الحفاظ عليها»..

هذا الكلام الخطير لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار، خصوصا أن به غضبًا وتلميحًا إلى أن أقباط المهجر ربما يسارعون إلى استغلال هذه الظروف ضد مصر.. ليحفظ الله مصر التسامح والمحبة والحضارة التي لم تشهد طوال تاريخها ما تشهده الآن..
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع