بقلم :د. عماد جاد | الأحد ٧ اغسطس ٢٠١٦ -
٣٢:
١١ ص +02:00 EET
د. عماد جاد
نجح العثمانى «الجديد» رجب طيب أردوغان فى توظيف خطاب العثمانية الجديدة من أجل جذب الاستثمارات العربية والدولية، وحقق نمواً مطرداً دفع الاقتصاد التركى على طريق نهضة حقيقية. واصل العثمانى «الجديد» طريق التنمية والنهوض إلى أن سقط القناع وكشف قادة تركيا عن أنهم عثمانيون فقط، أما وصف الجديد وما طرحوه من سياسات، فإنه لا يعدو أن يكون مجرد شعارات وأقنعة وضعوها على وجوه قديمة وعقول لم تتغير منذ عقود وربما قرون. طوروا العلاقات مع سوريا وفتحوا الحدود وألغوا التأشيرات فى زمن ترويج العثمانية الجديدة، قدموا أنفسهم للغرب باعتبارهم «كبير المنطقة»، الذى يمكن أن يضبط إيقاعها ويقودها فى السنوات المقبلة.
بدأت تركيا طريقها نحو الهاوية عندما شرعت فى ممارسة سياسات السيطرة والهيمنة وسمحت لنفسها بالتدخل الفج فى الشئون الداخلية لدول الجوار، سعت كغيرها من النظم السلطوية فى المنطقة إلى امتطاء القضية الفلسطينية من أجل دغدغة مشاعر العامة والبسطاء، أطلقت الكثير من التصريحات المؤيدة للشعب الفلسطينى، حاولت أن تبدو فى شكل من يضحى بعلاقاته مع إسرائيل لخدمة القضية الفلسطينية، وانتهى بها المطاف لدعم حركة حماس باعتبارها فرع جماعة الإخوان المسلمين فى فلسطين، تعاونت مع قطر فى مخطط إسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، جعلت من أراضيها معبراً للمقاتلين الذين يدخلون سوريا لمحاربة نظام بشار الأسد، ساهمت فى تدمير سوريا وتشريد مئات الآلاف من أبناء الشعب السورى، وقبض مليارات اليوروهات نظير استقبال اللاجئين، بدت فى صورة الملهم لثورات «الربيع العربى» وقدمت نفسها باعتبارها النموذج الذى ينبغى أن تحتذى به الدول العربية. فى سوريا كشف النظام التركى عن وجهه العثمانى القديم وبدأت عملية سقوط الأقنعة التى وضعوها على وجوههم. بدأ المصريون تحديهم لحكم المرشد والجماعة، وسرعان ما بدأت تركيا تشهد احتجاجات ضد الحكومة، فجاءت كلمات رئيس وزرائها -آنذاك- رجب طيب أردوغان نسخة من كلمات مرسى التى كانت تثير الاستهزاء، تحدث أردوغان مثلما تحدث مرسى، قال إنه منتخب، ولديه أنصار، ولا مساس بالشرعية، وإن المتظاهرين مدفوعون من الخارج على النحو الذى جعل الخبراء والمحللين ووسائل الإعلام تقارن بين كلمات أردوغان ومرسى وتصل إلى استنتاج مؤداه أن خطاب أردوغان يكاد يكون مشابهاً لخطاب مرسى من حيث المبررات والحجج والاتهامات للمعارضة.
ثم جاءت ثورة الثلاثين من يونيو التى أطاحت بمرسى، ففقد العثمانيون ما كان لديهم من حصافة وتهاوت معها نظرية «صفر مشاكل» فأدخلوا أنفسهم فى خلافات وصراعات أعادت إنتاج صورة العثمانى القديم الذى دفع المنطقة إلى حالة من التخلف، جاءت ثورة الثلاثين من يونيو، ففقد أردوغان ما كان يضعه على الوجه من قناع، قال الرجل إن رئيس مصر الشرعى هو مرسى، وإن تركيا لن تتعامل مع الحكومة الجديدة فى مصر فى خطوة تكشف أنه تصرف من منطلق انتمائه للجماعة لا كسياسى يقود دولة إقليمية، دخل فى عداء مع مصر وشعبها ليس له أى مبرر سوى فقدان القدرة على ضبط الأعصاب بعد سقوط حكم الجماعة فى مصر، استضاف أردوغان بعد ذلك اجتماع التنظيم العالمى لجماعة الإخوان، والذى وضع خطة استهداف مصر والمصريين، اختراق الجيش المصرى تمهيداً لإسقاطه، هى أوهام كأوهام المرشد والجماعة، لكنها برهنت فى الوقت نفسه على انتهاء حقبة النهوض التركى بأقنعة العثمانية الجديدة، وعودة الوجه القبيح للعثمانى القديم.
نقلال عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع