«أدعو على ابنى، وأكره اللى يقول: آمين». هذا ملخّص موقف أى مصرى شريف مع مصر، لو طبّقنا المثل السابق بتصرّف. لا أحد يدعو على ابنه، ولا أحد ثمّة يدعو على وطنه. لكن الأمَّ قد تقولها من وراء قلبها، حين يضربها اليأسُ من سلوك ابنها العاقّ، لكنها أبدًا لا ترضى بأن يمَسَّ ابنَها سوءٌ، وتكره مَن يؤمّن على دعائها، ولا تنسى له ذلك. وبالمثل، يغضبُ المرءُ من وطنه، والحقُّ أنه غاضبٌ من بشر فى وطنه. فيقول عن وطنه كلامًا صعبًا حين يضربه ظلمٌ أو مهانةٌ، لكنه أبدًا لا يقبل أن يمَسَّ بلادَه ضُرٌّ، ويكره مَن يساهم فى هذا أو يرجوه، ويعدّه عدوًّا. لهذا يقول الشاعر: «بلادى وإن جارت علىَّ عزيزةٌ.. وأهلى وإن ضنّوا على كرامُ».
ولا يُنكر أوجاعَ أقباطِ مصرَ إلا أعمى بصر وبصيرة. لا يُنكرها إلا جاحدٌ أو غليظُ قلب من صانعى تلك الأوجاع بفتاواهم البغيضة التى تؤجج صدور ضعاف النفوس وثُفخِّخ أدمغتَهم بالكراهية فيقتلون ويحرقون ويظلمون. أولئك ينكشفون يومًا بعد يوم، بعدما سقط عنهم غطاءُ التقية فباتوا وحيدين فى قلب الظلام. هم أعداء الحق خصوم العدل كارهو السلام والجمال.
ولا ينكرُ مُنصفٌ أن أجهزة الدولة التشريعية والأمنية والتنفيذية المصرية متراخيةٌ فى تطبيق القانون على المجرمين فى حقوق الأقباط، لأسباب تتعلّق بسلطان بعض القبائل فى جنوب مصر، وهو ما لا يليق بدولة ذات سيادة، وكذلك بسبب الجلسات العرفية التى يقبل فيها الأقباطُ التصالح مع الجناة، مضطرين، خوفًا من بطش تلك القبائل، فيتعطّل القانون وتتكرر المآسى.
كل ما سبق عن أقباط مصر، أما أقباط المهجر فلا ينكر متابعٌ أن كثيرين منهم قد وقفوا وقفة حاسمة مع مصر فى مواجهة الضغط الأمريكى والأوروبى على إرادتنا المصرية حتى انزاحت غيمةُ الإخوان السوداءُ عن سمائنا. لهذا يندهشُ المرءُ حين يقوم نفرٌ منهم بالتظاهر أمام البيت الأبيض الأمريكى(!) للتنديد بالدولة المصرية بحُجّة إنقاذ أقباط مصر من الاضطهاد! يا هذا، هل تستجيرُ من الإرهاب بزارع الإرهاب؟! يا رحمك اللهُ، هل تستنجدُ بالإدارة الأمريكية داعمة الإخوان وتيار الإسلام السياسى مُفرّخة التكفيريين الذين تمدّهم بالسلاح والعتاد والدعم اللوجستى والتكنولوجى؟!
فى يونيو الماضى، وقفتُ تحت العلم الأمريكى فى واشنطن فى مؤتمر لدعم الأقباط فى مصر، لألقى كلمتى أمام الجالية المصرية القبطية بأمريكا. رفضتُ الحديث بالإنجليزية، وتحدثت بلغة بلادى، قائلة إن خطابى موجّهٌ لصُنّاع القرار فى مصر، وليس للدولة الأمريكية. وحين عرض علىَّ أحد الأصدقاء مصاحبتى ضمن وفد رفيع المستوى لزيارة الخارجية الأمريكية وعرض مظلمتى التى أتعرّض لها اليوم ونالنى منها حكمٌ بالسجن سنوات ثلاثًا بتهمة ازدراء الإسلام، وساحتى بريئة من ازدراء أى دين، فضلاً عن دينى، رفضتُ بحسم قائلة: «لن أكون خنجرًا فى ظهر مصر».
مظلمة أقباط مصر، ومظلمتى، ومظلمة كل مظلوم فى بلادى- لن تُحلَّ خارج حدود بلادى. الدستورُ المصرى، لو فُعِّل، قادرٌ على ردّ حقوق الجميع، وحماية كل مظلوم من بطش الظالمين وجهلهم. إنما اللجوء لأى سيادة دولية خارجية للتدخل فى مشاكلنا يعدُّ انتهاكًا مراهقًا على سيادة مصر الطيبة التى ما ظلمتنا، إنما ظلَمنا بعضُ مَن فيها. انتقاد وطنك من خارج وطنك ليس إلا مراهقةً غير مسؤولة تنمُّ عن وعى منقوص وفقر فى النضوج الفكرىّ والوطنىّ. لهذا، أشكر قداسة البابا تواضروس على موقفه الوطنى الشريف حين ناهض تلك المظاهرات ودعا أبناء مصر المسيحيين فى أمريكا إلى عدم المشاركة فيها، مثلما فعل قداسة البابا شنودة، رحمه اللهُ من قبله، حين قال: «إن كانت أمريكا سوف تحمى كنائسَنا، فلتحترق كنائسُنا وتبقى مصر».
نقلا عن المصري اليوم