الأقباط متحدون - فى ضيافة أحمد زويل وديما الفحام بجنوب كاليفورنيا
أخر تحديث ٠٦:١٨ | السبت ١٣ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٧ | العدد ٤٠١٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

فى ضيافة أحمد زويل وديما الفحام بجنوب كاليفورنيا

أحمد زويل
أحمد زويل

 امتلأت الصُحف ووسائل الإعلام المصرية والعربية، وعن حق، بتغطية رحيل العالم المصرى ـ الأمريكى د. أحمد زويل، خلال الأسبوع الأول من أغسطس 2016. وركّز هذا الإعلام على مناقب الرجل العلمية، والتى أهّلته بجدارة للفوز بالعديد من الجوائز الأمريكية والعالمية، والتى توّجها بجائزة نوبل فى الكيمياء عام 1999.

 
ولكن قليلين غير تلاميذه وأفراد أسرته، وأهل قريته فى محافظة البحيرة، وزُملائه فى كلية العلوم، جامعة الإسكندرية، هم الذين عرفوا أحمد زويل الإنسان، المتواضع، المُتفانى لعلمه وحُبه لوطنه المصرى، وعالمه العربى.
 
وكنت أحد الذين عرفوا الرجل وأفراد أسرته عن كثب، حين استضافونى بمنزلهم فى إحدى ضواحى لوس أنجلوس، بجنوب ولاية كاليفورنيا، عقب الإفراج عنى من سجون الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى أوائل هذا القرن (2000- 2003) فقد دعانى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا لإعطاء مُحاضرة عامة لطلبته وأساتذته.
 
ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Cal. Tick)، هو ومعهد ماسوشيتس للتكنولوجيا (MIT)، هما أشهر جامعتين هندسيتين فى العالم. وكان أحمد زويل أحد الأساتذة المرموقين لمعهد كاليفورنيا. وكان وراء دعوة ذلك المعهد لى. وكانت تلك هى طريقته الوقورة فى دعمى معنوياً، فى مواجهة تنكيل مُبارك بشخصى وبزملائى فى مركز ابن خلدون، واتضح لى أن د. أحمد زويل، الذى لم أكن قد التقيته شخصياً، كان مُتابعاً نشطاً ودقيقاً لكل ما يحدث على الساحتين المصرية والعربية. وقد استغربت فى ذلك الوقت أن يكون لدى هذا العالم الكبير الوقت والاهتمام بالشأن العام المصرى والعربى. وقال لى وقتها عبارة لا تُنسى، وهى «قد يخرج المصرى من وطنه مصر للعلم أو العمل، ولكن مصر لا تخرج منه»! فقلت له، أظن أننى سمعت شيئاً قريباً من ذلك من قبل. رد د. أحمد زويل بسرعة «نعم هذا قول شهير للبابا شنودة، وقد استعرته منه!».
 
وقلت له مُداعباً «حسناً، هذا عن مصر.. فلماذا كل هذا الاهتمام بالشأن العربى؟»، فابتسم أحمد وزيل، الذى كان له ابتسامة دافئة ودودة، ورد بإجابة بليغة «وهل يمكن عزل مصر عن وطنها العربى الأكبر؟ ثم إننى مُحاط بهذا الوطن العربى الأكبر فى عُقر دارى».
 
ولم أفهم ما قصده لأول وهلة.. ولاحظ هو ذلك، فقال: «أقصد أسرتى الصغيرة، هنا فى الولايات المتحدة، فأنا متزوج من عربية سورية، وبالتالى فإن جدّ أولادى وجدّتهم لأمهم هما عرب سوريان أقحاح.. بل إن أحدهم هو د. مصطفى الفحام، رئيس المجمع اللغوى السورى، والذى يُصرّ على الحديث مع أبنائى، الذين هم أحفاده، باللغة العربية الفُصحى. ولذلك فأنا كُنت، بالتالى، مُضطرا فى البداية للحديث مع أبنائى بالعربية الفُصحى. ورغم أن الأمر كان غريباً فى البداية، إلا أننى وأمهّم أصبحنا جميعاً نستسيغ الحديث بالفُصحى البسيطة، التى هى أقرب للغة الصحافة العربية المكتوبة، مثل الأهرام القاهرية، والحياة البيروتية، والشرق الأوسط اللندنية، ولدينا اشتراك فى الصُحف الثلاث هذه منذ سنوات». ثم أضاف «وكنا ما زلنا فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وبالمناسبة فأنت مدعو للعشاء فى منزلنا، وحيث ستُقابل زوجتى السورية ديما وأبنائى، الذين حدثتهم جميعاً عنك، وهم فى غاية التطلع لمُقابلتك».
 
شكرت د. أحمد زويل على دعوته الكريمة. وبالفعل قضيت مساء مُمتعاً فى ضيافته هو والسيدة ديما الفحام، زوجته السورية. والتى أدهشتنى، لا فقط بمُتابعتها للشأن العام المصرى مثل زوجها تماماً، ولكن أيضاً بحرصها على طهى كل من الأطعمة السورية والمصرية لأفراد أسرتها. وداعبتها كثيراً حول الفروق بين المطبخ السورى والمطبخ المصرى. وأدهشتنى بأنها أيضاً أصبحت تُجيد مفردات كل من المطبخين الصينى والإيطالى، وأن ذلك كان ميسوراً لها بحُكم وجودها فى ولاية كاليفورنيا، حيث توجد أقليات من كل بُلدان العالم الأخرى تقريباً، ولمُعظم هذه الأقليات أحياء خاصة بهم فيها، وأصبحت معظم المحلات الكُبرى (سوبر ماركت) بها أقسام مُتخصصة لمفردات أطعمة معظم هذه البُلدان، سواء مطبوخة أو نيّئة.
 
تحدثنا فى ذلك المساء عن أحوال مصر، وكان ثمة حديث عن دعوة د. أحمد زويل لخوض مُعترك السياسة فيها. ولكنه كان حاسماً وزاهداً. حيث كرر مقولتين، أولاهما عن الدين والسياسة، حيث قال إن الخلط بينهما يُفسدهما معاً. ونفس الشىء ينطبق على العلم والسياسة. فالخلط بينهما يُفسد كلا منهما. لذلك فرغم اهتمامى بالشأن العام المصرى والعربى والأمريكى، بحُكم المولد، والموقع، والموضع، إلا أننى اتخذت قراراً مُبكراً ألا أخلط بين السياسة والدين ولا أخلط بين السياسة والعلم. فإذا كان ثمة نجاح أو توفيق قد حققته فى حياتى، فهو بفضل الله، أولاً، وبفضل أسرتى ثانياً، وللانضباط فى العمل ثالثاً، وللفصل الصارم بين العلم والسياسة رابعاً. وهذا بالمناسبة، وكما تعلم (يا سيد سعد) هو الذى أجبر الجميع هنا، وأنت تعرف أن بعضهم من أولاد العم (أى اليهود والصهاينة) على الاحترام وإعطاء كل ذى حق حقه.
 
انتقلنا بعد ذلك فى ذلك المساء، إلى ترشيحه لعضوية مجلس أمناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة. فرد على الفور، بأن ذلك يوافق عليه، فهو فى مجال اهتمامه وعالمه الأكاديمى. وقد فاتحت بالفعل رئيس الجامعة آنذاك، جون جيرهارت، John Girhart ورحّب بدوره. وبالفعل انضم د. أحمد زويل لمجلس أمناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وحينما اشترى قطعة أرض فى الحرانية ليبنى عليها منزلاً ريفياً يطل على أهرام الجيزة، تعهدت الجامعة الأمريكية ونفذت له ما أراد، وأصبح ذلك المبنى جزءاً من مرافق الجامعة يُعرف باسم بيت زويل Zweil Hous وأصبح مقرا لورش العمل، التى تتطلب هدوءاً وتأملاً، وحواراً مُعمّقاً.
 
تكررت لقاءاتنا بعد ذلك فى القاهرة وكاليفورنيا. ولاحظت فى السنوات الأخيرة رنة حُزن فى صوته بسبب الصعوبات التى جابهت مشروعه لبناء مدينة علمية فى مصر، والتى كان قد جمع لها تبرعات وصلت إلى عدة ملايين. هذا، رغم أن دولة قطر عرضت عليه تبنى مشروع المدينة العلمية، وعلى نفقتها. وقد شكر أحمد زويل المسؤولين القطريين على عرضهم، وساعد قطر بالفعل على بناء مدينة علمية. ولكن ظل حلمه هو بناء تلك المدينة فى وطنه الأول مصر.
 
رحم الله زويل وألهم أسرته ومُحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان..
 
وعلى الله قصد السبيل.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع