إصرار الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، على «تعليب» خطبة الجمعة وتوحيدها مكتوبة، واعتبار الخطباء مجرد «آلات تشغيل سيديهات»ً- كاشف عن تركيبة العقلية الأزهرية الصماء، التي هي نتاج المقررات الدراسية في المعاهد الأزهرية ومن بعدها جامعة الأزهر.. هي مناهج ترسخ لدى المتعلمين للسمع والطاعة والحفظ والتلقين والنقل وترديد «المنقول»، باعتباره مقدسا، إلغاءً للعقل والتفكير.. اعتراض الأزهر لا يعني رفضاً للفكرة.. بل هو صراع حول السيطرة والوصاية على منابر 110 آلاف مسجد، ولمن يكون.. للأزهر أم الأوقاف؟..
فالجميع «أزهريون» نهلوا من منبع فقهي واحد.. في الحالين.. الخطبة «في الغالب» سواء من ورقة مكتوبة أو تسميعا من الذاكرة مع بعض الرتوش، هي مجرد نقل واقتباس وترديد لما تحويه كتب التراث، من شروح وتفاسير سلفية تُعلى شأن الطائفية والتمييز، وتثير كراهية الآخر واحتقار المرأة، وتبيح التكفير وقتل النفس وسبي النساء، وغيرها من مفاهيم متوارثة، لم تعد صالحة، ومتصادمة مع نصوص قرآنية، والجاني هو «التعليم الأزهري»، بالتساند مع الفقه السلفي الشائع في المساجد والمُتسلل إلى المدارس والجمعيات الأهلية.. فهما يلعبان دوراً عظيما في شيوع التطرف وانتشار الإرهاب في مصر وخارجها، وتعريض الأمة المصرية للتمزق والفرقة والفتن والانقسامات.
لن تتقدم مصر للأمام، دون إصلاح «التعليم»، والتصدي لهيمنة رجال الدين في الأزهر والأوقاف والكنيسة على السواء، وتهميشهم وإقصائهم تماماً عن الساحات السياسية والتعليمية، ولن ينجح هذا إلا بإلغاء «التعليم الديني»، وتوحيد التعليم قبل الجامعي لجميع المتعلمين ليكون التعليم قبل الجامعي مدنياً عاماً موحداً ومجانياً في مدارس الحكومة، تماما مثل فرنسا التي تجعل التعليم في المراحل السابقة للجامعة، تعليماً موحداً، تديره بمركزية شديدة وتنفق عليه وفقاً لقاعدة تقول: «إن من يدفع سلطة اتخاذ القرار».. على ذكر فرنسا، فقد شهدت نهايات القرن التاسع عشر، قيادة «التيار الجمهوري» المدافع عن مبادئ الثورة الفرنسية، لمعركة شرسة ضد «التيار الديني»، رافعا شعار: «أمة وقانون»، لتحرير فرنسا من الجهل، وانتزاع المواطن الفرنسيمن وصاية الكنيسة.. فيما كان الدينيون يرفعون شعار «كنيسة وعرش»، أو «الكاثوليكية دين ودولة»، وهو نفس شعار الإخوان ومن والاهم من السلفيين والجهاديين والدواعش، مع مراعاة فروق الديانة.. وقتذاك.. صدرت التشريعات الفرنسية بإلغاءالتعليم الديني وحظر تولي أعضاء الرهبانيات لوظائف التعليم.