كتب - محرر المنيا
الرابع عشر من اغسطس هو محطة هامة في التاريخ الكنسي المعاصر، يوم أن تعرضت الكنائس والمنازل والمتاجر القبطية للسلب والنهب والحرق، في ذلك اليوم كان جميع الأقباط مستهدفون أينما وجدوا وكانت حياة أي شخص مهددة أينما كان، يومها أجهش الكثيرين بالبكاء وهم يقفون عاجزين أمام الكنائس والممتلكات والنار مشتعلة فيها، وبعضها تحول الى كتلة من النيران، وبقدر ما كان المنظر مؤلماً والضيقة شديدة والخطر محدق بالكل بقدر ما حول الله -وهو سيد التاريخ وضابط الكل- الضيقة إلى بركة، حتى شكر الأقباط الله الذي خصهم بهذه التجربة ومنحهم بركات كثيرة:
1- تأكد الأقباط من جديد أن الكنيسة ليست مجرد حوائط وزخارف، بقدر ما هي اجتماع حول الإفخارستيا، حيث اتحاد المؤمنين معاً مع الله، ولقد تمسك الأقباط بركام الكنائس المحترقة ومارسوا اجتماعاتهم فيها، بكثير من الانتماء والفرح والثقة بالله الذي سيحول الأمر للخير، وإن كان هذا لا يعفي الذين قاموا بحرقها من المسئولية.
2- اختبر الناس في ذلك اليوم أنهم قد يفقدون كل ممتلكاتهم في لحظة، وتعلموا كيف يحيون حياة التجرد، وألا يتعلقوا بشيء أو شخص أكثر من الله، وأن كل أموال هذا العالم لا تفيد قدر ما يفيد استعداده وحياته المقدسة.
3- صلى الأقباط لأجل مضطهديهم كثيرا وطلبوا من الله أن يغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، وفوق العبارات المهينة التي كتبها المتطرفون على الجدران في الشوارع -ومنها جدران الكنائس- كتب الأقباط لهم "نحبكم رغم كل ذلك" ولم يرفع قبطي واحد حجرا في وجه المتطرفين ولم يتفوه شخص ما بكلمة خارجة ضد أي منهم.
4- مما جعل الكثير من المفكرين والعقلاء يتساءلون: أية طبيعة لهؤلاء الأقباط، الذين يغفرون إلى هذا الحد، ويحبون أعدائهم ويصلون لأجلهم، ولكن هذا هو تعليم السيد المسيح الذي قال: "وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5 : 44).
5- في ذلك اليوم تأكد للجميع كذب إدعاء البعض أننا نحتفظ بأسلحة داخل الكنائس، فإنه لو كان هذا الأمر حقيقة لما هاجموا الكنائس أصلاً، ولكان الأقباط قد استخدموها في الدفاع عن أنفسهم، لقد احترقت الكنائس أمام أعينهم بعد أن نُهب كل ما فيها، وما لم يستطيعوا حمله الى الخارج حطموه بالمطارق في مكانه، وقد استمرت النيران في بعض الكنائس متأججة لمدة تزيد عن الخمسة عشر ساعة.
6- وكان موقف الكنيسة الرسمي وطنياً مشرّفاً، فقد صرح قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، بأنه لو هدمت كل كنائس مصر سنصلى في المساجد، واذا هدمت كل المساجد سنصلي نحن وغخوتنا المسلمون في الشوارع، وأننا جميعا نبذل التضحية من أجل مصر ومستقبلها، وكان لهذا التصريح صدى جميل محلياً وعالمياً، وشهد الجميع بوطنية الأقباط.
7- لم يمر يومين على احتراق الكنائس حتى قام الأقباط بالصلاة فوق ركامها ووسط الدخان، وتوافد الناس باعداد كبيرة من خارج مناطق التدمير ليتباركوا بتلك الأماكن التي قدّمت شهادة للمسيح، وأقيمت صلوات ليتورجية أخرى فيها قبل اعادة اعمارها، مثل المعموديات والخطوبات والأكاليل وغيرها.
8- بادر السيد رئيس الجمهورية باعلان تعهّد القوات المسلحة باعادة أعمار الكنائس والمؤسسات التي اضيرت في ذلك اليوم على نفقة الدولة، وبالفعل قام سلاح المهندسين بالتعاون مع الهيئة الهندسية ووزارة الإسكان بعمل الترتيبات المطلوبة، وخلال شهور قليلة بدأت عملية اعادة الإعمار حيث تم توزيع المنشآت التي تدمرت على ثلات مراحل
9- تعاطف معنا الكثير من إخوتنا المسلمين، وكان لهم مواقف نبيلة كثيرة تحسب لهم، مؤكدين على معدن الشعب المصري الأصيل، هناك من شجب ما حدث بقوة في وسائل الإعلام، وهناك من قدّم المساعدات لبعض الأفراد الذين تضرّروا، وكثيرين -لا سيما في القرى- وقفوا مع الأقباط في حماية الكنائس من المعتدين، وعلى قدر ما خان البعض على قدر ما أظهر كثيرين نبلاً وحباًّ.
10- قدمت الكنيسة القبطية شهادة للمسيح خلال تلك الأحداث، بالقول والسلوك وارتفعت الشهادة في بعض الأحيان لتصل الى سفك الدم من أجل المسيح. جدير بالذكر أن الكنيسة القبطية هي الكنيسة الوحيدة في العالم وفي التاريخ التي لم تتوقف عن تقديم شهداء وقديسين كتقدمات طاهرة للمسيح.