بقلم : د. مجدى شحاته
انتظر المسيحيون فى مصر طويلا اصدار قانون ينظم بناء وترميم دور العبادة الموحد بدلآ من المرسوم العثمانى المعروف بالخط الهمايونى الصادر فى منتصف القرن التاسع عشر والذى يتضمن على الشروط العشرة للعزبى باشا وكيل وزارة الخارجية فى ذلك الوقت ، والذى ينظم عملية بناء وترميم الكنائس فى مصر ، وهو المرسوم الذى جعل بناء او ترميم الكنائس فى أرض مصر أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد .بعد طول انتظار ومحاولات جادة ومخلصةمن كافة الاطراف ، تم التوافق بين ممثلى الكنائس الثلاث بمصر والحكومة على صياغة مشروع قانون لبناء وترميم الكنائس( الكنائس وحدها )فى مصر بدلا من اصدار قانون يشمل بناء وترميم كافة دور العبادة كما كان مقترحا فيما قبل
مشروع القانون المطروح حاليا تم التوافق عليه بعد طرح اربعة عشر مسودة وعقد عدة جلسات للمناقشة بين ممثلى الكنائس الثلاث واجهزة الدولة المعنية ، وان كان هذا المقال يحمل مجرد بعض الملاحظات الخاصة على الشكل والمضمون للقانون ، فهى مجرد ملاحظات للبنيان والنهوض والتقدم لصالح الكنيسة والوطن ولا تنال اوتقلل من المجهودات المبذولة والمحاولات الجادة المخلصة من كافة الاطراف المعنية للتوصل الى قانون يمكن ويسهل اجراءاتبناء وترميم الكنائس ليكون تطبيقا عمليا للمادة رقم 64 من الدستور المصرى التى جاء فيها : " حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية واقامة دور العبادة لاصحاب الديانات السماوية حق ينظمه القانون ."وكما جاء فى وسائل الاعلام سيتم عرض مشروع القانون على مجلس النواب لمناقشته واقراره فى دورة الانعقاد الحالى وفقا للمادة 235 التى جاء فيها : " يصدر مجلس النواب فى أول دورة انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس مما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية "
كنت أتصور اعداد واقرار قانون لبناء دور العبادة الموحد يشمل الديانات السماوية الثلاث بدلآ مناقرار قانون له صفة الخصوصية ( بناء و ترميم الكنائس وحدها ) الامر الذى يضعنا أمامقانون مميز لفئة محددة من أبناء الوطن والذى يمكن اعتباره نوعا من الفرز النوعى والذى لايتوافق مع مفهوم المواطنة والنص الدستورى للمادة 35 التى جاء فيها " المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الاصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الاعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب اخر .التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون . تلزم الدولة باتخاذ التدابير الازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وينظم القانون انشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض ."
مشروع القانون المطروح حاليا واجه موجة عاتية من الجدل والعديد من الاراء والتعليقات ما بين مؤيد و معارض من نواب برلمانيون وخبراء فى القانون وناشطون وحركات قبطية وشخصيات عامة وصفه البعض بانه مقبول ومناسب ويمكن ان نبنى عليه فى مناقشات مجلس النواب سواء بالاضافة أوالتعديل تمشيا مع المقولة : " لا يوجد فى الامكان افضل مما كان " وآخرون معارضون واشاروا انه يحتوى على عبارات مطاطة مبهمة غير محددة .
كان من الافضل أن تضم لجنة صياغة مشروع القانون خبراء وفقهاء ومستشارين متخصصين فى صياغة و سن القوانين ، ومصر غنية بعلماء وعباقرة وخبراء دوليين فى القانون والاسكان ويعرفون تمام المعرفة اصول وخبايا صياغة القوانين . وكان من الافضل ان يطرح مشروع القانون الى حوار مجتمعى قانونى موسع بعيدا عن النفوذ الدينى والعقائدى يشارك فيه ممثلين من كافة الاطياف المجتمعية والحزبية مع تجنب التوصيف الدينى لتغطية كافة جوانب وزوايا القانون مع طرح مشروعات القوانين الموازية المقدمة من بعض الاحزاب والحركات القبطية والنشطاء بجانب المشروع الحكومى والخروج بصيغة توافقية بين ماهو متاح فالكنيسة ليست الطرف الوحيد تجاه القانون بل هى احدى الاطراف ، وشعوب الكنائس الثلاثة اصحاب مصلحة لا يمكن اختزالهم فى اطار الكنيسة .
ومن خلال بعض التسريبات من نصوص مشروع القانون التى جاءت فى وسائل الاعلام حيث أن النص الكامل لمشروع القانون لم يكن متاح ، فقد أشار البعض ان القانون لم يحدد بدقة معايير الاحتياج لبناء كنيسة جديدة واكتفى بان هذا الاحتياج ينبغى ان يتناسب مع عدد وحاجة المواطنين المسيحيين فى المنطقة التى تقام بها الكنيسة مع مراعاة معدلات النو السكانى ، ولم يتم تحديد هذا التناسب وما هو العدد المطلوب من المسيحيين لاقامة كنيسة ... وبات الامر تقديرى ممكن يختلف من شخص لاخر . اعترض البعض عن ماجاء بالقانون بخصوص حظر بناء الكنيسة وملحقاتهابدون اسوار الامر الذى يمثل عقبة امام بناء كنائس على مساحات صغيرة كما هو الحال فى القرى الصغيرة والنجوع حيث ان الاسوار تقتطع جزءا كبيرا من مساحة الارض . من ناحية اخرى لا يمكن حصر ملحقات الكنيسة كلها داخل الاسوار فهناك ملحقات ربما تبعد عن الكنيسة مئات الكيلومترات مثل بيوت الخلوة والمصايف العائلية و بالتالى تكون هذه الملحقات غير قانونية ويستوجب هدمها وازالتها !!! ووفقا لبعض التسريبات ايضا ، يتقدم الممثل القانونى للطائفة الى المحافظ المختص بطلب للحصول على شهادة بعدم وجود موانع من الاعمال المطلوب الترخيص بهاوذلك بعد الرجوع الى الجهات المعنية واخذ الموافقات الامنية ... ولم يحدد ماهو المقصود بالجهات المعنية ، واذا تم التاشير على الطلب ( نرفض لدواعى امنية ) من اى جهة من الجهات المعنية تتوقف كل الاجراءات ونعود الى
مربع الصفر !!حيث ان هذه العبارة تغل يد اى مسئول عن اعطاء الموافقة والتصريح تخوفا من العواقب .
ان قانون بناء وترميم الكنائس بصورته ( المميزة الاستثنائية للكنائس ) لن يحد او يقلل التوتر والانتهاكات والتجاوزات عند التنفيذ على ارض الواقع ان لم يكن هناك الوعى الكامل لكل الشعب المصرى و البسطاء منهم بصفة خاصة والترويج بصورة حضارية سليمة لمفهوم المواطنة وان للمسيحيين الحق فى ممارسة شعائرهم الدينيةبحرية كاملة . فالامر يتطلب جهود كثيرة لنشر ثقافة قبول الاخر والتعايش المشترك وحياة التسامح و تعميق مفهوم المواطنة الكاملة للغير ، بجانب تطبيق القانون الرادع بكل الحزم و الشدة والبعد عن المعالجات الخاطئة التى تعتمد على المسكنات والجلسات العرفية وتقبيل اللحى والخطب الرنانة والتهوين وتبسيط الامور ، كما نحن فى حاجة للنهوض وتطوير منظومة التعليم بالكامل بدءا من الحضانة حتى التعليم الجامعى وهذا يتطلب مزيدا من الجهد والوقت والمثابرةلبناء جيل جديديؤمن بقبول الاخر وقد تحرر من الافكار الدخيلة على الشعب المصرى الاصيل والمتطرفة والتى ترسخت فى الاذهان والعقول على مدى عقود طويلة ، جيل جديد لايحمل جينات الكراهية والحقد والتعصب بل يحمل موروثات الحب والتسامح والتعايش المشترك ، يحترم حقوق الاخر ويؤمن ان الاختلاف هوسنة الحياة . ولابد ان يتوافق ذلك مع ضرورة تجديد الخطاب الدينى والبعد عن منهج التكفير و الاستقصاء وان كل مواطن على ارض الوطن له كل الحق فى ممارسةشعائره الدينية وفقا للدستور والقانون .
كل مايطالب به المسيحيون كنائس يتعبدون و يصلون فيها ... المسيحيون فىكنائسهم يصلون لله منأجل خلاص وسلامة العالم كله وخير البشرية فيقولون فى صلوات القدلس الالهى " صلوا من أجل خلاص العالم ومدينتنا هذه وسائر المدن والاقاليم والجزائر والاديرة " يصلون فى كنائسهم ان يهب الله الفرح والخيرات ويدبر حياة كل الناس فيقولون فى صلواتهم : " فرح وجه الارض ليرو حرثها ولتكثر اثمارعا اعدها للزرع و الحصاد ودبر حياتنا كما يليق ، بارك اكليل السنة بصلاحك من اجل فقراء شعبك ، من اجل الارملة واليتيم والغريب والضيف ، ومن اجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب اسمك القدوس لأن اعين الكل تترجاك ، لأنك انت الذى تعطيهم طعامهم فى حين حسن ، اصنع معنا حسب صلاحك يا معطيا طعاما لكل جسد . " يصلى الاقباط فى كنائسهم فيقولون : "املأقلوبنا فرحا ونعيما لكى نحن ايضا اذ يكون لنا الكفاف فى كل شيئكل حين نزداد فى كل عمل صالح " يصلى الاقباط فى كنائسهم من اجل البركة والسلام للرؤساء والوزراء والجند وجموع الشعب وان يحفظهم الله ويباركهم ويسدد خطاهم ، يصلى الاقباط فى كنائسهم من اجل كل الناس على مختلف طوائفهم وعقائدهم فيقولون : " الرعاه اضبطهم والذين يرعونهم ثبتهم ، طهارة للذين فى البتولية ، حياة صالحة للمتزوجين ، رحمة للتائبين، صلاحاللأغنياء، وداعة للفضلاء ، معونة للمساكين ، الشيوخ
قوهم والذين فى الحداثة أدبهم ، شفاء للمرضى ، وراح ، للمعوزين مساعدة للأرامل ، المتضايقون اشبعهم بالخيرات ، الساقطون أقمهم والقيام ثبتهم " هذا مايطلبة الاقباط من الله فى كنائسهم والتى يريدون بناؤها ... فهل يضير أى انسان على وجه الارض هذه الصلوات ؟؟... فلنقل مع نحاميا: " هلم معا نبنى اسوار ارشليم " ، وليكن لنا كما جاء فى سفر أشعياء النبى " فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمودللرب عند تخمها .. مبارك شعبى مصر "