تشهد مصر حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقلت إلى الشارع، لإلغاء "الشبكة"، (هدية من الذهب تقدم للعروس)، تيسيرا على الشباب، بعد الارتفاع الكبير في أسعار المعدن الأصفر.
وطبقت بعض قرى الصعيد الفكرة بالفعل، وتعهدت العائلات بها على إلغاء هذا التقليد، الذي ظل راسخا يتوارثه الأجيال، بل وذهبوا إلى إلغاء الرفاهيات من أثاث المنزل، والاهتمام بالقطع الأساسية فقط.
وأعلنت عائلات قرية "نجع الجديدة" (في محافظة قنا/جنوبي البلاد)، تفعيل الخطوة بإلغاء "الشبكة" من مراسم الزواج، وذلك في اجتماع حاشد للأهالي بمسجد رئيسي بالقرية، الأسبوع الماضي، ولحقتها قريتان بالمحافظة نفسها هما "كوم بلال"، و"البراهمة".
وحسب القائمين على المبادرة، في عدة محافظات بمصر، فإن الهدف الرئيسي منها حل مشكلة 13.5 مليون شاب وفتاة أدرجهم تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات (حكومي) ضمن من تعداهم سن الزواج.
وذكر التقرير، الصادر منتصف العام الماضي، فإن "عدد من تخطوا سن 35 عاماً دون زواج، وصل إلى 11 مليون فتاة وقرابة 2.5 ملايين شاب".
وتفاعل آلاف الشباب المصريين مع حملة أطلقها مجموعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لإلغاء الشبكة وتخفيف تكاليف الزواج.
"المبادرة خرجت وحظيت بكل هذا الدعم لمواجهة ارتفاع أسعار الذهب الذي اقترب سعر الجرام الواحد (عيار 21) من 500 جنيه (نحو 50 دولاراً أمريكيا)"، هكذا يقول علام رمضان (35 عاما)، من محافظة الأقصر، وأحد المشاركين في المبادرة.
ورغم أنه، متزوج ولديه طفلان، لكنه أقدم على الخطوة بهدف "التخفيف عن شباب محافظته الذين لا يجدون سبيلا للزواج بعد ارتفاع معدلات الفقر وغلاء الأسعار"، حسب قول "رمضان" لمراسل "الأناضول".
وانطلقت المبادرة، في البداية من قرية "نجع الجديدة" في محافظة قنا، عندما دعت مجموعات شبابية، عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إلى إلغاء الشبكة في مبادرة بعنوان "زواج بلا شبكة"، ليتداولها الشباب من قرية إلى أخرى، وتنتقل إلى أرض الواقع بنقاشات ساخنة بين رؤوس العائلات، ويبدأ بعضهم في التطبيق بالفعل، وفق "رمضان".
وحملت المبادرة، أكثر من عنوان آخر على مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها "معاً لإلغاء الشبكة"، و"بلاها (لا حاجة) شبكة"، "جوزني (زوجوني) بدون ذهب"، "زواج بدون ذهب" إلى جانب "ضد المغالاة في تكاليف الزواج".
ويشير "رمضان"، إلى أن القائمين على المبادرة بمحافظة الأقصر (جنوب) يعتزمون تنظيم مؤتمر حاشد لدعم الفكرة، منتصف أغسطس الجاري، يحضره برلمانيون ومسؤولون حكوميون وإعلاميون.
ويقول "إسلام السعيد" (25 عاما) من محافظة بنى سويف (وسط)، ومدشن صفحة "معاً لإلغاء الشبكة" على موقع "فيسبوك"، إنه لم يتزوج حتى الآن بسبب ارتفاع تكاليف الزواج، مشيراً إلى أنه أطلق الدعوة لأول مرة في 2013، إلا أنها لم تلق قبولاً واسعاً وقتها.
ويرجع السعيد في حديثه لمراسل "الأناضول" أسباب التأييد الواسع للدعوة في الوقت الحالي إلى "الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب ليقارب لأول مرة 500 جنيه للجرام الواحد".
إقناع الرجال بالفكرة وحده لا يضمن نجاحها؛ فالهدف الأساسي للمبادرة هو إقناع السيدات المصريات اللاتي يتمسكن بقيمة مرتفعة للشبكة لبناتهن تقليداً لقريبات تزوجن بنفس الطريقة وعدم الاكتفاء بإقناع الرجال، حسب القائمين على المبادرة.
ويبدو مشهد الانقسام حول الفكرة جليا بالنسبة للسيدات؛ إذ تقول رحاب عليوة، (24 عاما/غير متزوجة)، من محافظة الجيزة، غرب العاصمة القاهرة، إن "الفكرة جيدة؛ فالمغالاة في الشبكة إهانة للمرأة التي تتحول إلى سلعة يتم الفصال حولها في مجالس الرجال".
وطالبت رحاب المرأة برفض "تقييمها بوزن الذهب الذي تتزين به"، مشيرة إلى أن الدين الإسلامي "نهى عن المغالاة في المهور".
غير أن رأي رحاب لا يحظى بقبول واسع لدى فتيات أخريات؛ إذ تعتبر شروق غنيم (22 عاما/خريجة جامعية غير متزوجة)، أن "الشبكة ضرورة في الزواج وإذا لم يستطع الرجل شراءها، فيمكن استبدالها بشيء آخر لكن لا يجب إلغاءها".
وتضيف شروق: "الشبكة تمثل للفتيات فرحة منتظرة ولا يحق لأحد حرماننا منها"، واصفة تلك الحملات بـ"غير الواقعية ومن الصعب تنفيذها".
لكن الدعاة في مصر يؤيدون الحملة بقوة، ويقول وكيل مديرية الأوقاف بمحافظة الجيزة (منصب حكومي)، عبدالناصر بليح، إن الدين الإسلامي دعا إلى عدم المغالاة في المهور، مشيراً إلى أن الدعوة الأخيرة "محمودة وتوافق ما سجلته السنة الشريفة".
ويضيف للأناضول أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم تزوج بمهر بسيط، ولم يدفع أكثر من 12 درهما كمهر لبعض زوجاته، كما أنه زوج بعض الصحابة بخاتم من حديد أو بما يحفظون من القرآن الكريم.
ويكشف "بليح" أن وزارة الأوقاف "اعتمدت خُطة تبدأ من منتصف الشهر الجاري بتنظيم محاضرات نسائية في المساجد الكبرى تحت عنوان (المغالاة في المهور) لبيان موقف الشرع منها".
ويقول إن "واعظات معتمدات من الأزهر ستلقين محاضرات بتلك المساجد وستكون للنساء فقط؛ ﻷن الأم هى من تتحكم في بعض الأوقات في قيمة الشبكة".
المحامية الحقوقية "انتصار السعيد"، مديرة مؤسسة "القاهرة للقانون" (غير حكومية تعني بشؤون الأسرة)، تقول إن "الحملة جيدة من حيث الهدف"، لكنها تتوقع أن تواجه "صعوبات في تطبيقها بسبب تحكم العرف".
وتضيف "انتصار"، للأناضول: "الحديث عن حفظ الشبكة لحقوق الزوجة غير صحيح؛ لأنه غالباً، إذا لجأت امرأة للانفصال، فإنها تفضل الخلع حتى تتخلص من زوجها ولا تفكر في شبكة أو غيرها من الحقوق".
كما تشير إلى أن "في معظم الحالات تجبر الزوجات، اللاتى حظين بشبكة ذات قيمة عالية، على تسليمها لزوجها بعد العرس ليبيعها ولا تستطيع الاحتفاظ بها لنفسها".
ويستبعد سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، احتمالية "نجاح الفكرة - خصوصا في الريف المصري - الذي يعد معقلاً للعادات والتقاليد".
ويضيف صادق، أن "الريف المصري يحتل نحو 58% من مساحة البلاد، وبه أعلى نسب الفقر والأمية لذلك فإن من الصعب إثناءه عن العرف السائد".
وفي الوقت نفسه يشير إلى أن الفكرة يمكن أن تطبق في المدن وبعض المناطق، التي تقطنها الطبقة المتوسطة؛ لأنها ستكون "أكثر تفتحا وقبولا للمبادرة".