الأقباط متحدون - الشروط العُمَرية مرورا بالعِزبي حتي مجلس العار
أخر تحديث ٠٧:١٤ | الجمعة ١٩ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ١٣ | العدد ٤٠٢٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الشروط العُمَرية مرورا بالعِزبي حتي مجلس العار

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

فاروق عطية
   كانت ومازالت مشكلة بناء الكنائس في مصر منذ الغزو العربي مشكلة دائمة ومتجددة لا حل لها. وسبب هذا التعقيد ما وضعه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب من شروط عُمرية. بداية أحب أن أوضح أن هناك خلط من معظم الكُتّاب والمفكرين بين العهدة العُمَرية التي أعطاها عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (القدس) سنة 15 هـ التي فتحت صلحا، والشروط العمرية التي اشترطها عمر علي البلدان التي فتحت غزوا وهي بلاد الشام وشمال أفريقيا ومنها مصر.

   العهدة العُمَرية في مجملها لا تحمل الكثير من الإجحاف، فهي عهد الأمان الذى كتبه الخليفة عمر بن الخطاب، لمسيحيى القدس التى كانت تسمى «إيلياء» فى ذلك الزمان عند الاتفاق على فتحها صلحاً وتسلّم مفاتيحها بنفسه، «هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شىء حتى يحصد حصادهم».

   أما الشروط العُمَرية التي نكتوي بنارها والتي أعطيت لأهل الشام وجميع البلدان التي فُتحت عنوة بالقتال، وأملي الغزاة شروطهم المجحفة وهي كما جاء بكتاب ابن القيم الجوزية كالآتي: «ألا يحدثوا فى مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يجدِّدوا ما خُرِّب، ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم، ولا يؤوا جاسوساً، ولا يكتموا غشاً للمسلمين، ولا يعلّموا أولادهم القرآن، ولا يُظهِروا شِركاً، ولا يمنعوا ذوى قرابتهم من الإسلام إن أرادوا، وأن يوقّروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبّهوا بالمسلمين فى شىء من لباسهم، ولا يتكنّوا بكناهم، ولا يركبوا سرجاً، ولا يتقلّدوا سيفاً، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزّوا مقبل رؤوسهم، وأن يلزموا زيّهم حيثما كانوا، وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم، ولا يُظهروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم فى شىء من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة فى كنائسهم فى شىء من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين. فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ».

   في فترة خضوع مصر للحكم العثماني كانت هناك أحكام تجبر غير المسلمين الحرمان من ركوب الخيل والسير يسار الطريق، وإجبارهم علي الصوم في رمضان، وعدم لبس العمائم وحظر ارتداء الملابس الملونة بغير اللون الأسود، وتسميتهم بأسماء معينة تمكن من معرفة هويتهم الدينية، وإجبار المسيحيين بلبس صليب نحاسي كبير في الرقبة، ولما كان الصليب يترك اثرا في الرقبة (جنزار) اطلق على اقباط مصر "عظمة زرقاء". في عام 1718م استطاع الأنبا بطرس السادس (بابا الإسكندرية) بطريارك الأرثوذكس في مصر ان يقنع السلطان العثماني باتباع قانون خاص بالأحوال الشخصية لغير المسلمين.

   في فترة حكم محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة من الفترة 1805 إلى 1849م تم الغاء كل الاحكام العثمانية ضد اقباط مصر بل وسمح لهم ببناء كنائس جديدة وسمح أيضا لهم بحمل السلاح والانخراط في جيش مصر وتعينهم باكوات في الجيش بل مديرون لمناصب عليا كان اعلاها "المباشر" وهو يوازى منصب وزير المالية الآن. وفي فترة حكم سعيد باشا من 1854 إلى 1863 اضاف لقرارات جده قرارات لصالح الاقباط، ألغى الجزية في ديسمبر 1855م التي استمرت منذ ان فرضها عمرو بن العاص عام 640م.

  في فبراير 1856م بعد أن ساعدت إنجلترا وفرنسا عبد المجيد الأول سلطان الدولة العثمانية في حربه ضد روسيا، قرر السلطان إجراء مجموعة إصلاحات سميت بالخط الهاميوني، كان الغرض منها تنظيم بناء دور العبادة في جميع الولايات التابعة للدولة العثمانية، ويطبق على كل الملل والأديان غير الإسلامية وأهم ماء جاء بها:

1ـ المساواة بين كل مواطني الدولة العثمانية في كل الحقوق والواجبات

.2ـ ينتخب بطاركة (رؤساء) الكنائس من كل الملل وتكون فترة انتخابهم حتى مماتهم ولا يحق لاحد نزع سلطة البابا إلا من كنيسته على وجوب ابلاغ (ابلاغ فقط وليس اخذ الموافقة) من الباب العالي باسم البابا الجديد كل مرة.

.3ـ السلطان شخصيا فقط له الحق في ترخيص بناء وترميم الكنائس والمقابر الخاصة لغير المسلمين

.4ـ اعفاء الكنائس من الضرائب أو المصروفات

5ـ تشكيل مجلس مكون من رجال الكنيسة (كهنة أو رهبان) ورجال من خارج الكنيسة (مسيحين غير الرهبان والكهنة) لإدارة شئون الملة والمعروف باسم المجلس الملي العام مثل المجلس الملى القبطي الارثوذكسى والمجلس الملى الكاثوليكى، الخ.

6ـ عدم اجبار أي شخص على ترك دينه.

7ـ محو كل الالفاظ التي تمس فئة من الناس مثل الدين أو الملة.

8ـ يكون حق التعيين في مناصب الدولة المدنية والعسكرية للكفاءة بدون تمييز في الدين.

9ـ الزام كل مواطنين الدولة بالخدمة العسكرية.

10ـ تكون الدعاوى القضائية بين المسيحين والمسلمين في دواوين (محاكم) خاصة يرأسها قضاة من الطرفين.

   وفي سنة 1934م أصدر محمد العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية آن ذاك مرسوما بالشروط العشرة لبناء الكنائس بناء علي طلب وموافقة شيخ الجامع الأزهر، وكانت الشروط الواجب استيفاؤها كالآتي:

1ـ هل الأرض المرغوب بناء كنيسة عليها هي من أرض الفضاء أو الزراعة؟، وهل هي مملوكة للطالب أم لا؟، مع بحث الملكية من  أنها ثابتة ثبوتا كافيا، وترفق مستندات الملكية

2ـ ما مقادير أبعاد النقطة المراد بناء الكنيسة عليها عن المساجد والأضرحة الموجودة بالناحية؟

3ـ إذا كانت النقطة المذكورة من الأرض الفضاء.. فهل هي وسط أماكن المسلمين أو المسيحيين؟

4ـ إذا كانت بين مساكن المسلمين.. فهل لا يوجد مانع من بنائها؟

5ـ هل توجد للطائفة المذكورة كنيسة بهذه البلدة خلاف المطلوب بناؤها؟

6ـ إن لم يكن بها كنائس.. فما هو مقدار المسافة بين البلدة وبين أقرب كنيسة لهذه الطائفة بالبلدة المجاورة؟

7ـ ما هو عدد أفراد الطائفة المذكورة الموجودين بهذه البلدة؟

8ـ إذا تبين أن المكان المراد بناء كنيسة عليه قريب من جسور النيل والترع والمنافع العامة بمصلحة الري.. فيؤخذ رأي تفتيش الري. وكذا إذا كان قريبا من خطوط السكة الحديد ومبانيها.. فيؤخذ رأي المصلحة المختصة.

9ـ يعمل محضر رسمي عن هذه التحريات، ويبين ما يجاور النقطة المراد إنشاء الكنيسة عليها من المحلات السارية عليها لائحة المحلات العمومية، والمسافة بين تلك النقطة وكل محل من هذا القبيل. ويبعث به إلي الوزارة.

10ـ يجب علي الطالب أن يقدم مع طلبه رسما عمليا بمقياس واحد في الألف. ويوقع عليه من الرئيس الديني العام للطائفة، ومن المهندس الذي له خبرة عن الموقع المراد بناء الكنيسة عليه، وعلي الجهة المنوطة بالتحريات أن تتحقق من صحتها. وأن تؤشر عليها بذلك، وتقدمها مع أوراق التحريات.

  وإليكم نص مسودة مشروع قانون بناء الكنائس بعد توافق الحكومة مع الكنائس الثلاثة عليه، الذى يتكون من 8 مواد رئيسية بالإضافة إلى 3 مواد للإصدار.

المادة الأولى تعريف الكنيسة ومرفقاتها ( هيكل أو منبر، صحن، معمودية، منارة) كما تحدد ملحقات الكنيسة (بيت خلوة، مكان صناعة القربان) وكلها تستوفى لكافة الاشتراطات الصحية ومعايير السلامة والأمان على النحو المحدد بالقانون.

المادة الثانية: يراعى ان تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة المواطنين المسيحيين في المنطقة التى تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني. ويجوز أن تضم الكنيسة أكثر من هيكل أو منبر وأكثر من صحن وقاعة معمودية ومنارة.

المادة الثالثة تنص علي: يتقدم الممثل القانونى للطائفة إلى المحافظ المختص بطلب للحصول على شهادة بعدم وجود مانع من القيام بأي من الاعمال المطلوب الترخيص بها، وعلى الجهة الإدارية إعطاء مقدم الطلب ما يفيد استلام طلبه يوم تقديمه. ويجب أن يرفق بهذا الطلب مستندات الملكية والمستندات اللازمة لبيان طبيعة الأعمال المطلوبة وموقعها وحدودها، وسائر المستندات الأخرى التى يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص بشئون الإسكان خلال ستين يوماً من تاريخ العمل بهذا القانون. وفى جميع الأحوال، لا يقبل الطلب غير المستوفى للمستندات المشار إليها.

المادة الرابعة: يجوز للممثل القانونى للطائفة التقدم للمحافظ المختص بطلب للحصول علي شهادة بعدم وجود مانع من هدم و إعادة بناء كنيسة مقامة بترخيص أو تم توفيق وضعها وفق أحكام هذا القانون، وذلك بإتباع الإجراءات المنصوص عليها فيه.

المادة الخامسة: يقوم المحافظ المختص بالبت في الطلب المشار اليه فى المادتين (3) و (4) من هذا القانون بعد التنسيق مع الجهات المعنية فى مدة لا تجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديمه، وإخطار مقدم الطلب بكتاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول بنتيجة فحص طلبه. وفى حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسببا.ً

المادة السادسة: يكون القيام بأي من الاعمال الصادر فى شأنها الشهادة المشار اليها فى المادتين (3) و (4) من هذا القانون، بعد الحصول على ترخيص فى ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم وفق أحكام قانون البناء الصادر بالقانون 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون. وتعد شهادة عدم وجود مانع من القيام بالعمل المطلوب الترخيص به من المستندات اللازمة لاستخراج الترخيص، ويصدر الترخيص باسم الطائفة الدينية.

المادة السابعة: لا يجوز تغيير الغرض من الكنيسة المرخصة أو ملحق الكنيسة المرخص إلى أي غرض آخر، ولو توقفت إقامة الصلاة والشعائر الدينية بها، ويقع باطلاً كل تصرف يتم على خلاف ذلك.

المادة الثامنة: يعتبر مرخصاً ككنيسة كل مبنى تقام به الشعائر والخدمات الدينية المسيحية وقت العمل بهذا القانون، بعد التأكد من السلامة الإنشائية للمبنى وفق تقرير من مهندس استشارى إنشائى، على أن يتقدم الممثل القانونى للطائفة بكشوف بحصر هذه المبانى الى المحافظ المختص خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون. ولا يجوز منع أو إيقاف الشعائر والأنشطة الدينية فى أى من الكنائس المشار اليها أو ملحقاتها لأى سبب.

   ويبدو أن الحكزمة بإصدار هذا القانون المليئ بالألغام تستكمل مسيرة بناء الدولة الطائفية بلا كلل. تلاعبت ببنوده على نحو يُبقى على جوهر شروط العزبى باشا العشرة، التى تكاد تجعل بناء الكنيسة درباً من دروب المستحيل. في المادة 1 "تعريف الكنيسة" تجاهلت وضع الصليب رغم ذكر المنارة وهذا ماقاله رئيس اللجنة الدينية في زيارته للبابا انه سيعمل علي الموافقة علي القانون وفقا للمنظور الإسلامي،  وفرح الانبا بولا واقنع البابا ..!. في المادة 4، حرصت الحكومة على استخدام تعبير «ممثل الطائفة» «الممثل القانونى للطائفة»، فى الإشارة إلى الطرف الذى سيتم التعامل معه من قِبَل أجهزة الدولة، وبالتالى فان المصرى المسيحى هو عضو طائفة، له من يمثله طائفياً وليس مواطناً مصريا.ً في المادة 5، ناورت وراوغت ودسّت كلمات تجعل القول الفصل فى بناء الكنيسة للأجهزة الأمنية وتحديداً جهاز الأمن الوطنى، عبر النص على صدور القرار من المحافظ المختص بعد الرجوع إلى الجهات المعنية، التى تعنى الأجهزة الأمنية.

   أن يهلل فرحا بعض اليهوذات لهذا القانون ويعتبرونه فتحا ونصرا ما بعده نصر، هذا مقبول منهم كونهم عملاء للسلطة يأتمرون بأوامرها، ويقولون ما يراد منهم قوله، لكن العجب العجاب أن يعتبر قداسة البابا تواضروس الثاني حسب تعبيره أن الكنيسة تري القانون كويس خالص ولا اعتراض عليه. كما صرح الأنبا بولا أنه قد تم حذف جميع المواد والمصطلحات التى كانت تقلق الكنيسة من القانون، وأن القانون بصورته الحالية سيقضى على سبب معظم المشكلات الطائفية.
www.facebook.com/monaroman2/posts/10154724408134381

     كنا نحلم بقانون يلغي شروط العزبي باشا العشرة الآنف ذكرها، والتي لم تكن علي الأقل قانونا ملزما، وفوجئنا بقانون يكرسها ويلزم تنفيذه ولا يمكن الحيود عنه، وكان الأمل في قانون يُخضِع بناء الكنائس فقط لقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، ونشره بالجريدة الرسمية والعمل به فورا، وأفقنا من الحلم علي واقع واضح أن الهوة واسعة وأن تحقيق الدولة المدنية حلم بعيد المنال، وأن بناء ملهي ليلي أو خمّارة أوماخور يمارس فيه الفسق أسهل وأيسر من بناء كنيسة تقام بها الصلاة ..!!. 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع