ما أقدم عليه الكابتن إكرامى وما قاله إمام مسجد قرية «كرم اللوفى» بمحافظة المنيا يعبر عن التحولات التى مر بها المجتمع المصرى وكيف جرفت رياح الوهابية الروح المصرية الأصيلة التى كانت سائدة حتى منتصف سبعينات القرن الماضى، اجتاحت رياح الوهابية غالبية المصريين بما فى ذلك الطبقة الوسطى التى عادة ما تعتبر مستودع القيم فى المجتمع، وأكلت الطبقة الدنيا بالكامل لاسيما أن فئات هذه الطبقة جاهزة تماماً لتبنى أفكار التشدد والتطرف، بقيت شرائح محدودة من الطبقة الوسطى إضافة إلى الطبقة العليا، تقاوم رياح الوهابية العاتية.
مصر اليوم ليست هى مصر المبتسمة المتسامحة حاضنة الجميع بصرف النظر عن العرق واللغة والدين، مصر اليوم اكتست بثياب الوهابية زيّاً وفكراً، وما نراه اليوم من مظاهر وسلوكيات هو أعراض لمرض عضال تمكن من الإمساك بمصر وغالبية شعبها، والشفاء منه يتطلب أولا الإقرار بالمرض ثم التشخيص الدقيق لدرجة انتشار المرض وأخيراً وصف العلاج الناجع، وقبل كل ذلك تكون هناك رغبة حقيقية فى الشفاء واستعادة الروح المصرية، لأن هناك مرضى يعشقون الحالة ويتعايشون معها.
علينا أن نبدأ بالقول إن ظاهرة التطرف والتشدد ظاهرة إنسانية موجودة فى كل المجتمعات، فالتطرف لرأى أو فكر أو معتقد أو عرق آفة شهدتها مختلف المجتمعات الإنسانية، وأدت فى أحيان كثيرة إلى وقوع الحروب والمواجهات وأعمال القتل الجماعى والإبادة، بل كانت وراء إشعال حروب كونية. وتوجد فى مختلف المجتمعات الإنسانية شرائح أو فئات متشددة أو متطرفة تنطلق من قناعة ذاتية بالسمو والتفوق لعامل متوارث من عوامل اللغة والعرق، أو الدين والمعتقد، وعادة ما تعمل نظم الحكم وأجهزة الدول على مقاومة هذه الظواهر ومحاصرتها والحد من أنشطتها الهدامة.
وكلما زاد عدد معتنقى الأفكار المتطرفة والعنصرية، ارتفع مؤشر الخطر وارتفعت معدلات جرائم الكراهية والعنصرية، وتزداد الخطورة إذا ما ترافق مع انتشار هذه الأفكار أزمة اقتصادية أو اجتماعية، أو كانت الأزمة مركبة، فى هذه الحالة يجرى البحث عن المختلف والانتقام منه. وعندما تتسع قاعدة التشدد والتطرف والعنصرية، عادة ما تسفر عن نظام حكم يعبر عن هذه الأفكار ويعمل على تعبئتها وتنظيمها، وهو ما فعله هتلر الذى استثمر واقع هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى والإذلال الذى عانت منه برلين بفعل معاهدة فرساى التى فرضت عليها دفع تعويضات هائلة للدول المنتصرة وفى مقدمتها فرنسا، فى ظل هذه الحالة والحديث عن الجنس الآرى ونقائه، بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية التى أخذت معها حياة نحو خمسين مليون إنسان، وانتهت باحتلال ألمانيا وحالة من الدمار الشديد فى كل أنحاء أوروبا.
وتدريجياً بدأ العالم يستشعر خطورة العنصرية وما تحمله معها من مشاعر التطرف والتعصب، فأخذ يضع مواثيق حقوق الإنسان، وعمل على تجريم الأفكار العنصرية، وبدأ يعمل على صياغة منظومة قانونية تجرم أعمال القتل الجماعى على خلفية عنصرية أو عقائدية أو غيرها من العوامل. وهنا طرحت بعض الأفكار الخاصة بتقييد سيادة الدولة حتى لا تتخندق نظم حكم وراء هذا المفهوم وترتكب أعمال قتل وإبادة فى حق جزء من الشعب، ووصل التطور إلى الذروة بإنشاء المحكمة الدائمة لجرائم الحرب فى روما عام 1998، حتى يمكن النظر مباشرة فى جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية دون الوقوع فى أسر حسابات القوى الكبرى، لأن تشكيل محكمة للنظر فى هذه الجرائم قبل ذلك كان يقتضى صدور قرار من مجلس الأمن وهو الأمر الذى كانت تجهضه دولة واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن.
نقلا عن الوطن