قام يعقوب أوليداورت بتحليل الكتب الدراسية التى يُقرّرها الداعشيون على طلابهم. لا مفاجآت من ناحية المحتوى. العقلية الماضاوية الانتقائية الدموية نفسها. يقول الباحث:
بعد مرور عامين على إعلان تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» قيام الخلافة، أصبح العالَم على معرفة جيّدة بالأساليب الوحشية لهذه الجماعة وبتوسُّعها الإقليمى وتمويلها وقدرتها على توجيه وإلهام هجمات إرهابية على نطاق واسع داخل الشرق الأوسط وخارجه. لكن الأمر الذى لا يُناقَش كثيراً هو الكتب الدراسية لتنظيم الدولة الإسلامية، وأنشطته المتعلقة بنشر الكتب. فمعرفتنا بطموحات الجماعة وأفكارها مبنيّة على نصوصٍ تعالج عدّة مواضيع تصل إلى حين إعلان الخلافة، وتشمل التواصل عبر وسائل الإعلام الاجتماعى (لا سيما مجلتها الدعائية باللغة الإنجليزية، «دابق»، وأشرطة الفيديو)، والمقابلات مع المنشقين، والوثائق البيروقراطية المسرّبة. ومع ذلك، لم تُجرَ حتى الآن أى دراسة منهجيّة عن الكتب التى تنشرها الجماعة باللغة العربية منذ يونيو 2014.
يُقدّم النظر فى هذه المنشورات للمرة الأولى عدداً من الدروس لمجتمع السياسة حول طريقة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية على المسرح السورى - العراقى، فضلاً عن المسألة الحرجة المتعلقة بطريقة تحوّل الأفراد بأنفسهم إلى متطرفين يحاربون من أجل قضيته. فى حين أنّ الكثير من هذه الأعمال تُفصّل فى الظاهر نوع المجتمع «الإسلامى» الذى ترغب قيادة «التنظيم» فى أن تفرضه على الشرق الأوسط، إلا أن قدرة الجماعة على تحقيق هذا الوعد فى الواقع هى التى تستمر فى إلهام أولئك الذين يعيشون خارج المنطقة. وحتى فى الوقت الذى يخسر فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» بعض الأراضى فى ساحة المعركة، قد تكون هذه الخسائر ذاتها هى التى تلهم آخرين [اختيار] طريق الكفاح المسلح نيابة عنه. وقد تجلّى هذا الأمر، على سبيل المثال، بقَسم الولاء الذى عهده عمر متين خلال اتصالٍ إلى خدمة الطوارئ الأمريكية 911 فى 12 يونيو 2016، وذلك قبل أن يقتل تسعة وأربعين شخصاً، ويصيب ثلاثة وخمسين آخرين بجروح فى ملهى ليلى لمثليى الجنس فى أورلاندو، فلوريدا.
وفيما يتخطى تفسير أيديولوجية الجماعة، تستطيع منشوراتها أيضاً أن تُلقى الضوء على الهيكلية الداخلية لتنظيم «الدولة الإسلامية» واستراتيجيته. على سبيل المثال، من الواضح أنّ الجماعة تملك دار نشر واحدة (على الأقل) مع أقسام متعدّدة يبدو أنّها تعمل وتُنتج المنشورات فى الوقت الّذى يحارب فيه تنظيم الدولة الإسلامية [فى عدة دول] ويحكم أراضيه، مما يعزّز المفهوم القائل إنّ الأفكار مهمّة إلى حدّ ما، نظراً إلى ما تضيفه من شرعية لـ«التنظيم»، فضلاً عن مساعدته على البقاء. بالإضافة إلى ذلك، تظهر طريقة تصريح «التنظيم» بطبع هذه المنشورات التى تتراوح بين كتيبات صغيرة ومجلدات كبيرة، على أنّ المضمون، مع جمع وتنقيح المعلومات فيه، يخضع لعملية تحريرية من المحتمل أن تكون تحت إشراف القيادة العليا للجماعة. وقد يشير التعمّق فى تواريخ منشورات «التنظيم» إلى سبب ظهور هذه الأعمال فى وقت ظهورها، وفى كثير من الحالات، يكشف مضمونها معلومات مهمة عن المكان الذى قد يأتى منه المؤلفون أو سافروا إليه. على سبيل المثال، تشير عبارات مثل «تعتبر مدينة سان فرانسيسكو عاصمة اللواط وربع دائرة المدينة الانتخابية يتكوّن من مثليى الجنس» إلى نوعٍ من معرفة ثقافية لا يمكن اكتسابها إلا بقضاء بعض الوقت فى الولايات المتحدة أو بمعرفة مواطنين أمريكيين.
تكشف الكتب الدراسية لتنظيم الدولة الإسلامية ومنشوراته الأخرى عن وجود أسلوب منهجى لكيفية عرض المواد من أجل التبرير بوسائل عقائدية مجموعة أهداف «التنظيم» الرباعية وهى: تشجيع العنف، وتسيير أحداث تنبؤية، وإنشاء دولة «إسلامية» خالصة وتصنيفها بالخلافة. مع ذلك، فإن الطبيعة غير المسبوقة لهذا المشروع تؤدى إلى مواجهة الجماعة مخاطر أيديولوجية كثيرة، أبرزها إدراج مصادر من التقاليد [الدينية]، التى قد يعتبرها الأتباع الأكثر التزاماً بالطابع الفقهى بأنها «تدنيساً» أيديولوجياً.
هذا منهج منحرف ولا بد أن يتصدى له الأزهريون.
نقلا عن الوطن