رغم نفى الكابتن إكرامى للواقعة، فإن شهادة أكثر من طفل مسيحى تعرض لنفس الموقف تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك صحة الوقائع المنسوبة لهذا الرجل الذى تختزل قصة تحولاته ما مر به المجتمع المصرى، فإكرامى هذا الشاب الوسيم المفعم بالحيوية والمقبل على الحياة، الذى شارك فى التمثيل فى فيلم كوميدى مع فريد شوقى وسمير غانم، أصبح عابس الوجه مكفهراً، لم يطق سماع اسم مصرى مسيحى، خرج عن شعوره بمجرد سماع أسماء «مينا وبيير»، فما إن أُبلغ بأسماء اثنين من الأطفال الذين تجاوزوا الاختبارات فى موقع حارس المرمى، وأن اسميهما «مينا وبيير»، حتى أشار لهما إلى بوابة الخروج من النادى، وطلب منهما المغادرة.
السؤال هنا: ما الذى أوصل شخصاً مثل إكرامى إلى اعتناق هذا الفكر المتشدد القريب من فكر الجماعة، والذى لا يبعد مسافات كبيرة عن فكر داعش؟
الحقيقة وبعيداً عن توجيه الاتهامات، ما حدث للكابتن إكرامى هو ما حدث للقطاع الأكبر من المصريين، تعرضوا لرياح الوهابية المقيتة على النحو الذى جعلهم يحملون فكراً متشدداً منغلقاً يضيق على شريك الوطن المغاير فى الدين والطائفة، وجاء ذلك كمحصلة لعملية شحن فكرى متواصل والاستسلام للفكر الوهابى الذى غزا بلدنا تارة حينما ذهبنا للعمل فى بلاد النفط، وتارة أخرى نتيجة تلاعب رجال السياسة والفكر فى مصر وانبطاح الكثير منهم أمام أموال الخليج. كانت محصلة ذلك أن تحولت مصر الموصوفة بأنها «فجر الضمير»، والحضن المفتوح لكل هارب أو فار من بلاده وباحث عن الأمن والأمان، تحولت إلى دولة منغلقة تميز بين مواطنيها بسبب الدين والطائفة، فقدت كثيراً من ملامحها الإنسانية التى عرفت بها على مدار التاريخ، الدولة التى احتضنت ملوك اليونان وألبانيا وشاه إيران وغيرهم ممن طلبوا الأمان ووجدوه فى مصر، إلى دولة يرفض لاعبها مصافحة لاعب منافس ويعتبر ذلك نوعاً من «الجهاد فى سبيل الله».
اجتاح التشدد والتطرف والغلو مجتمعنا المصرى يوم أن فُتح الباب أمام الفكر الوهابى، يوم أن ضعفت أو أضعفت مناعة مصر، فاخترقها الفكر الوهابى وعبث بعقول وقلوب المصريين، فصاروا عكس أجدادهم، مغرقين فى الغيبيات، منغلقين، متشددين على نحو يمكن تفصيله من خلال نظريات علمية تتناول العنصرية والتطرف، تتحدث عن مكونات ثلاثة للعنصرية، الأول هو المكون المعرفى: ويتمثل فى المعتقدات والأفكار والتصورات التى توجد لدى أفراد عن أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية Stereo Types التى تعنى تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة يتم فى ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات التى تتعرض للقولبة النمطية لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحاً وأكثرها مقاومة للتغيير. الثانى هو المكون الانفعالى: وهو بمثابة البطانة الوجدانية التى تغلف المكون المعرفى، فإذا افتقد الاتجاه مكونه الانفعالى يصعب وصفه بالتعصب. الثالث هو المكون السلوكى: وهو المظهر الخارجى للتعبير عما يحمل الفرد من مشاعر وقوالب نمطية ويتدرج هذا المكون إلى خمس درجات:
أ- الامتناع عن التعبير اللفظى خارج إطار الجماعة على نحو يعكس سلوك كراهية دفينة.
ب- التجنب: أى الانسحاب من التعامل مع المجموعة أو المجموعات الأخرى رفضاً لها.
ج- التمييز: ويمثل بداية أشكال تطبيق التعصب الفعال، أى السعى إلى منع أعضاء الجماعات الأخرى من الحصول على مزايا أو تسهيلات أو مكاسب سواء على نحو رسمى أو واقعى.
د- الهجوم الجسمانى: أى الاعتداء البدنى على أعضاء الجماعة أو الجماعات الأخرى.
هـ- الإبادة: وتمثل المرحلة النهائية للعداوة والكراهية وتجسد قمة الفعل العنصرى وتعبر عن نفسها فى شكل مذابح جماعية بناء على أساس الانقسام أو التمييز.
نقلا عن الوطن