لو المجلس الأعلى للقضاء حريص على كرامة القضاء، لرفض مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، والذى نص على فرض رسم قدره عشرة جنيهات لصالح الصندوق.
حتى لو وافق مجلس النواب بالإجماع، هذا قانون مهين للقضاء المصرى الشامخ، قانون يتبعه أذى، الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة فرض عين على الدولة المصرية، القضاة لا يعاملون هكذا، أتتسول الحكومة على القضاة، أتعجز الحكومة عن إعالة القضاة صحياً واجتماعياً؟.
عجباً متى كانت شؤون القضاة تطرح هكذا على العامة، وتصبح سيرة القضاة على كل لسان، وتنال منهم الألسنة الطويلة، سخام يلوث صورة القضاء المصرى، صندوق خدمات القضاة لن يمتلئ بجنيهات الفقراء، ومحزن أن تهبط الحكومة بالمنصة العالية إلى وحل الشارع، وتستجدى خدماتهم الصحية والاجتماعية على هذا النحو المهين.
عشرة جنيهات لن تملأ الصندوق، وتشفيط الحنفيات لا يملأ الِقرَب، ولماذا القضاة يستحقون رسماً، ولماذا تجبرون المتقاضين على تمويل صندوق من يفصل فى شؤونهم، ويصدر الأحكام، كيف ينظر مَنْ تحت المنصة إلى مَنْ يتربع فوقها، كيف سوّلت لكم أنفسكم إهانة القضاة الشامخ؟.
حصَّلِت تسول الشعب لتمويل القضاة، يجب تنزيه القضاء عن كل لغو، تنزيل القضاة إلى ساحات الجدل الشعبوى خطير، القضاة لا يطلبون ميزة إضافية، رعايتهم الصحية ومعاشاتهم وكفايتهم واجب مقرر، متى كانت رواتب القضاة وبدلاتهم وصناديقهم ع المشاع، وتستحلهم الألسنة، ويعلقون من رواتبهم على صفحات الفيس، ويغرّد عليهم المغردون، وينعتهم الناعتون.
لماذا تنزلون القضاء منزلاً لا يحفظ شموخهم وجلالهم، لماذا تدخلون القضاء مدخلاً شعبياً ضيقاً، وفى توقيت يئن الشارع من الأسعار والفواتير والضرائب، يصيب القضاة ببعض من رذاذ الغضب، مسك سيرة القضاة، ورواتبهم وبدلاتهم صارت طقساً فيسبوكياً، ويتنطع من فى قلبه مرض ويتجرأ بافتكاس مرتبات وبدلات وهمية لينال من القضاة، القضاة ليس على راسهم ريشة ولكنهم يجلسون على المنصة العالية، عالية لأنها منصة العدالة، ترفيعاً للمنصة وليس ترفعاً من القضاة.
تمكين الإخوان والتابعين من رقبة القضاء بمثل هذا القانون وبهذا الرسم، بعشرة جنيه تفريط فى معنى جميل، والتعريض بالقضاء هكذا على قارعة الفضائيات يأكل من صدقية القضاة، وتنزيل خواء صناديقهم الصحية والاجتماعية على الأزمة الاقتصادية يضر كثيراً بصورة القضاة فوق المنصة العالية، يخدش الصورة، يخربش الوجوه، هناك من يتربص بالقضاء، وهناك من يتجرأ على القضاء، بعشرة جنيه!
مثل هذا القانون الغبى يغرى كل من فى قلبه مرض بالتطاول على القضاء والقضاة، ويصير السؤال: ولماذا القضاة؟.. هذا استثناء ليس فى محله ولا وقته، كل المهن متضررة، وتشكو حالها، وتعانى عنتاً فى تدبير خدماتها الصحية والاجتماعية، لماذا القضاة وحدهم واستثناؤهم بأن يصدر لهم قانون يمولهم من لحم الحى، رفعة القضاة من ترفع الحكومة عن الجباية باسمهم، وعلى اسمهم.
أرجو أن يترفع القضاة عن هذا الجدل، وأن يذهب المجلس الأعلى للقضاء إلى رفض هذا القانون، وأن تكف الحكومة أذاها عن القضاء، أشك أن يقبل قاض هذا التترى فى طلب تحسين الخدمات الصحية، وأخشى أنه من بنات أفكار قضاة، وأجابتهم الحكومة، هو فيه كده، يمتهن القضاة فى فضائيات المساء والسهرة.
والحل ميسور، وثيقة تأمين صحى جماعية تكفى القضاة مؤنة هذا القانون، ومستشفى القضاة مشروع مطروح على نادى القضاة يموله الأعضاء، ويتبرع لإنجازه كبار القضاة، والحمد لله جلهم ميسورون، ومستورون، ويكفون أنفسهم ببعض من إيثار.
نقلا عن المصري اليوم