في هذا المقال يكشف علاء الأسواني عن المعارك الدائرة في مصر الآن حول الأخلاق والدين.
كل ذلك حدث في أسبوع واحد ...
قامت احدى الراقصات بتصوير نفسها بملابس الرقص ونشرت الصور على صفحتها على فيسبوك فتقدم مواطن شريف ببلاغ ضدها وأُحيلت للمحاكمة بتهمة نشر الفسق والفجور. بعد ذلك ضبطت السلطات بنطلونات جينز مستوردة مكتوب عليها "بسم الله الرحمن الرحيم" فتم التحفظ عليها فورا وأعلنت حالة الطوارئ في الجمارك من أجل القبض على كل من يجلب هذه البنطلونات الجينز لانها تسيء إلى الاسلام.
في نفس اليوم قدم مواطن شريف آخر بلاغا ضد المفكر سيد القمني واتهمه بازدراء الأديان في محاضرة ألقاها خارج مصر و بعد منتصف الليل قام سيادة اللواء محافظ القاهرة بزيارة مقهى في مدينة نصر ووبخ الشباب الجالسين في المقهى وأقنعهم بالعودة لبيوتهم والنوم مبكرا حتى يكونوا مواطنين صالحين ..
في مصر الآن كتاب ومفكرون محبوسون فعلا مثل أحمد ناجي واسلام البحيري بتهم خدش الحياء وازدراء الأديان، بالاضافة إلى حكم بالحبس ضد الشاعرة فاطمة ناعوت لم يتم تنفيذه لأنها خارج مصر. لم تقتصر الملاحقة على الكبار بل ان بعض الاطفال الأقباط شاء حظهم العاثر أن يتم تصويرهم وهم يسخرون من تنظيم داعش الارهابي فتم حبسهم بتهمة ازدراء الأديان ..
من المسئول عن كل هذه المحاكمات؟ مع احترامنا للقضاء المصري الشامخ فلا شيء في مصر يمكن أن يحدث خارج ارادة الدولة. والدولة المصرية الآن كلها في يد شخص واحد هو الرئيس السيسي الذى ينفرد تماما بالحكم وكل ماعدا ذلك ديكورات لزوم التصوير . .
الوضع في مصر الآن أوضح من أى وقت مضى. نظام السيسي يقدم نفسه باعتباره حارسا للفضيلة وهو يصطنع المعركة تلو الأخرى ليثبت انه لا يتهاون ابدا في حماية الاخلاق والدين. لا أحد بالطبع يؤيد الفسق والفجور أو تحقير الأديان لكن هل تقتصر حماية الأخلاق والدين على تجريم الصور المثيرة ومحاكمة الكتاب والمفكرين ..؟ ماذا عن اعتقال الناس عشوائيا وحبسهم بدون محاكمة لسنوات وحشرهم في أماكن احتجاز لاتصلح للحيوانات وقتلهم بسبب التعذيب أو الاهمال الطبي؟ الا تعتبر كل هذه الجرائم منافية للاخلاق؟!. ماذا عن مضاعفة الضرائب على الفقراء وتخفيضها على الاغنياء ..؟ ألا يعتبر ذلك منافيا للأخلاق؟.. ماذا عن اتهام كل من يختلف في الرأى مع السيسي بالخيانة واطلاق الشتامين عليه في التليفزيون ليسبوه وأهله بأبشع الالفاظ ..؟ هل يعتبر هذا عملا أخلاقيا ..؟ ماذا عن اعطاء جزيرتين مصريتين إلى السعودية بارادة السيسي المنفردة وماذا عن طعن الحكومة المصرية ضد نفسها أمام القضاء الذى حكم بأحقيتها التاريخية في الجزيرتين ..؟ الا يعتبر ذلك أكبر انتهاك للاخلاق ..؟ النظام الحالي في مصر يقدم نفسه باعتباره حاميا للأخلاق لكنه في نفس الوقت ينتهك الاخلاق في كل ما يخص حفاظه على السلطة وحماية مصالح الطبقة الحاكمة ...
ما يفعله نظام السيسي تكرر في كل الانظمة الاستبدادية. الديكتاتور يؤمن دائما بأنه بطل قومي و مبعوث العناية الإلهية لانقاذ الوطن ويتعامل مع المواطنين وكأنهم مجموعة أطفال سذج ناقصي الادراك لايعرفون مصلحتهم، ولو تصرفوا في حياتهم وفقا لارادتهم فسوف يؤذون انفسهم ويقعون في مشكلات بلا حصر.
من هنا يعتبر الديكتاتور نفسه الأب الحازم الذى يعرف مالا يعرفه أفراد الشعب وهو يتخذ لهم القرارات الصحيحة ويرغمهم على تنفيذها من أجل مصلحتهم، انه يحب دائما أن يبدو في دور حارس الفضيلة الذى يحافظ على أخلاق الناس ويحمي قداسة الدين.
بالطبع لا يمنعه ذلك من سحق كل من تسول له نفسه منازعته على السلطة لكنه مع امعانه في التنكيل بمعارضيه يحرص دائما على أداء الصلاة أمام الكاميرات وكثيرا ما يترقرق الدمع في عينيه وهو يستمع إلى خطبة الجمعة من فرط الخشوع والتقوى . .
"سيدنا حارس الفضيلة" دور قام بأدائه كل الحكام المستبدين بلا استثناء لكن المسرحية ليست بطولة الديكتاتور وحده فالمواطن في نظام الاستبداد يحتاج أيضا إلى تمثيل دور المحافظ على الاخلاق والدين. المواطن في دولة الاستبداد لا يعترض أبدا عندما يرى السلطة تزوِّر ارادته في الانتخابات وتتيح الفرصة للفاسدين لكى ينهبوا أمواله وتعتقل المعارضين وتنكل بهم، لكنه يثور بشدة اعتراضا على مشهد عري في فيلم أو رأي قيل عن الدين لا يعجبه. انه يحس بالرضا عندما يتم حبس راقصة لانها صورت نفسها على فيسبوك أو يسجن كاتب بسبب مقال أو محاضرة. هذا المواطن المقموع المرعوب من السلطة يحتاج نفسيا إلى بعض الانتصارات الصغيرة في معارك مفتعلة وتافهة ليحس بأنه ليس منزوع الكرامة تماما وأنه يستطيع ان يفرض ارادته ولو مرة واحدة .
"سيدنا حارس الفضيلة" مسرحية مصطنعة كاذبة مشتركة بين ديكتاتور يخفي استبداده ومواطن يتهرب من احساسه بالعجز والاذعان . معركة الأخلاق الحقيقية في مصر ليست مع كلمة قالها مفكر ولا مع صورة مثيرة لراقصة وانما هي في الحقيقة بين نظام استبدادى يقمع المصريين وينفرد بالرأى والقرار ويضع نفسه فوق المحاسبة ويهدر مليارات الجنيهات في مشروعات لا تحقق عائدا وبين شعب يدرك جيدا حجم الظلم الواقع عليه لكنه صامت مستسلم تماما خوفا من بطش السلطة . ..
لن تنتصر الأخلاق الا بتحقيق العدل ولن يتحقق العدل الا بديمقراطية حقيقية ولن تتحقق الديمقراطية الا اذا آمن المصريون ان القمع لا يصنع النهضة أبدا وأن الديكتاتورية ستنتهى حتما بكوارث وأن عواقب خضوعهم للاستبداد أسوا بكثير من مخاطر مقاومته ...
الديمقراطية هي الحل
نقلا عن dw