قبل أيام قليلة من عرض مشروع قانون بناء الكنائس على مجلس النواب، بعد أن تم حل الأزمة التى اندلعت ما بين الكنيسة والحكومة بخصوص مشروع القانون، وذلك على خلفية تراجع الحكومة عما اتفقت عليه مع الكنيسة، وبالذات فيما يخص اشتراط تدخل الأجهزة الأمنية فى الموافقة على ترخيص الكنائس أو ترميمها أو حتى مجرد إقامة الصلوات فى الأماكن التابعة لها، بل حتى فى المنازل، نرصد الأزمة الحقيقية فى بناء وترميم الكنائس، وكيف كانت عبارة «ترخيص لدواعٍ أمنية» كافيةً لمنع بناء الكنيسة أو ترميمها أو حتى الصلاة بها، إذا ما كانت مرخصة.
الرئيس السيسى فى أحد اللقاءات مع البابا تواضروس
«فشلت قيادات الأمن بالمنيا فى إقناع أهالى قرية (كوم اللوفى) بإقامة كنيسة للأقباط لإعادة الهدوء مرة أخرى بسبب تمسك وفد القرية من المسلمين برفض بناء كنيسة لوجود أخرى قريبة»، كان هذا هو الخبر الذى تصدر «المصرى اليوم» منذ عدة أيام، وهو الخبر الذى يتزامن مع توقع مناقشة البرلمان لمشروع قانون «بناء الكنائس» الذى تقدمت به الحكومة وضرورة إجازته قبل انتهاء دور الانعقاد الحالى للبرلمان، طبقا لنص الدستور وسط جدل شديد حول قدرة هذا المشروع على حل المشاكل القائمة فيما يتعلق ببناء الكنائس منذ صدور الخط الهمايونى للدولة العثمانية فى فبراير 1856 والذى بناء عليه تم ربط ترخيص بناء الكنائس وترميمها بموافقة السلطان العثمانى، وهو الحق الذى انتقل لرأس الدولة المصرية بعد الاستقلال وانتهاء بما عرف بشروط «العزبى باشا» وهى الشروط العشرة التى وضعها وكيل وزارة الداخلية المصرية لبناء الكنائس عام 1934.
الرئيس السادات مع البابا شنودة
ظل بناء الكنائس وممارسة إقامة الشعائر للمسيحيين سببا فى كثير من أحداث العنف الطائفى، وإذا عدنا لأشهر تقرير تعرض للمشاكل الطائفية فى مصر وهو تقرير «العطيفى»، الذى قدم بعد أحداث الخانكة، سنجد أن هذه الأحداث التى وقعت عام 1972 وقعت بسبب الصلاة داخل جمعية مسيحية غير مخصصة للصلاة وهى جمعية دار الكتاب المقدس.. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل بناء الكنائس أو وجودها أو احتمال تحول أحد المبانى إلى كنيسة أو ممارسة إقامة الشعائر أو الصلاة داخل مبنى تابع للكنيسة أو حتى داخل بيت أحد المسيحيين مشكلة المشاكل.
قام مجهول يوم السبت الموافق العاشر من أكتوبر 2009 بتحطيم صلبان بأعلى كنيسة الشهيد أبى فام الجندى بمركز طما محافظة سوهاج.. فقد تسلق شخص سلم برج المراقبة الخاص بحارس الكنيسة حتى وصل إلى الصلبان المصنوعة من الجبس بأعلى الكنيسة وقام بتحطيمها أثناء ترديده عبارات دينية قبل أن يهرب.. مما يعكس موقف البعض من وجود الكنيسة أو رمزها.
فى تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2009 يرصد التقرير عددا من أحداث العنف الطائفى والتوتر بين المسلمين والمسيحيين فى عدد من المحافظات، ويوثق التقرير استمرار الاعتداءات الطائفية أو التدخلات والانتهاكات الأمنية المرتبطة بقيام المسيحيين بشعائرهم داخل مبان خاصة أو الاشتباه فى نيتهم تحويل مبان قائمة أو تحت الإنشاء إلى كنائس، وتتضمن هذه الوقائع أحداثا فى محافظة المنيا فى كل من مدينة الحواصلية وعزبة باسليوس بمركز بنى مزار ومحافظة بنى سويف فى عزبة جرجس بمركز الفشن ذات الأغلبية المسيحية، والتى شهدت أحداث عنف طائفية على خلفية قيام المسيحيين بإقامة الصلوات فى أحد مبانى العزبة.. وقد بدأت الأحداث عندما قرر مسيحيو العزبة تخصيص أحد أدوار مبنى خدمى يتبع المطرانية لإقامة شعائرهم الدينية نظرا لضيق مساحة المكان الذى يصرح لهم بالصلاة فيه، والذى تبلغ مساحته خمسة وثلاثين مترا فقط، واضطرار مسيحيى العزبة للصلاة فى الشارع، لذا بدأوا فى تجهيز الدور الثانى من المبنى، إلا أن كاهن القرية قد أوضح أنهم تلقوا تحذيرات من جهاز مباحث أمن الدولة بعدم الصلاة فى المبنى، مبررين ذلك بأن المبنى قريب من أحد مساجد العزبة، والمسلمون فى العزبة يرفضون وجود مكان لصلاة المسيحيين بجوار المسجد، ثم قام العشرات من مسلمى العزبة بمهاجمة مسيحييها وممتلكاتهم واندلعت الاشتباكات بين الطرفين.. يذكر أن مصادمات عزبة جرجس وقعت بعد أقل من أسبوعين من وقوع مصادمات مشابهة فى عزبة بشرى الشرقية التى تتبع مركز الفشن أيضا، وتبعد كيلو مترات قليلة عن عزبة جرجس أيضا على خلفية إقامة مسيحيى العزبة شعائرهم الدينية فى أحد مبانى العزبة.
كما يشير التقرير إلى قيام الأجهزة الأمنية والمجالس المحلية بوقف أعمال البناء أو هدم مبان تحت الإنشاء على أراض مملوكة لمسيحيين على أساس شك هذه الأجهزة فى وجود نية لبيع هذه المنشآت للمطرانيات أو تحويلها لكنائس، وذلك فى كل من قرية العدوة وقرية ريدة فى المنيا ومدينة القوصية فى أسيوط.. أيضا قامت الجهات الحكومية بهدم مبنى تابع لجمعية مسيحية فى منطقة الإباحية بالقاهرة.
الصلاة فى البيوت
الواقعة التالية هى واقعة فريدة من نوعها، حيث قامت الشرطة بمركز سمالوط بمحافظة المنيا بإلقاء القبض على «موريس سلامة شرقاوى» «مدرس 48 عاما» من قرية دير سمالوط، ونسبت الأجهزة الأمنية إلى موريس أنه يقوم بتنظيم تجمعات مسيحية وصلوات جماعية داخل منزله بحضور رجال دين مسيحيين دون الحصول على تصريح مسبق.. بينما قال «موريس» إنه أقام الذكرى السنوية لوفاة عمه ولعدم وجود كنيسة بالقرية فقد طلب من القس أن يأتى لمنزله لإقامة صلوات حضرها أفراد العائلة لكنه فوجئ باستدعاء الشرطة وتم تحرير محضر له، كما قامت النيابة العامة بالتحقيق معه ثم أفرجت عنه بعد توقيعه تعهد بعدم إقامة شعائر دينية أو تنظيم تجمعات مسيحية داخل منزله، وكانت هذه الواقعة هى أغرب واقعة لاتهام مواطن بإقامة صلاة داخل منزله دون ترخيص.
قام أقباط قرية «أبوشوشة» التابعة لمركز أبوتشت محافظة قنا بتنظيم مظاهرة بالمقر البابوى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة يوم الثامن من أكتوبر من نفس العام لمطالبة البابا شنودة بالتدخل لدى المسؤولين ومطالبتهم بالموافقة على إحلال وتجديد كنيسة الأنبا أنطونيوس بالقرية، بعد أن شب بها حريق مما تسبب فى تصدع المبنى والخوف من سقوطه على المصلين، خاصة أنها الكنيسة الوحيدة فى القرية التى يقدر عدد الأقباط فيها بخمسة آلاف شخص وكانوا قد تقدموا بطلب إلى محافظ قنا، إلا أن الأمر تعقد بتقارير لجان شكلتها المحافظة اختلفت حول هل يتم الترميم، أم أن المبنى يجب إسقاطه... أيضا أصدرت مطرانية مغاغة والعدوة بيانا بالصوم الانقطاعى وإقامة صلوات لمدة ثلاثة أيام متتالية وذلك «لطلب التدخل الإلهى لحل مشاكل الإيبارشية».
مشروع قانون بناء الكنائس ينتظر العرض على البرلمان بعد اتفاق الحكومة والكنائس على المسودة النهائية
أيضا وفى نفس العام 2009 وفى يوم 11 يوليو تعرضت كنيسة «أبسخيرون القلينى» الواقعة بعزبة باسيليوس التابعة لمحافظة المنيا للحرق وتهدمت أجزاء كبيرة منها وقد أكدت شاهدة عيان مسيحية تقيم فى منزل ملاصق للكنيسة أمام النيابة العامة أنها شاهدت اثنين من المسلمين- ذكرت أسماءهم- أحدهما يحمل جركنا معبأ بالبنزين وهما يدخلان الكنيسة من بابها الجانبى وشاهدت العشرات من مسلمى العزبة أمام الباب الرئيسى يحملون العصى ويتابعون احتراق الكنيسة والذى استمر لفترة قاربت الساعتين فى نفس الوقت وجه أحد مسلمى القرية الاتهام فى التحقيقات لأحد مسيحيى القرية وقال إنه شاهده وهو يخرج من الكنيسة حاملا جركنا معبأ بالبنزين وبناء عليه ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المسيحى وحده وعرض على النيابة العامة التى أمرت بحبسه وظل قيد الاحتجاز اثنا عشر يوما ثم أخلى سبيله بكفالة وقال المسيحى واسمه «رضا زكى» لباحثى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنه أثناء محاولاته لإطفاء النيران المشتعلة بمبنى الكنيسة وجد بعض رجال الأمن يلقون القبض عليه وفوجئ باتهامه بحرق الكنيسة.. ويذكر أن الأجهزة الأمنية فرضت حراسة على المبنى المحترق ومنعت مسيحيى العزبة من إصلاحه أو استخدامه.
بعد هذه الواقعة بأقل من أسبوع وعقب الانتهاء من صلاة الجمعة قام نحو ألفين من مسلمى قرية «الفقاعى» التابعة لمحافظة «بنى سويف» بمهاجمة مبنى تابع لجمعية المحبة المسيحية وكذلك منازل يسكنها مسيحيون وذلك بسبب انتشار شائعات بين مسلمى القرية تفيد بأن المسيحيين يعتزمون تحويل مبنى الجمعية إلى كنيسة وذلك بعد أن قام كاهن القرية بإقامة صلاة حضرها عدد كبير من المصلين بعضهم من خارج القرية.. وبناء على سريان تلك الشائعات تحرك ما يقرب من ألفى من مسلمى القرية بعد صلاة الجمعة واتجهوا إلى مبنى الجمعية وهم يرددون هتافات ضد المسيحيين وضد وجود كنيسة بالقرية ثم شرعوا فى إلقاء الحجارة على مبنى الجمعية ومنازل المسيحيين القريبة منها واقتحموا عددا منها وقد حضرت قوات الأمن وانتشرت فى القرية دون أن تقوم بإلقاء القبض على أى من المتورطين فى الاعتداءات كما لم يتم تحرير محضر بالواقعة أو إبلاغ النيابة العامة بها وقامت الأجهزة الأمنية بإغلاق مبنى الجمعية ومنع مسيحيى القرية من الصلاة فيه وقال قس الكنيسة إن المسيحيين دأبوا على ممارسة شعائرهم داخل مبنى الجمعية منذ سنوات عديدة وأن ضباط مباحث أمن الدولة ومسلمى القرية يعلمون ذلك لكن هذه المرة قامت جهة أمنية بتحذيرهم من أن هناك توترا أمنيا بسبب صلاة القداس.. وتم عقد صلح وتعهد ممثلو العائلات المسلمة بعدم تكرار الأحداث دون التطرق إلى وضع مبنى الجمعية الذى ظل مغلقا.
وفى نفس الشهر وعقب صلاة الجمعة أيضا قام نحو ألفى شخص من مسلمى قرية «الحواصلية» التابعة لمركز المنيا بمهاجمة مبنى تابع للمجمع المعمدانى التابع للطائفة الإنجيلية.. كانت الطائفة قد شرعت فى بنائه وقاموا بإشعال النيران فيه وإحراق ثلاثة منازل للمسيحيين بسبب رفض مسلمى القرية وجود كنيسة أخرى بقريتهم حيث توجد بها كنيسة كاثوليكية.. وكان قد تم استدعاء كاهن القرية لسؤاله عن سبب تركيب صليبين من الجبس على واجهة المبنى وطلبت منه مباحث أمن الدولة إزالتهما وعندما رفض تمت إحالته إلى النيابة العامة التى قامت بالتحقيق معه فى واقعة بناء كنيسة بدون الحصول على ترخيص.
فى شهر أغسطس من نفس العام قام كاهن عزبة «داود يوسف» بمحافظة المنيا بإرسال شكاوى لرئاسة الجمهورية جاء فيها أن القرية التى يقطنها حوالى ثمانمائة قبطى ليس بها كنيسة مما يضطرهم للصلاة فى كنيسة تقع فى قرية أخرى وأضاف أنهم يضطرون إلى إقامة صلاة الإكليل ومراسم الزفاف وكذلك الصلاة على موتاهم فى الشارع، وأكد أنه سبق أن تقدم بطلب للمحافظ للسماح له باستخدام قاعة قام ببنائها كدار مناسبات مسيحية إلا أن المحافظ لم يستجب بينما رفضت مباحث أمن الدولة الطلب بدعوى رفض مسلمى القرية لوجود قاعة مناسبات مسيحية فى قريتهم.
أيضا فى نفس الشهر قام مجلس مدينة القوصية بمحافظة أسيوط بمنع مواطن من استكمال بناء سور حول قطعة أرض يملكها وذلك لتشكك جهاز مباحث أمن الدولة فى وجود نية لبناء كنيسة على الأرض.. ورغم أن المواطن كان قد حصل على تصريح ببناء السور إلا أنه فوجئ بقدوم رجال من مركز الشرطة ومن مجلس المدينة لمطالبته بوقف البناء بدعوى ورود شكوى من أحد المواطنين المسلمين تفيد بأنه ينوى بناء كنيسة على أرضه الملاصقة لمقام أحد أولياء المسلمين وتم التحقيق معه وتوقيعه إقرارا بعدم نيته إقامة كنيسة وعندما شرع فى استكمال السور مرة أخرى فوجئ بمجلس المدينة يطالبه بوقف البناء ورغم حفظ النيابة للتحقيق إلا أن مجلس المدينة أصدر قرارا بإجبار صاحب الأرض على التوقف عن استكمال البناء.
وفى الشهر التالى قام المسؤولون بمجلس مدينة العدوة بمحافظة المنيا بهدم منزل تحت الإنشاء يمتلكه أحد المواطنين المسيحيين فى قرية «القيات» لتشكك ضباط مركز شرطة العدوة اعتزام صاحب المنزل تحويله إلى كنيسة وقد تم استدعاء المواطن حيث وقع على إقرار بأنه يبنى منزلا وليس كنيسة وأنه لن يقوم ببيعه إلى مطرانية الأقباط الأرثوذكس واستمر البناء إلى أن تم استدعاؤه إلى مركز الشرطة مرة أخرى حيث تم احتجازه وقريب له فى نفس الوقت الذى قامت فيه جرارات مجلس المدينة مدعومة بقوات أمنية بهدم المنزل وقال المواطن لباحثى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن مأمور المركز قال له «ارتاح خلينا لك الكنيسة على الأرض عشان تعرف تكذب علينا وتقول بتبنى بيت وإنت بتبنى كنيسة».
أيضا من الوقائع اللافتة أن منعت الأجهزة الأمنية فى إبريل 2009 أيضا أقباط عزبة واصف غالى باشا التابعة لمركز العياط بمحافظة أكتوبر من إقامة الصلاة على جثمان إحدى السيدات داخل مبنى مملوك لمطرانية الجيزة خوفا من تحويله إلى كنيسة.
سندان الدولة ومطرقة المتطرفين
هذه بعض نماذج لوقائع إما التعدى على كنائس لرفض وجودها، أو التشكك فى قيام المسيحيين بتحويل مبنى خدمى إلى كنيسة، أو ادعاء بناء بيت بينما النية مبيتة لبناء كنيسة، وفى بعض هذه الحالات يكون المبنى فعلا مبنى خدميا فقط أو يكون المواطن ينوى بناء بيت وليس كنيسة، لكن فى حالات أخرى تكون بالفعل طريقة للتحايل لإقامة مكان لممارسة الشعائر نتيجة الاحتياج إلى مكان ورفض الجهات المعنية منح تصريح بإقامة كنيسة.
اخترنا فى الحوادث السابقة فترة زمنية محددة من عام واحد هو عام 2009 لمحاولة تجسيد المشاكل التى تحدث من وراء بناء الكنائس أو إقامة الشعائر الدينية المسيحية علما بأن كل هذه السنوات شهدت نفس هذه الوقائع ولا يقتصر ذلك على مكان بعينه، وإنما ينتشر على طول الإقليم المصرى.. فهل اختلف الأمر بعد قيام ثورتين فى مصر؟.
بعد ثورتين
إذا ما كان بناء الكنائس وإقامة الشعائر هو مشكلة المسيحيين طوال سنوات طويلة منذ بداية السبعينات فى أحداث الخانكة، فإن هذه المشكلة تفاقمت بعد الثورة ففى 29 يناير 2011 ولعدة أيام متتالية تعرضت كنيسة مار جرجس والعائلة المقدسة بمدينة رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة لاعتداءات مسلحة وعمليات نهب وسرقة وحرق عن طريق مجموعات من الملثمين، حضروا بسياراتهم وهم مدججون بالأسلحة النارية ورفض المسؤولون تحرير محضر بالواقعة كما رفضت الجهات الأمنية طلبات إعادة ترميم الكنيسة لإقامة الصلاة فيها.
وإذا كانت هذه الواقعة قد جرت فى الأيام الأولى للثورة فإنه وفى ظل ولاية المجلس العسكرى وقعت حادثة حرق وهدم كنيسة بقرية «صول» مركز «أطفيح»، حيث قامت جموع غفيرة من مسلمى القرية والقرى المجاورة بالاعتداء على الكنيسة ثم قاموا بإشعال النيران فيها.. ما جرى بعد ذلك يكشف عن طريقة تناول الدولة لمثل هذه الوقائع فقد أعلن المشير طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن إعادة بناء الكنيسة على نفقة القوات المسلحة إلا أن أهالى «صول» رفضوا إعادة بناء الكنيسة وأعلن محافظ حلوان أنه سيتم بناء الكنيسة خارج القرية استجابة لمطالب أهالى القرية، وقد ضغط اللواء حسن الروينى مدير المنطقة المركزية للقوات المسلحة السابق على قادة الكنيسة لنقل الكنيسة من موقعها القديم إلى خارج القرية، لكن كان لتمسك الكنيسة بالرفض واندلاع احتجاجات قبطية أن قرر المشير إقامة الكنيسة فى موقعها بعد الاستعانة بشيوخ من السلفيين لإقناع مسلمى القرية وكان على رأس هؤلاء الشيخ محمد حسان.
لا يمكن فى هذا السياق إلا أن نذكر أن أحداث ماسبيرو كانت بدايتها التعرض للكنائس بالاعتداء، حيث جاءت الاحتجاجات والمسيرات التى نظمها الأقباط بسبب اندلاع وقائع الاعتداء على كنيسة أمير الشهداء مار جرجس بالماريناب فى محاولة للضغط على الحكومة من أجل إعادة الكنيسة للوضع الذى كانت عليه قبل الاعتداء عليها. أما بعد الثلاثين من يونيو فيذكر تقرير «الأقباط فى مواجهة ثلاثى العنف الطائفى والسياسى والحكومى» الذى قدمته «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» تعرض ما لا يقل عن 85 كنيسة ومبنى ذى صفة دينية إلى أعمال عنف فى الفترة من الثلاثين من يونيو 2013 وحتى الثلاثين من سبتمبر 2014.
هل يحل القانون وحده المشاكل القائمة؟.. وهل وجود قواعد أو قرارات يمكن أن يحكم أداء الدولة فيما يخص مشكلة بناء الكنائس بالذات؟.
رغم أن قرار رئيس الجمهورية رقم 391 لسنة 2005 سمح بإجراء أعمال الترميم للكنائس بمجرد إخطار السلطات دون الحاجة لتصريح مسبق، إلا أن الأجهزة الأمنية قامت بوقف أعمال ترميم لكنائس حصلت بالفعل على تراخيص بالترميم، وهو ما حدث فى يوليو 2008 حين أمر جهاز مباحث أمن الدولة بوقف أعمال ترميم كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بقرية «هو» التابعة لمركز نجع حمادى، وفى أغسطس من نفس العام تعرضت ثلاث نساء للضرب من قبل مندوب الشرطة بعد أن حاولن إدخال كمية من الرمال إلى داخل كنيسة قرية «دشاشا» بمحافظة بنى سويف لإصلاح أرضيتها المتصدعة، وفى شهر يناير من نفس العام أوقفت أجهزة الأمن بنفس المحافظة عمليات ترميم كنيسة مارمينا بقرية «وش الباب».. بل استدعى تركيب صليب خشبى فى مدخل كنيسة العذراء بأسيوط تدخل مساعد وزير الداخلية بالمحافظة والمطالبة بإزالته لأنه يثير «استياء المسلمين»، وبعد مفاوضات لم تتم إزالة الصليب لكن الكنيسة وافقت على عدم إضاءته.
هذه الوقائع لا ترد فقط على السؤال السابق لكنها أيضا تشير إلى طريقة تعامل الدولة ممثلة فى مسؤوليها مع قضية بناء الكنائس.. حيث يخلص تقرير «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» «العنف الطائفى فى عامين» الصادر فى 2010 إلى أن (الاعتراض على إقامة المسيحيين للصلاة لم يكن من المسلمين فحسب بل إن ممثلى الدولة فى أكثر من حالة هم من يرفضون تجمع المسيحيين للصلاة فى أحد المنازل أو يقومون بإلقاء القبض على المصلين والتحقيق معهم، وفى كثير من الحالات كان رفض ممثلى الدولة هو العامل المشجع للأهالى على إعلان رفضهم لإقامة المسيحيين صلواتهم نتيجة للشعور بالوقوف فى خندق واحد مع الدولة.. كما رصدنا حالات تورط فيها ضباط الشرطة فى عمليات التحريض ضد وجود مبنى لصلاة المسيحيين فى مكان ما)، وفى كل الحالات كانت أجهزة الأمن تقوم بإغلاق المبنى الذى أقيمت فيه الصلوات ووضع حراسة أمامه لضمان عدم تكرار الصلاة، كذلك قامت السلطات بمنع المسيحيين من ترميم كنائس قائمة ومرخصة أو حتى طلب إزالة صلبان من عليها.
الوقائع السابقة تشرح التخوف لدى كثير من الأقباط والمهتمين بالشأن القبطى والكثير من الحقوقيين بل المدافعين عن الدستور من مواد مشروع قانون بناء الكنائس المزمع عرضه على البرلمان.. ويرى المهتمون أن هناك ألغاما فى مواد مشروع القانون بل يرى بعض هؤلاء أن عدم النص فى المشروع على وجود صليب وجرس يعلو الكنيسة مقصود أيضا.. وبمراجعة الوقائع السابقة والتى تدلل على موقف مسؤولى الدولة يمكننا أن نفهم لماذا حظيت المادة الخامسة من مشروع القانون بالنصيب الأكبر من الجدل، وهى المادة التى تربط موافقة المحافظ على إصدار الترخيص بـ «استطلاع آراء الجهات المعنية»، وهو ما رأى الكثيرون أنه باب لتدخل الأمن حيث تعطل بناء عشرات الكنائس بسبب عبارة «نرفض لدواع أمنية».
نقلا عن المصري اليوم